تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

معلومات حول مصارعة الثيران

علا ديب
علا ديب

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

5 د

لم يُكتب تاريخ إسبانيا بالحبر، بل بدم الثّور، انتشر ظلّ الوحش ذي القرون الحادّة على إسبانيا لآلاف السنين، وامتدّ إلى أمريكا اللاتينيّة، وقد لا يراها المشجّعون كرياضةٍ، بل كشكلٍ فنيٍّ يختلف عن الباليه، والمثير بالنسبة لهم ليس الدم، وإنما مقاربة الحياة والموت، وبالرغم من ارتباط مصارعة الثيران بالثقافة الإسبانيّة بالنسبة لمؤيّديها، ورغبتهم باستمرارها، فقد تعالت أبواق المعارضين لها، لما تحمله من عنفٍ في ممارساتها. وهذا ما سنتعرف عليه.

مصارعة الثيران (Corrida de Toros)، أو مهرجان الشجعان (La Fiesta Brava)، المشهد الوطنيّ في إسبانيا، وغيرها من الدّول النّاطقة بالإسبانية، حيث يتجابه الثّور بمصارعٍ له زيٌّ خاصّ يدعى الماتادور (Matador)، في ساحةٍ رمليةٍ تنتهي بقتل أحدهما للآخر، وبالإضافة لإسبانيا، انتشر هذا النّوع من الرياضة في فرنسا والبرتغال واليابان وكوريا والمكسيك؛ وقد منع بعضها قتل الثّور في الحلبة ليكون المشهد أقلّ دمويّةً..

على مدى القرون تطوّرت مصارعة الثيران وتطورت معها الثيران، فحيوان اليوم الضّخم ذو القرون الحّادة الذي لا يعرف للجبن مكانًا، هو نتاجٌ لتّهجينٍ بين الأجناس والسلالات لعشرات الأجيال. يشبه المشهد إلى حدٍّ كبيرٍ القدّاس الإلهي، بأزياء كهنته الاحتفاليّة، وطقوسه الدّينية، وتقديم الأضاحي في جوٍّ يلفّه الموت، ولكن هنا يعرّض الكاهن حياته للخطر، كما ذكر بعض المؤرخين تكريس مئات القتلى من المصارعين بين عامي 1771-1991م، وعلى عكس باقي الحيوانات، ففي حال كان الثور شرسًا بما فيه الكفاية يتمّ العفو عنه..


نبذة تاريخية حول مصارعة الثيران

وفقًا لما تقوله الأسطورة، يعود تاريخ مصارعة الثيران إلى عهد الحروب الصليبيّة بين المسلمين والمسيحين؛ حين لجؤوا إلى الثّيران في معاركهم لضراوتها وشجاعتها، فهي الحيوان الوحيد الذي لا يهرب عند المواجهة، وتعود بعض الاعتقادات لألفي عامٍ قبل الميلاد، وفقًا لما كشفته النقوش الموجودة في جدران كهوف في كريت (Crete) عن رسوماتٍ لبهلوانيين يقفزون على ظهور الثيران..

سُجّلت أوّل مصارعةٍ للثيران في عام 711م، في احتفالٍ لتكريم الملك الفونسو الثاني، شارك بها أفرادٌ من الطّبقة الأرستقراطية النبيلة على ظهور الأحصنة، لاحقًا في أوائل القرن الثامن عشر مَنعَ الملك فيليب الخامس النبلاء من المشاركة في المصارعة، لكونها تسيء لصورتهم، ليشارك بها فيما بعد عامّة الشعب على أقدامهم، في بداية القرن التاسع عشر أرسى فرانشيسو روميرو النسخة الحالية من مصارعة الثيران على الطراز الإسبانيّ، حين ترجّل عن حصانه، واستلّ سيفه مواجهًا الثور وجهًا لوجه وجسدًا لجسدٍ، في معركةٍ استمرّت حتى الموت، هنالك أنشأت عائلة روميرو مصارعة الثيران كما هي معروفةٌ اليوم.


المعركة مع الثور

يدوم القتال لمدّة ساعتين متضمنًا الاحتفال، يشترك في كلّ قتالٍ ستّة ثيرانٍ وثلاثة ماتادور، لكلّ منهم ستّة مساعدين، ويقسم الصّراع لثلاث مراحلَ تُسهّل قتل الثور، وهي كالتالي:

  • المرحلة الأولى: تبدأ بدخول الثّور للحلبة، وإثارته من قبل الماتادور ومساعديه برمحٍ ذهبيٍّ وورديٍّ لجذب انتباهه إليهم وإثارة غضبه، ليبدأ دور البكادور (Picadors)، وهم رجالٌ يعتلون ظهور الخيل، يطعنون الثّور في عنقه ليحني رأسه، مسببين نزف الدّم له، ممّا يضعفه لمساعدة الماتادور في قتله.
  • المرحلة الثانية: مرحلة دخول الباندلرز (Bandilleros) بالأسهم الحمراء والأعلام، لطعن الثور بها بين كتفيه، يُحرّض هذا الثلث الثور ويغضبه ويضعفه.
  • المرحلة الثالثة: القسم الأكثر شهرةً وشعبيّةً، هي مرحلة المواجهة بين الثور والماتادور حاملًا الّراية الحمراء الموليتا (Muleta)، والسيف. يحاول المصارع إرهاق الثور بالاقتراب منه وحثّه على الهجوم، ويتضمن النزال عدة مناوراتٍ تنتهي بالانقضاض على الثور. تعدّ هذه الطقوس بالنسبة لمحبي صراع الثيران لوحةً فنيّةً، يقارب فيها الماتادور خطر الموت، ويصورها البعض بالعلاقة الحميميّة بين الإنسان والوحش، والتي تنتهي بإحكام المصارع على الثور في حركةٍ أنيقةٍ، كما لو أنها رقصةٌ تنتهي بغرز الماتادور لسيفه بين كتفيّ الثور وفي القلب، وقطع الشريان الأبهر، والموت السريع له.

ثم تجوب أحصنةٌ حلبة المصارعة محمّلةً بجثّة الثور، ويكافأ المصارع بقطع أذنيّ الثور أو ذيله، وفقًا لما يقرّره الرّئيس والجّمهور، ففي حال نال العرض الإعجاب، يلوّح الجمهور بمناديلَ بيضاءَ إشارةً منهم للرئيس، ليأخذها بعين الاعتبار عند اتخاذ القرار..


مصارعة الثيران بين الفنّ والتراث والوحشية

أثارت مصارعة الثيران الجدل سنواتٍ عديدةً، لأسبابٍ تتعلق أوّلًا بحقوق الحيوانات، ولكنها استطاعت أن تبقى جزءًا من جوهر الثقافة الشعبية الإسبانية، فهي من أهمّ المناسبات التقليديّة المتواجدة بشكلٍ دائمٍ بكافة الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية، فيراها المؤيدون تمثيلًا وعملًا دراميًّا يتجابه فيه ضعف الإنسان بالموت، وترتبط صورة الثور المضرّج بدمائه المناضل لهزيمة غريمه في أذهانهم بصورة إسبانيا المناضلة عبر تاريخها.

بالإضافة لمكانتها الثقافية والتاريخيّة، لمصارعة الثيران أهميّةٌ اقتصاديّةٌ، لمساهمتها في النّاتج المحليّ بملياري يورو سنويًّا، ووفقًا لبعض التقارير، اعتبرت مصارعة الثّيران الحدث الثقافي الذي ينتج المزيد من عائدات ضريبة القيمة المضافة، والتي تقدّر بنحو 40 مليون يورو خلال تسع سنواتٍ، بالإضافة لعائدات وسائل الإعلام، وحقوق البثّ، وجذبها السّياح..

في حين كانت مصارعة الثيران تراثًا ثقافيًّا، وتقليدًا وطنيًّا، ومدعاة فخرٍ للإسبانيين، إلا أنّ لمشهد الماتادور المهيب مع الرّاية الحمراء في مواجهة الثور الهائج وجهًا آخر أكثر قسوةً ووحشيّةً وألمًا للحيوان المضرّج بدمائه لتعرّضه للطّعن عدّة مرّاتٍ، لإخناعه وإضعافه وإرهاقه، وفي بعض الأحيان يلجأ الماتادور لفرك عين الثّور بالفازلين لطمس رؤيته، وحشو أنفه بالقطن لإضعاف تنفّسه، وقد تُعلّق إبرة في أعضائه التناسليّة مع إعطائه الأدوية المعيقة لحركته، وقد يُحفظ في صندوقٍ مظلمٍ لعدّة أيامٍ قبل أن يلقى حتفه، وفي بعض الأحيان تُقطع أذنا الثّور أو ذيله كجائزةٍ وهو لا يزال واعيًّا.

لمصارعة الثيران تأثيرٌ عميقٌ ومناصرون كُثر عبر التاريخ مثل إرنست همنغواي (Ernest Hemingway)، الذي ألهم السيّاح السفر لمشاهدتها بكتاباته. عملت مؤخّرًا منظّمات حقوق الحيوان على فضح الحقائق، والوجه الآخر لمصارعة الثيران، وتزايدت الأصوات المعارضة لهذه الممارسة وفقا لما أظهره استطلاعٌ عامٌّ للرأي أجري عام 2015، أثبت أنّ 59% من المشاركين بالاستطلاع معارضون لمصارعة الثيران، مقابل 19% مؤيّد لها، مما يوضح تحوّل المفاهيم الثقافية الإسبانية لهذا النوع من الممارسات في إسبانيا، بالإضافة لانخفاض حضور السّياح لهذا النّوع من المناسبات، مع زيادة الوعي المحليّ فانخفضت صناعة مصارعة الثيران، وتم إلغاؤها بشكلٍ تامٍّ في إقليم كاتالونيا إسبانيا عام 2016، بالإضافة لعدّة دولٍ أخرى..

هل أعجبك المقال؟