تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

ما هو الديالكتيك

وائل سليمان
وائل سليمان

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

4 د

كثيرةٌ هي المفاهيم والمصطلحات المتداولة في الفلسفة وعلم المنطق والتي تُشير إلى أفكارٍ أوجدها الفلاسفة وطوّروها خلال سنواتٍ طويلةٍ، ومنها مصطلح الديالكتيك، الذي قد يستخدمه الكثيرون دون معرفة معناه ودلالاته، فإن كنت مهتمًا بالحصول على إجابةٍ واضحةٍ حول سؤالِ ما هو الديالكتيك إليك هذا الشرح المختصر.


ماذا يعني مصطلح الديالكتيك Dialectic

الديالكتيك أو الجدلية هو مصطلحٌ يُستخدم لوصف طريقة نقاشٍ فلسفيٍّ تتضمن نوعًا من العمليات المتناقضة بين وجهات نظرٍ متعاكسةٍ فيما بينها، كما يعتبره البعض تعبيرًا عن طريقةٍ لتفسير فكرةٍ ما في سبيل توضيح الأشياء وفهمها من كافة جوانبها والتبدلات والتأثيرات بينها وبين وجهات النظر المعاكسة لها.

فالديالكتيك أو الجدلية تُعارض النمط التقليدي الميتافيزيقي لفكرة الفهم المتعارف عليها، حيث ينطلق الديالكتيك من تعريفٍ ثابتٍ للشيء وفقًا لصفاته وميزاته المتنوعة، فمثلًا يرى الفكر التقليدي أن السمكة هي شيءٌ يعيش في الماء وليس لديه أرجل، بينما يرى من يتبع طريقة التفكير الجدلية الأمر من مفهومٍ آخر؛ حيث ينطلق من وجود بعض الحيوانات الأخرى التي تعيش في الماء لكنها ليست أسماكًا، وأن الأسماك كان لها أرجلٌ، لكنها وصلت إلى هذا الشكل نتيجة تطورها من شكلٍ إلى آخر بالاستناد إلى فكرة أن خلق الحيوانات كلها جزءٌ من عمليةٍ مترابطةٍ ومتعلقةٍ مع بعضها البعض.

إذا ما فكرنا بالأشياء بالطريقة الاعتيادية سنجد عدم وجود أي فرقٍ بين مظهر الشيء ومضمونه، أما من خلال الديالكتيك أو الجدلية فهما متعاكسان تمامًا، فعند محاولة فهم إحدى الأمور سيظهر لها عدة أفكار ومفاهيمَ مختلفةٍ يدّعى أصحابها أنها هي الحقيقة المطلقة، لكن من منظور الديالكتيك تُعتبر كل تلك المفاهيم أجزاءً من حقيقةٍ عامةٍ يُعبّرُ كل جزءٍ منها عن جانبٍ واحدٍ أو أكثر من الكلمة.


مفاهيم الديالكتيك Dialectic

أخذ مصطلح الديالكتيك يُشير إلى مفهومٍ أوسع واعتبره الكثيرون دلالةً على فكرةٍ أو مفهومٍ فلسفيٍّ حول التطور يُستخدم في مجالاتٍ متنوعةٍ كالفكر والطبيعة والتاريخ، حيث يتراوح معنى الديالكتيك أو الجدلية بالنسبة للمفكرين الإغريق بين اعتبارها وسيلةً من وسائل إثبات بطلان فكرةٍ من الأفكار خلال النقاش الدائر حولها، وبين التحقيق والتدقيق وتصنيف العلاقات بين مختلف المفاهيم الخاصة منها والعامة.

خلال الفترة الممتدة بين ظهور المذهب الفلسفي الرواقي ونهاية العصور الوسطى في أوروبا عُرف مصطلح الديالكتيك أنه منهجٌ أو نظامٌ خاصٌ بالمنطق الاعتيادي، لكن لم يقتصر إيجاد مفهومٍ للديالكتيك عند هذه المرحلة، حيث اعتبر إيمانويل كانت من خلال نظرية الجدل التجاوزي أنه يُشير إلى بذل الجهد في سبيل الكشف عن الوهم والخداع المتشكل خلال استخدام إحدى أنواع ومبادئ الفهم لما وراء الظاهرة الممكنة.

أما هيجيل فيرى الديالكتيك أنه طريقةٌ لإيصال فكرةٍ أو مفهومٍ أو تصورٍ معينٍ إلى النفي والنقد الموجه إليها، كنتيجةٍ للاختلاف بين وجهات النظر الأساسية المتناقضة، حيث اعتمد هذا التعريف كلٌ من كارل ماركس وفريدريك إنجلز وطبقاه على الأمور الاقتصادية والاجتماعية.


أصل الديالكتيك

مع أن أول من قدم تعريفًا ومفهومًا يوضح معنى الديالكتيك (الجدلي) هما العالمان سقراط وأفلاطون، إلا أن أصل ومنشأ الديالكتيك يعود إلى فترةٍ سبقت عصر هذين العالمين، وتحديدًا إلى الفيلسوف اليوناني هيراقليطس أو هيراكليتوس عندما تناول ذلك في كتاباته بالرغم من أنه لم يستخدم المصطلح ذاته للإشارة إلى فلسفته الخاصة، ويعود الفضل إلى هيراكليتوس في انتشار مفهوم الجدلية عندما انتقل من الاتجاه الثابت والراسخ للفيلسوف بارمنيدس وأتباعه من بعده.

سبق هيراقليطس مرحلة ما قبل سقراط وأثبت فكرة أن الإطار الديالكتيكي للتفكير أول ما ظهر في الفلسفة الغربية، فقد كان تفكيره ديالكتيكيًا (جدليًا) معتقدًا أن كل شيءٍ مصدره النار التي اعتبرها رمز الحركة والتطور وذلك عن طريق الاستهلاك الذاتي حيث قال جملته الشهيرة أن كل شيءٍ في تغيّرٍ مستمرٍ.

اقتنع هيراقليتوس أنه من غير الممكن اختصار كل الأشياء وتفكيكها إلى واحدة الوجود الأساسية، بل إلى مبدأ ديناميكيٍّ يتكون من تفاعلٍ متناقضٍ أو متعاكسٍ بين الأضداد، أي أن الجدلية لديه من الطبيعة لا من العقل.


الطريقة الجدلية لسقراط Socratic method

وتدعى أيضًا بالطريقة السقراطية وهي إحدى أشكال الحوار الجدلي التشاركي بين عددٍ من الأفراد، تقوم على طرح الأسئلة والإجابة عليها لحث البقية على التفكير الناقد والوصول إلى أفكارٍ وفرضياتٍ ضمنيةٍ، وتتضمن هذه الطريقة الجدلية الدخول بنقاشٍ وحوارٍ يصبح فيه الدفاع عن فكرةٍ محددةٍ في أحد المواضيع مثارَ جدلٍ، أي يحاول أحد المشاركين بالحوار جعل البقية يناقضون أنفسهم بطريقةٍ ما، وبالتالي إضعاف موقف من يؤيد تلك الفكرة، وقد نُسبت هذه الطريقة إلى الفيلسوف اليوناني سقراط عندما قدمها في إحدى محاورات أفلاطون (الثيتتس) عام 369.

هل أعجبك المقال؟