تقنية DLSS: نقلة نوعية في أداء الألعاب

أصبحنا نعيش في عصر تكاد التقنية تتخلل كل جوانبه وأركانه. كل يومٌ يعج بالعشرات، إن لم يكن المئات، من المستجدات التقنية، وإذا لم تجد شيئًا جديدًا أو مبتكرًا، فحتمًا ستعثر على تطورات لتقنيات قديمة.

تتنافس العديد من الشركات على تحقيق التفوق التقني في هذا المجال، وبالنسبة للكثيرين، تعتلي شركة Nvidia القمة بفضل معالجاتها الرسومية (كروت الشاشة) السبّاقة وتقنياتها المُبهرة مثل DLSS التي جمعتنا اليوم بقرّائنا الأعزاء. فهيّا نخوض رحلة معًا نسبر فيها أغوار تقنية DLSS؛ نعرف ماهيتها وتاريخها، وبالطبع تطبيقاتها التي ستنقل عالم الألعاب نقلة نوعية.

هي اختصارٌ لجملة (Deep Learning Super Sampling)، والتي إذا أردنا أن نُترجمها للعربية ستكون "التعلم الذاتي للعينات الفائقة"، ولكن بعيدًا عن هذا المعنى الحرفي الجامد والخالي من الروح، دعونا نتعرف على ماهيتها بشكل مفهوم.

أعلنت شركة Nvidia في سبتمبر من عام 2018 عن إحدى تقنياتها الجديدة (تقنية DLSS) الموجودة بمعالجاتها الرسومية من عائلة RTX. تستخدم هذه التقنية الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي لتحسين أداء الألعاب، وبالأخص ألعاب AAA التي تحتاج إلى عتاد قوي لتشغيلها بسلاسة، فضلًا عن تشغيلها من الأساس.

لم تدعم هذه التقنية باقة كبيرة من الألعاب في البداية، فاستخدامها كان مقتصرًا على قلة من العناوين الشهيرة مثل Battlefield V و Metro Exodus، ولكن مع مرور الوقت طالت هذه التقنية عددًا كبيرًا من الألعاب مثل Cyberpunk 2077 وثلاثية Crysis المُحسّنة و Death Stranding وأربعة عناوين من سلسلة Call of Duty، والقائمة تطول.

قلنا إن تقنية DLSS تعتمد على الذكاء الاصطناعي، وبشيء من التفصيل: عندما تستخدم معالجات RTX التي تتضمن هذه التقنية بداخلها، فإنك ستحصل على صورة تمتاز بشيئين؛ جودة مُحسَّنة "Upscaling"، وعناصر من دون "بكسلات مشوشة"، أو بمعنى آخر، عناصر منزوعة الحواف "Anti-Aliasing"، ولكن كيف؟

عند تفعيل خاصية DLSS، فإن معالج الرسوميات الخاص بك يصنع -من العدم- صورة مطابقة للصورة الأصلية، ولكن بجودة أقل، ومن ثمَّ يضع عليها لمساته الخاصة عن طريق زيادة عدد البكسلات وبالتالي تحسين جودة الصورة بشكل مطابق للصورة الأصلية، وكل هذا بمساعدة الذكاء الاصطناعي.

لكي تتمكن تقنية DLSS من فعل ذلك، تقوم Nvidia بتدريب بطاقاتها الرسومية الداعمة للتقنية بشكل مُكثف بمساعدة الحواسيب الخارقة، وهذا عن طريق جعله يتعرف على عشرات الآلاف من الصور عالية الجودة ليستطيع أن يصنع مثلها في المستقبل.

أُريد أن ألفت نظركم لشيء في غاية الأهمية؛ وهو أنه عندما تقلل تقنية DLSS من جودة الصورة -قبل أن تضع عليها لمساتها الخاصة- سيرتفع معدل الإطارات؛ فكما نعرف جميعًا أنه كلما انخفضت جودة الصورة، زاد معدل الإطارات، وزادت سلاسة تجربة اللعب، وبهذا تكون تقنية DLSS قد حققت المعادلة الصعبة وهي الحصول على رسوميات مُحسنة بتجربة لعب سلسة للغاية ودون خسارة الجودة.

تدعم سلاسل RTX 20 و RTX 30 و RTX 40 من Nvidia تقنية DLSS، علمًا بأن سلسلة RTX 40 تدعم نسخة أكثر تطورًا من التقنية، وهي تقنية DLSS 3، وتتميز الأخيرة -فضلًا عن أدائها المُحسن- بقدرتها على إنشاء إطارات إضافية من الصفر عبر توقع الإطار اللاحق داخل اللعبة بفضل التدريبات السابقة التي أجرتها Nvidia على سلسلة RTX 40.

الجدير بالذكر أن مستخدمي عتاد AMD لديهم تقنية مشابهة للـ DLSS، وهي تقنية FidelityFX Super Resolution (FSR)، وتوجد في عدد كبير من بطاقات الرسومية الخاصة بشركة AMD مثل سلسلة Radeon RX 6000، وعلى عكس تقنية DLSS، لا تعتمد الـ FSR على الذكاء الاصطناعي أو وحدات معالجة خاصة على الرغم من تحقيقها لنفس الهدف المنشود تقريبًا، والأهم أنها غير حصرية لبطاقات AMD، بل يمكن تفعيلها بالبطاقات الرسومية الأخرى نظرًا لأنها مجرد خوارزميات ذكية.

في سبتمبر من العام الماضي، قدمت لنا شركة Nvidia النسخة الأحدث والأكثر تطورًا من تقنية DLSS، وهي DLSS 3، والتي تعمل بنفس الطريقة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، ولكن مع أداء يصل لأربعة أضعاف الجيل السابق.

تعتمد تقنية DLSS 3 على المعمارية الأحدث من Nvidia، وهي معمارية Ada Lovelace، والتي تستخدم الجيل الرابع من أنوية Tensor Cores، بالإضافة إلى تقنية Optical Flow Accelerator (OFA) والتي تقدم لنا بدورها ميزة ثورية تُمكنها من صنع إطارات كاملة بدلًا من اقتصارها على اليبكسلات كما في DLSS 2.

تستطيع تقنية DLSS 3 أن تصنع صورًا أكثر واقعية وتعالج العناصر المعقدة مثل الإضاءة والانعكاسات بشكل أفضل بكثير من معالجة DLSS لها. وفقًا لشركة Nvidia، فإن تقنية DLSS 3 تدعم أكثر من 35 لعبةً وتطبيقًا في الوقت الحالي وسيزيد العدد في المستقبل بالتأكيد، ومنها Cyberpunk 2077 و A Plague Tale Requiem و Microsoft Flight Simulator وRedfall، وDiablo 4، وغيرها، بالإضافة لمحركات صناعة الألعاب مثل Unreal Engine 5 و Unity.

هناك الكثير من التحسينات الفورية التي ستلاحظها فور تفعيلك لتقنية DLSS 3 في ألعابك المفضلة التي تدعمها، مثل تحسين الأداء بشكل واضح. في الفيديو الذي عرضته لنا Nvidia لتستعرض عضلات تقنية DLSS 3 على لعبة Microsoft Flight Simulator، تمت المقارنة بين أداء اللعبة قبل تفعيل DLSS 3 وبعده، والفرق كان مُبهرًا.

قبل تفعيل تقنية DLSS 3، كانت اللعبة تعمل على 64 إطارًا في الثانية، ولكن بعد التفعيل، قفز معدل الإطارات ليصل إلى 135 إطارًا بالثانية مع تحسن الرسوميات والتفاصيل الموجودة بشكل واضح تمامًا.

بالطبع الأمر ليس مقتصرًا على Microsoft Flight Simulator فحسب، والأمر يختلف من لعبة لأخرى ومن معالج رسوميات لآخر، فإذا فعّلت هذه التقنية على لعبة Fortnite فستحصل على أداء أفضل بنسبة 200%، مع العلم أن معدل الإطارات يصل إلى 75 إطارًا في الثانية مع دقة 2K بإعدادات Ultra في حالة استخدام RXT 3080، في مقابل 60 إطارًا في الثانية مع نسخة RTX 3070، وطبعًا كلما انخفضت الدقة زاد معدل الإطارات والسلاسة.

في الألعاب التنافسية التي تلعب فيها كل مللي ثانية دورًا محوريًا، يسعى اللاعبون إلى الحصول على أسرع استجابة ممكنة، هذا ما توفره تقنية DLSS 3 لهذه النوعية من الألعاب مثل Fortnite كما ذكرنا، وهذا يضمن لمستخدمي DLSS 3 أفضلية مبدئية على خصومهم.

بالإضافة إلى رفع معدل الإطارات، وزيادة سلاسة اللعب، وتقليل وقت الاستجابة؛ تحسن تقنية DLSS 3 من جودة الصورة بشكل واضح حتى على الأجهزة ذات العتاد المنخفض، وما أكثر مستخدميه.

في النهاية، فتحت تقنية DLSS وأشباهها الباب على مصراعيه أمام آفاقٍ جديدة في عالم الألعاب. أصبحنا نصل إلى جودة لم نكن لنحلم بها، وأصبحت التجربة أفضل من ذي قبل بشكل لا غبار عليه، وعلى الرغم من كل هذا التقدم، نستطيع أن نقول إننا ما زلنا في البداية، وإن الأشواط المقطوعة ليست سوى الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل التقنية.