تريند 🔥

🤖 AI

مشروع مانهاتن: روبرت أوبنهايمر والطريق لصناعة القنبلة النووية الأولى

مشروع مانهاتن: أوبنهايمر والقنبلة
عبدالرحمن عرفة
عبدالرحمن عرفة

8 د

يُقال إنهُ لم يسبق لأي جنس مِن الكائنات الحية أن استطاع الوصول لطريقة قادرة على إبادة نفسه بنفسه. وحدهُ الجنس البشري مَن تفرّد بهذه الميزة، فعندما صنعَ القنبلة النووية مِن خلال نجاح مشروع مانهاتن، كان أوّل كائن حي يملك الأداة القادرة على إنهاء نفسه! أي بمعنى آخر وكما قالها أحد المفكرين ذات مرة: لم يسبق لمجموعة مِن الفئران أن جلسوا واخترعوا مصيدة للفئران، إلا أن الإنسان قد فعل ذلك عندما أخرج لنا قنبلته النووية!

نتجت القنبلة النووية كخاتمة للعمل الدؤوب الذي تبناه مشروع مانهاتن؛ وهو مشروع أمريكي قادته الولايات المتحدة الأمريكية لإنتاج قنبلة نووية فعّالة يمكن استخدامها عسكريًا وإطلاقها كي تحقق مآربها. وهو الأمر الذي أثار الكثير من الضجة والنقاشات الجدلية سواءً في الأوساط العلمية أو العسكرية حتى. إلا أن ما دفع الجميع نحو الإسراع لصناعة هذا السلاح الفتاك، هو ورود أخبار بأن القوّات الألمانية النازية كانت تسعى للوصول إليه منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وأن أدولف هتلر بنفسه على استعداد لاستخدامه متى ما استطاعوا الوصول إليه.


دخول الولايات المتحدة الأمريكية للحرب العالمية الثانية

بدأ العمل الفعلي من الولايات المتحدة في عام 1939 تحت إمرة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، وذلك بعد وجود تسريبات تتحدث عن تقدم القوات النازية في مشروعها النووي. حينها أنشأ روزفلت مجموعة من اللجان الاستشارية العلمية التي تُعنى بسياق بحثي مُحدد؛ وهو دراسة إمكانية استخدام مادة اليورانيوم كسلاح فعّال في أرض المعركة. واعتمادًا على توصيات هذه اللجان، موّلت الحكومة الأمريكية باحثين في جامعة كولومبيا مِن أجل إجراءات فصل النظائر المُشعة التي باتت تُعرف لاحقًا تحت اسم تخصيب اليورانيوم.

تغير اسم اللجنة في عام 1940 لتصبح تحت اسم لجنة الأبحاث الدفاعية الوطنية، وفي العام التالي، تبدّل اسمها أيضًا وأصبح المركز العلمي للبحث والتطوير. وما هي إلا أيامٌ قليلة من نفس ذلك العام، حتى تشن اليابان هجومها الشهير المعروف على ميناء بيرل هاربر، ليعلن الرئيس الأمريكي روزفلت حينها دخول الولايات المتحدة رسميًا في الحرب العالمية الثانية، مُتحالفةً مع كل من بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي، في سبيل القضاء على محور الشر الذي تزعمته ألمانيا النازية في أوروبا، والإمبراطورية اليابانية في المحيط الهادئ.

في العام التالي، انضمت الكثير من الفرق الهندسية للحرب ودعمت ما يجري في المركز الأمريكي العلمي للبحث والتطوير، ليغدو المشروع النووي أكثر قربًا للتحقق مما كان في السابق.


وضع حجر الأساس لمشروع مانهاتن

كان فريق المهندسين، الذي اتخذ من مدينة نيويورك مقرًا لهُ، هو حجر الأساس في تقدّم مشروع مانهاتن النووي. وقد عُين الكولونيل "ليزلي غروفز" كقائد لهذا الفريق. أما بقية العلماء والفرق البحثية، كالعالمين "انريكو فيرمي" و"ليو سيزيلارد"، فقد اهتموا بموضوع التفاعلات النووية المتسلسلة، وكيفية حدوث الانشطار الذري، وغيرها من العمليات المعنية بتفاعل الذرات وانقسامها. وخلال تلك الأثناء، نجحت جامعة شيكاغو بتخصيب اليورانيوم، وإنتاج ما يٌعرف باليورانيوم-235.

وفي الوقت نفسهُ، عملَ علماء آخرون من ضمنهم "غلين سيبورغ" على إنتاج عينات مجهرية من البلوتونيوم النقي. ولم يقتصر الأمر فقط على الولايات المتحدة الأمريكية، بل شاركت الكثير من المراكز والجامعات في كندا على الوصول لنفس الهدف أيضًا.


سطعَ نجم الكثير من الأسماء في مشروع القنبلة النووية الأولى، إذ يعتبر روبرت أوبنهايمر المدير الأوّل للمشروع، إضافة لإدوار تايلر أيضًا. كما أن جهود ليو سيزيلارد واينريكو فيرمي هي التي ساهمت في إنتاج أوّل مفاعل نووي. في حين أن العالم إرنست لورنس كان مسؤولًا عن تطوير العملية الكهرومغناطيسية المُوكل إليها مهمة فصل اليورانيوم-235.

ومع اقتراب عام 1942 من نهايته، وتحديدًا في 28 ديسمبر، أمرَ الرئيس الأمريكي روزفلت بدمج كل هذه الجهود المتناثرة هنا وهناك تحت مظلة واحدة أطلق عليها اسم مشروع مانهاتن؛ وكان الهدف منه الوصول للسلاح النووي القابل للاستخدام في المعارك، ولأجل هذا نشأت الكثير من المراكز والبنى التحتية في عدة ولايات، بغية تجريب ما يتم التوصل إليه والعمل على إنجاحه قدر المستطاع.


روبرت أوبنهايمر والمشروع Y

إلى جانب كل من العالم إدوارد تايلر وعلماء آخرين، كان عالم الفيزياء النظرية روبرت أوبنهايمر يعمل مسبقًا على مفهوم الاندماج الذري. وذلك عندما تم اختياره كمدير عام للمشروع، الواقع في مختبر لوس ألاموس شمال مدينة نيومكسيكو، وقد عُرف هذا المختبر تحت اسم «المشروع واي Project Y» إذ تم إنشاؤه في 1 يناير من عام 1943. ليكون بذلك المركز والمختبر الأول لبناء النماذج المبدئية واختبارها ضمن مشروع مانهاتن الكبير.

وما هي إلا سنوات قليلة، حتى جاء العام 1945، وتحديدًا في الـ 16 من شهر يوليو، لتقوم الولايات المتحدة حينها بإنجاز أول اختبار حقيقي للقنبلة النووية، والتي حملت اسم «ترينيتي Trinity». لتتكون على أثرها سحابة على شكل فطر عمودي ضخم في السماء، ولتُعلن بعدها الولايات المتحدة للجنس البشري والعالم بأجمعه، دخول عصر جديد عنوانه الموت، عصر عُرف لاحقًا باسم عصر القنبلة النووية.

استطاعَ العلماء تطوير نموذجين من القنابل تحت إمرة العالم روبرت أوبنهايمر، النموذج الأول كان مبنيًا على مادة اليورانيوم، عرف باسم "الطفل الصغير Little Boy" في حين كان النموذج الثاني يعتمد على البلوتونيوم، وسمي "الرجل السمين Fat Man". ومع انتهاء تصنيع كل من القنبلتين النوويتين، قررت الولايات المتحدة إغلاق ملف الحرب العالمية بطريقة ميلودرامية جدًا، لتقرر بعدها وضع أدوات الموت الجديدة والعصرية حيز التنفيذ الفوري دون أي تأخيرات.


مؤتمر بوتسدام.. ترومان وتشرشل وستالين معًا


مؤتمر بوتسدام

بعد تحطّم الرايخ الثالث النازي واستسلامه، كان لا بد من لقاء يجمع أرباب الحرب حينها ليقرروا كيفية إدارة المناطق الألمانية، ومما رشحَ عن ذلك المؤتمر، هو الخوف من أن اليابانيين لن يستسلموا بسهولة كما فعل الألمان، لتقرر بعدها القيادات الأمريكية بأهمية السيطرة على تلك الجزيرة -اليابان- بأي وسيلة ممكنة، ونظرًا لأن الدخول البري سيكون صعبًا لأسباب كثيرة لعل الجغرافية في رأسها، بدأت الفكرة النووية تلوح في الرأس الأمريكي تلك الفترة.

خلال مؤتمر بوتسدام، وجهت الولايات المتحدة الأمريكية إنذارًا للقوات الإمبراطورية اليابانية بأهمية الاستسلام على غرار ما حدث في ألمانيا، وهددتهم بأن غير ذلك سيكون على الإمبراطورية اليابانية أن تواجه الدمار الفوري والمطلق.

ونظرًا لأن إعلان المؤتمر لم يكن كما يريد اليابانيون حينها، لا سيما أن اليابان في تلك الفترة كانت إمبراطورية ذات طبيعة مُقدسة نوعًا ما، وأن إعلان المؤتمر كان يوصي بإزالة الإمبراطورية وتحقيق نموذج جديد وعصري للحكم، قرر اليابانيون رفض الاستسلام وعدم الرضوخ لإملاءات وتوصيات المؤتمر. لتكون بعدها النتيجة التي يعرفها الجميع.


إلقاء قنبلتي هيروشيما وناجازاكي

بعد الرفض الياباني للرضوخ، ونظرًا للحماس الكبير لدى القادة العسكريين الأمريكيين حينها لوضع نتائج مشروع مانهاتن قيد التنفيذ الفعلي، وبسبب وجود عوامل مساعدة ومحفّزة كالمناطق الجغرافية المعزولة نوعًا ما وعدم وجود أسرى أمريكيين لدى اليابانيين، حددت القيادة الأمريكية هيروشيما وناجازاكي كأهداف أولية للقصف النووي الذي سيدخل التاريخ كأول قنابل ذرية فتاكة تم استخدامها في التاريخ. ليكون الإنسان حينها دخل طورًا جديدًا من الخوف أولًا، ومن ثم سباقات التسلح ثانيًا.

في السادس من أغسطس لعام 1946، أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية عبر قاذفة "إينولا غاي" القنبلة الذرية المعروفة باسم ليتل بوي أو الولد الصغير على مدينة هيروشيما على ارتفاع 1900 قدم. مُتسببةً بتدمير هائل لما يقرب من خمسة أميال مُربعة من المدينة. إلا أنه رغم كل هذا، لم تستسلم اليابان وبقيت متشبثة بموقفها.

لهذا، وفي التاسع من نفس الشهر للعام نفسه، أسقطت الولايات المتحدة الأمريكية القنبلة الثانية، المعروفة بالـ "فات مان" الرجل السمين، على مدينة ناجازاكي. لتحدث دمارًا وموتًا هائلًا، وتسحق ثلاثة أميال مربعة من مركز إلقائها.

لتكون حصيلة القنبلتين معًا ما يتراوح من الـ 130 ألف - 200 ألف قتيل، إضافةً لتحويل مدينتين يابانيتين إلى مجرد كومة دمار ممسوحة بشكل شبه كامل.

حينها لم يعد بيد اليابانيين أي حيلة، وفي اليوم التالي الموافق للعاشر من أغسطس، أخطرت الإمبراطورية واشنطن بأنها تنوي الاستسلام، وفي الـ 14 من الشهر نفسه، أعلنت اليابان الاستسلام رسميًا.


مشروع مانهاتن: بدأ بالقنابل وانتهى بأشياء أخرى

رغم دخول البشرية بعد مشروع مانهاتن منحى وحقبة أخرى شديدة الحساسية، إلا أنّ النتائج البحثية المترتبة عليه اتخذت شكلًا شجريًا وتفرّعت وتشعبت هنا وهناك، ولم يقتصر الأمر على الولايات المتحدة الأمريكية، بل انتقل إلى كل من الاتحاد السوفييتي وبريطانيا العظمى وبقية دول العالم.

وفي عام 1964 وقع الرئيس الأمريكي ليندن جونسون قرارًا بكسر احتكار الحكومة للمشروعات النووية، ونقلها إلى حيز الملكيات الخاصة، لتدخل بعدها مجالًا يلمس حياة الإنسان بشكل مباشر، كبناء المفاعلات النووية المستخدمة في توليد الكهرباء، وتوظيف الطاقة النووية في أجهزة الرنين المغناطيسي، وبعض أنواع العلاجات المستخدمة في تشخيص السرطان والوقاية منهُ.


ما الذي قالهُ آينشتاين عن مشروع مانهاتن؟

عندما عرفَ آينشتاين بقرب العلماء الألمان من الوصول للسلاح النووي، كتبَ برقية إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية روزفلت يعبّر فيها عن مخاوفه. وقد شكّلت مخاوف آينشتاين دافعًا أوليًا ومبدئيًا لإنشاء مشروع مانهاتن والعمل الأمريكي على قنبلتهم الخاصة. لكن مع النجاح الذي تحقق في عامي 1940 و1941 واختبار بعض النتائج الفعالة، تدحرجت الكرة العلمية والبحثية أكثر وأكثر، لتغدو القنبلة النووية أقرب مما كان متوقعًا.

إلا أنه في شهر يوليو من عام 1940، منعت الاستخبارات الأمريكية آينشتاين من إلقاء نظرة على مشروع مانهاتن، ولم تسمح للعلماء بالتشاور معهُ. كان ذلك بسبب نشاطاته وميوله اليسارية، والتي عدّتها الولايات المتحدة الأمريكية كمخاطر محتملة. ولذلك تم استبعاد آينشتاين من العمل.

ذو صلة

وفيما بعد يقال إن ردة فعله كان عبارة: "الويل لي" عندما سمع النبأ الأولي عن إسقاط القنبلة النووية الأمريكية الأولى على هيروشيما. وعلى الرغم من عدم مشاركته وانخراطه المباشر في المشروع النووي، إلا أن أبحاثه وأفكاره أهّبت لصناعة القنبلة النووية. إذ تشرح معادلته الشهيرة E=MC2 ما الذي يحدث عن ضرب القنبلة النووية. رغم ذلك، فإنّه دائمًا ما أشار لأنه لم يكن لديه دور مباشر في القنبلة، بل اقتصرَ على رسالة صغيرة نصحت الرئيس الأمريكي بأن الألمان يحاولون الوصول لهذا السلاح الجديد، وينبغي إيقافهم.

وقال مضيفًا.. إنه لو لم يكن يعرف بأن الألمان يسعون لامتلاكه، لما بعثَ الرسالة لروزفلت أبدًا.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة