تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

ما هو اشعاع هوكينغ

شادي ديب
شادي ديب

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

5 د

لم يترك العلم بابًا إلا وطرقه، وفي كل يومٍ، نسمع بالمزيد من الاكتشافات المثيرة لدرجةٍ قد نظن معها بأن العلم اقترب من اكتشاف كل شيءٍ، ولكن نظرةً واحدةً تأمليةً في مساءٍ صيفيٍّ نحو السماء المُرصّعة بالنجوم، تُعطيك فكرة عن مدى عجزنا حتى اليوم عن اكتشاف غياهب كوننا الفسيح بالرغم من كل الانجازات السابقة في اكتشاف الفضاء الخارجي، حتى الاكتشافات التي تقع خارج مجرتنا، كالمجرات الأخرى والثقوب السوداء، وكل ما يتعلق بها مثل اشعاع هوكينغ والذي هو موضوع مقالنا هذا.


ما هو اشعاع هوكينغ

يُعرّف اشعاع هوكينغ بأنه الإشعاع المنبعث نظريًّا من خارج الثقب الأسود، وبالتحديد من خارج أفق الحدث للثقب الأسود. اقترح العالم ستيفن هوكينج (Stephen Hawking) في عام 1974، أن أزواج الجسيمات دون الذرية (الفوتونات والنيوترونات وبعض الجسيمات الضخمة)، التي تنشأ بشكلٍ طبيعيٍّ بالقرب من أفق الحدث، قد تؤدي إلى هروب أحد الجسيمات من محيط الثقب الأسود بينما يختفي الجسيم الآخر ذو الطاقة السالبة في داخله، يُقلل تدفق جسيمات الطاقة السالبة إلى الثقب الأسود من كتلته حتى تختفي تمامًا في انفجارٍ نهائيٍّ يعطس اشعاع هوكينغ.

يُعتبر اشعاع هوكينغ الدليل العلمي الوحيد على وجود الثقب الأسود، قد تجد عزيزي القارئ أن التعريف السابق غامضٌ نوعًا ما أو أنه غير مفهومٍ بالنسبة لك، وذلك شيءٌ طبيعيٌّ إذا لم تعلم طبيعة الثقب الأسود وماهية أفق الحدث اللذين يحددان حدوث اشعاع هوكينغ، لذلك سأتحدث عنهما بشيءٍ من التفصيل..


الثقب الأسود

"الثقب الأسود ليس سوى مساحةٍ فارغةٍ".. إذا كان هذا ما تعتقده عزيزي القارئ فهو أبعد ما يكون عن الصواب، بل على العكس تمامًا، الثقب الأسود كميةٌ كبيرةٌ من المادة، مضغوطةٌ في منطقةٍ صغيرةٍ جدًا، ولفهم طبيعة الثقب الأسود بشكلٍ أكبر، تخيل نجمًا أكبر بعشر مراتٍ من الشمس مضغوطًا في كرةٍ قطرها يقارب اتساع مدينة نيويورك، والنتيجة هي مجال جاذبيةٍ قويٍّ للغاية بحيث لا يمكن لأي شيءٍ ولا حتى الضوء الهروب منه.

إن فكرة وجود جسمٍ في الفضاء، كثيف وضخم لدرجة أن الضوء لا يستطيع الهروب منه، كانت موجودةً منذ قرون، حيث تنبأ العالم ألبرت آينشتاين (Albert Einstein) بوجود الثقوب السوداء من خلال نظريته النسبية، والتي اقترحت أن الثقب الاسود ناجمٌ عن موت نجمٍ كبيرٍ جدًا، فبمجرد موت النجم يُخلّف وراءه نواة تتميز بصغر الحجم والكثافة، فإذا كان النجم كبيرًا إلى الدرجة التي تكون معها نواته الكثيفة تُعادل في كتلتها ثلاثة أضعاف كتلة شمسنا الحالية، تُنتج النواة قوة الجاذبية المطلوبة حتى تمنع أي شيءٍ يتحرك بسرعةٍ تعادل أو تقلّ عن سُرعة الضوء، من الابتعاد عنها، وهذا هو أساس تشكّل الثقب الأسود..


العلاقة بين اشعاع هوكينغ والثقب الأسود

هنا، قد تتساءل عزيزي القارئ عن العلاقة بين اشعاع هوكينغ والثقب الأسود، ولكن بمجرّد معرفتك بأنه لا يمكن للعلماء أن يراقبوا ما يحصل في الثقب الأسود، ولا دراسته عن بعدٍ باستخدام أيٍّ من المناظير أو التلسكوبات فائقة الدقة (لعدم انعكاس الأشعة عن الأجسام أو المادة ضمن الثقب الأسود)، إنما يُمكنهم الاستدلال على وجود الثقب الأسود من خلال مراقبة تأثيراته على المادة المحيطة به والتي تقع خارج مجال جاذبيّته، سيبقى هذا السؤال مُعلّقًا في بالك حتى إشعارٍ آخر ربما!.

يمكننا تقريب الفكرة قليلًا، عند اقتراب أي جسمٍ من الثقب الأسود إلى الدرجة الكافية، يقوم بجذبه إلى الداخل، وبينما كان الجسم يقع في منطقةٍ مرئيّةٍ بالنسبة للتلسكوبات لقدرته على عكس الضوء والإشعاعات بما فيها اشعاع هوكينغ، يختفي كل أثرٍ له عندما يمتصّه الثقب الأسود، فيُمكنك القول بأن اشعاع هوكينغ يُعتبر مؤشرًا على مجال جاذبية الثقب الأسود..

إن جاذبية الثقب الأسود للأجسام المحيطة به (وحتى الضوء)، تمتلك حدودًا، فكلّ ما يقع خارج هذا الحدّ يمكن أن يتسرب بعيدًا عن الثقب، بينما يمتصّ الثقب كل ما يقع داخل هذا المجال، ومن هنا أتى مصطلح أفق الحدث، وإليك تعريف مفصّل لأفق الحدث.


أفق الحدث

هو الإطار الذي يحدد منطقة الفضاء حول الثقب الأسود، التي لا يمكن لأي شيءٍ (ولا حتى الضوء) الهروب منها، بعبارةٍ أخرى، فإن سرعة جسمٍ ما داخل أفق الحدث يجب أن تتجاوز سرعة الضوء حتى يهرب منه. يُسمى أفق الحدث بهذا الاسم لأنه من المستحيل ملاحظة أي حدثٍ يحدث داخله، إنه أفقٌ لا يمكننا رؤية ما بعده، وبالتالي، فإن أفق الحدث يخفي بشكلٍ فعالٍ ما يَحدث في مركز الثقب الأسود، وإن أول منطقةٍ تقع خارج منطقة أفق الحدث، ينبعث منها اشعاع هوكينغ آنف الذكر.

يُعتبر أفق الحدث نعمةً بالنسبة للفيزيائيين والفلكيين الذين يشعرون بعدم الارتياح بسبب انهيار قوانين الفيزياء في مثل هذه الحالة، حيث تنصُّ فرضيات الرقابة الكونية على أن كل الأحداث المناقضة لقوانين الفيزياء المعروفة، مخفيةٌ بواسطة أفق الحدث، وأن فشل قوانين الفيزياء لا يمكن ملاحظته.

يمكن ضغط أي كتلةٍ بشكلٍ كافٍ لتشكيل ثقبٍ أسودٍ، الشرط الوحيد هو أنه يجب أن يكون الحجم المادي أقل من نصف قطر أفق الحدث المفترض للثقب الأسود الناتج عن ضغط الكتلة، على سبيل المثال، ستصبح شمسنا ثقبًا أسودًا إذا تم احتواء كتلتها داخل كرة قطرها حوالي 2.5 كم..


نصف قطر شفارتزشيلد

أظهر العالم كارل شفارتزشيلد (Karl Schwarzschild) أن أي كتلةٍ يمكن أن تتحول إلى ثقبٍ أسودٍ، إذا ضُغطت هذه الكتلة في كرةٍ صغيرةٍ بما فيه الكفاية، ويُسمى نصف قطر الكرة هنا نصف قطر شفارتزشيلد. لحساب نصف قطر شفارتزشيلد لأي جسمٍ كان (كوكب أو مجرة ​​أو حتى تفاحة)، كل ما تحتاج معرفته هو الكتلة المراد ضغطها، وعندها يمكنك أن تعرف نصف القطر بالمعادلة التالية:

نصف قطر شفارتزشيلد = 2 × كتلة الجسم × ثابت الجاذبية / مربع سرعة الضوء
R = 2 × M × G / C2

يبلغ نصف قطر شفارتزشيلد للأرض بوصةً واحدةً تقريبًا، مما يعني أنه يمكنك سحق كتلة الأرض بالكامل في كرةٍ بحجم كرة السلة، لكنك لن تحصل على ثقبٍ أسودٍ، إذ لا يزال بإمكان الضوء المنبعث من هذه الكتلة الهروب من قوة الجاذبية الشديدة، أما إذا ضغطت كتلة الأرض في كرةٍ بحجم كرة بينج بونج، فإنها تُصبح ثقبًا أسودًا، وسيُحدد لها أفق حدثٍ يُمكن ملاحظة اشعاع هوكينغ المُنبعث من خارجه..

هل أعجبك المقال؟