تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

الشخصية السيكوباتية

ياسمين السيد
ياسمين السيد

تم التدقيق بواسطة: فريق أراجيك

6 د

في باديء الأمر؛ تجده شخصًا جديرًا بالثقة ومخلصًا، وعلى حين غرة وبدون أي مقدماتٍ منذرةٍ أو إشاراتٍ محذرةٍ؛ تنقلب الأمور رأسًا على عقبٍ، فها هو صاحب الثقة اجتر الشك بأفعالٍ مريبةٍ، ومُدعِي الأمانة أصبح خائنًا! إنه سيكوباتي بامتيازٍ وإن لم تكن تعلم، والآن نعرض لك جوانب وخصائص الشخصية السيكوباتية عن كثبٍ لكي تأخذ حذرك.

بغض النظر عن تأثير أفعال السيكوباتيين تلك على أبعاد الموقف، حيث أن تصرفاتهم المُباغِتة والمناقضة للعهد الأول تبرهن على المناورة والخداع وعدم الإخلاص أكثر من إحداث تأثيراتٍ سلبيةٍ وخيمةٍ على الطرف الآخر أو إلحاق الأذى به.
وبمجرد ادعائهم للفضيلة؛ فإنهم يزيحون الستار عن الوجه الآخر؛ فينتهجون الكذب أسلوبًا للتعامل بداعٍ وبدون داع وفي أصغر الأمور، وعندما لا يكون هناك هدفٌ لإخفاء الحقيقة من الأساس.


ما هي الشخصية السيكوباتية

للعديد من المصطلحات النفسية صدى غامض في نفوسنا، ووقعٌ مهيبٌ على آذاننا، تمامًا مثلما تفعل كلمة "سيكوباتي" والتي غالبًا ما تستخدم لوصف هؤلاء الذين يعانون من الأمراض العقلية بوجهٍ عام. إلّا أن مصطلح سيكوباتي لا يشير إلى تشخيصٍ طبيٍّ محددٍ، فطبقًا للطب النفسي فإن الشخصية السيكوباتية تُعرَف باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع ASPD، وهو وصفٌ نفسيٌّ للأفراد الذين يظهرون ميول الخداع والانتهاك تجاه الآخرين.

قد يقوم البعض بتأويل مصطلح (معادي للمجتمع) على أن صاحبه شخص انطوائي أو متحفظ يميل إلى الوحدة والانعزال، ولكن هذا تأويلٌ مبنيٌّ على دلالةٍ خاطئةٍ تمامًا فالشخص المقصود هنا هو فردٌ يسير عكس التيار الجمعي والقواعد الاجتماعية السائدة، وينتهج العديد من التصرفات التي تبعد كل البعد عن الشخصية الانطوائية الطبيعية.

ومن العلامات الأخرى الدالة على هذا النوع من الاضطراب هي الميل لأخذ المخاطرة واتباع التصرفات المتهورة، فضلًا عن المكر، والخداع، والكذب المتكرر.


اللقاء الأول

من أول مقابلةٍ معهم ستأخذ عنهم انطباعًا خادعًا، فسوف تلاحظ قدر اللطافة والجاذبية التي يتمتعون بها، علاوةً على الود والاهتمام والمنطقية المتجلية في الأفكار المدروسة جيدًا بالإضافة إلى القبول العام.

وللسيكوباتيين ردُ فعلٍ عقلانيٍّ على الأمور يرسم عنهم شخصية جديرة بالاحترام في أذهان الآخرين؛ نظرًا لإحاطتهم الجيدة بالعواقب الوخيمة التي قد تطرأ عن السلوكيات المعادية والمحظورة اجتماعيًّا، والتي من شأنها أن تسبب النفور من صاحبها.

ومن هذا المنطلق يتصرف السيكوباتيون بصورةٍ طبيعيةٍ تدحض كُل شكٍ وتفند كل ادعاءٍ بأنهم مرضى نفسيين، كما أنهم يجيدون الظهور بمظهر الشخصية الموضوعية التي قد تنتقد نفسها في حال ارتكابها للأخطاء.

وعندما تخضع الشخصية السيكوباتية للفحص السريري؛ فإنها لا تظهر الأعراض المتعلقة بسلوكيات مرضى العُصاب مثل التعصب والقلق والهستريا، وتقلبات المزاج، والإجهاد والتعب الشديدين والصداع.
وفي المواقف التي يتعامل معها معظم الأصحاء بتوترٍ وخوفٍ؛ يظهر السيكوباتيون هادئين غير مباليين لما يحدث.


خصائص الشخصية السيكوباتية

يعجز السيكوباتيون عن الشعور بالذنب والندم حيال ما ارتكبوه من أخطاءَ واقترفوه من جرائمَ، كما أنهم يتميزون -بصفةٍ عامة- بالمكر والمناورة والتحايل والاحتيال، فضلًا عن الاندفاع والتعسف وفقدان الشعور بالتعاطف تجاه الآخرين. وفي حالة اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع فإن التعسف لا يعني بالضرورة العنف، وتنتشر هذه الأعراض في الرجال أكثر من النساء.

ومن اللافت للانتباه أنهم يعون جيدًا الصواب من الخطأ، ويدركون الفروق الجسيمة بين الجريمة والفضيلة، ولكنهم في الوقت ذاته لا يؤمنون بأن مثل تلك المباديء التي تضع حدودًا للسلوكيات يمكن تطبيقها عليهم، فهم خارج إطار القاعدة والشاذ المختلف منها.

ونظرًا لإتقانهم لفن الخداع؛ لا يتقبل المحيطون بهم أي تغيُّرٍ مفاجئ بسهولةٍ، وعندما يتم مواجهتهم بعدم تحمل المسؤولية ونقص الولاء والأمانة فلا يُحدث هذا تأثيرًا على سلوكهم ولا يجنحون لتغييره مستقبلًا.

تعد السيكوباتية حالةً مزمنةً تتطور بمرور الوقت، ويزداد معدل الوفيات عند المصابين باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع بسبب تصرفاتهم..

وبوجهٍ عام تتميز الشخصيّة السيكوباتيّة بمجموعةٍ من الخصائص الانفعالية والسلوكية التي يمكن تلخيصها فيما يلي:

  • نقص الشعور بالذنب أو التعاطف.
  • عدم القدرة على تكوين علاقاتٍ عاطفيةٍ واجتماعيةٍ قويةٍ مع الآخرين.
  • عدم تحمل المسؤولية.
  • الثقة الزائدة بالنفس.
  • عدم القدرة على التخطيط الجيد للمستقبل.
  • الأنانية وحب الذات وتغليب المصلحة الشخصية على مصالح الآخرين.
  • شخصية ذات مظهرٍ جذابٍ وساحرٍ.
  • الكذب والمناورة ونقص الولاء.
  • الميل للمخاطرة والتهور..

أسباب ظهور الشخصية السيكوباتية

ترجع أسباب ظهور الشخصية السيكوباتية إلى عواملَ وراثيةٍ تتعلق بجينات الفرد منذ الولادة أو عواملَ خارجيةٍ.
وفي هذا الصدد انقسمت الأبحاث إلى شطرين أحدهما يتحرى نشوء الشخصية السيكوباتية من عواملَ وراثيةٍ جينيةٍ، والآخر يبحث وراء تأثير البيئة الخارجية والنشأة الاجتماعية على الفرد.
وبالرغم من ذلك لا يمكن تجاهل مجموعة من العوامل الاجتماعية المؤثرة التي تتضح في الحياة المبكرة للفرد، والتي تساهم في ظهور الشخصية السيكوباتية.

لا يتضح بالضبط كيفية تكوُّن وظهور الشخصية السيكوباتية، ولكن من المعروف أن هناك بعض الظروف والحالات التي تحدث أثناء الطفولة وتعمل على زيادة إمكانية تحول الطفل إلى سيكوباتي، ولا يجب إغفال الدور القوي الذي تلعبه بعض العوامل الجينية أو الاضطرابات الدماغية، وإليكم بعض العوامل البيئية التي تضع الطفل في خطر التطور إلى شخصيةٍ سيكوباتيّةٍ:

  • التربية السلبية التي تركز على العقاب ونقص التحفيز والثناء والمكافأة، أو التربية المتناقضة التي تغرس في الطفل قيمًا متضادةً.
  • نقص مشاركة الآباء في تربية أبنائهم نظرًا لانخراطهم في شؤون الحياة.
  • أن يكون أحد الوالدين ذو ميولٍ انطوائيةٍ وعدائيٍّ للمجتمع.
  • فصل الأبناء عن الآباء.
  • الإعتداء الجسدي على الطفل أو إهماله.

يجب الإشارة هنا إلى أن عددًا قليلًا من الأطفال الذين يتعرضون لمثل هذه الظروف سوف يصبحون سيكوباتيين؛ إذ أن الأمر لا يقتصر فقط على العوامل الاجتماعية والبيئية، بل يشمل أيضًا العوامل العصبية الإدراكية.


تشخيص الاضطراب

لا تعد السيكوباتية اضطرابًا عقليًّا على نحو اصطلاحيٍّ، ولكنها -كما أسلفنا- عبارةٌ عن مجموعةٍ من الاضطرابات التي يشخصها الطبيب النفسي.

وقبل التطرق إلى الوسائل المتبعة في تشخيص اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع ASPD فيجب الانتباه إلى أن رحلة التشخيص والعلاج تُلاقي العديد من التحديات الفريدة من نوعها. فمن الممكن أن يصبح العلاج عسيرًا بالنسبة لشخصٍ لا يعترف بمرضه أصلًا! وهذا هو الحال بالفعل في هذا النوع من الاضطرابات، فقلما يسعى هؤلاء للعلاج.

ومن الأدلة الدامغة التي تستخدم لتشخيص اضطراب الشخصية المُعادِية للمجتمع هي السلوكيات التي عادةً ما تبدأ في الظهور عند الخامسة عشر أو في سنوات المراهقة، ولكن يصرح بعد الأطباء النفسيين أن التشخيص الصحيح لا يكون قبل الثامنة عشر، مفسرًا ذلك بأن أسوأ السلوكيات تأخذ منحاها السيكوباتي في أواخر فترة المراهقة وخلال العشرينات.

لكن هذا لا ينفي شيوع أعراض وبوادر السيكوباتية قبل سن البلوغ، فالطفل الذي يتميز بنقص الاستجابة الانفعالية وفقدان الشعور بالندم والخداع، علاوةً على إبداء السلوكيات الانطوائية والبعد عن العلاقات الاجتماعية مثل تكوين أصدقاء، فهو على الأرجح يُظهر بعض الميول السيكوباتيّة ولَزِم انتباه الآباء لمثل تلك التصرفات منذ الطفولة.

للحصول على تشخيصٍ صحيحٍ، يتولى المختصّون مهمة تقييم الصحة العقلية، ويرصدون خلال هذه العملية توجهات وأفكار وتصرفات ومشاعر وعلاقات الفرد، وبمقاربة ومقارنة تلك الأعراض مع علامات اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع ASPD سيكون القرار الحاسم.

كما يلقون نظرةً أيضًا على التاريخ الطبي، وهذا التقييم الكامل بمثابة خطوةٍ حرجةٍ لا يصح التشخيص بدونها اعتبارًا لوجود أي اضطرابٍ مشتركٍ ومتداخلٍ مع أي مرضٍ عقليٍّ آخر، أو أية اضطراباتٍ نتيجة إدمان المخدرات.


استبيان الشخصية السيكوباتية

تعتمد طريقة "استبيان الشخصية السيكوباتية" على لائحةٍ تتضمن 154 عنصرًا لإجراء تقييمٍ ذاتيٍّ، وهي طريقةٌ يمكن تطبيقها على أفراد المجتمع ما عدا المجرمين، وصممت لإظهار مدى تقارب الفرد مع خصائص السيكوباتيين ومن ثمَّ تحديد الميول السكوباتيّة، ويتمحور الـ154 عنصرًا حول العوامل الثمانية التالية:

  1. التأثير الاجتماعي.
  2. الجرأة وعدم الخوف.
  3. التعامل مع الضغوطات.
  4. الأنانية وحب الذات.
  5. عدم الامتثال للأوامر والتمرد.
  6. تبرير التصرفات بوجود عواملَ خارجيةٍ.
  7. الشعور بالسعادة برغمٍ من نقص الخطط.
  8. القسوة وعدم التعاطف.

وهي الخصائص التي تجعل الناس يتساءلون عن إذا ما كان السيكوباتي قادرًا على البكاء أو الحب أو الإحساس بأي شعورٍ إنسانيٍّ. إذا ظهرت هذه الخصائص مبكرًا فيمكن أن تشعل صافرة الإنذار محذرةً بنشوء شخصيةٍ سيكوباتيةٍ في المستقبل..

ذو صلة
    هل أعجبك المقال؟