تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

التكنولوجيا والصحة العقلية .. تعرّف على مخاطرها وكيف يمكن تسخيرها لصالحك

فراس دالاتي
فراس دالاتي

8 د

نظراً لوجود التكنولوجيا في كل مكان في الحياة اليومية؛ لا سيما الإنترنت والمنصات القائمة على الإنترنت مثل مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية، فمن المحتمل أن يواجه مستشارو الصحة العقلية الذين يعملون اليوم عملاءً أو مرضى يواجهون مشكلات قد تكون مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر باستخدام وسائل الإعلام الرقمية.

وفقاً للدكتور «إيغور بانتيك»، الذي كتب في المراجعة الأدبية بعنوان «الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت والصحة العقلية» التي نشرتها المكتبة الوطنية الأمريكية للطب، ليس هناك شك في أن الإنترنت ومنصات الوسائط الاجتماعية مثل فيسبوك كان لها تأثير ملحوظ على الطريقة التي يتواصل بها الأفراد.

كما أوضح بانتيك كذلك أن عدداً من الدراسات الحديثة قد لاحظت وجود صلة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبعض مشاكل الصحة العقلية، بما في ذلك القلق والاكتئاب. ومع ذلك، يسارع الباحثون إلى التأكيد على أن الدراسات ليست قاطعة بأي حال من الأحوال، وأن المساعي لفهم العلاقة بين الصحة العقلية والتكنولوجيا لا تزال في مهدها.

لكن يبقى من المفيد لمستشاري الصحة العقلية أن يكون لديهم فهم للبحوث ورؤى حول تأثير التكنولوجيا على الصحة العقلية، والتي تمتد إلى التأثيرات الإيجابية أيضاً. بعد كل شيء، وبغضّ النظر عن العيوب، تستمر التكنولوجيا في تحسين العديد من جوانب الحياة اليومية للأفضل، ومجال الصحة العقلية ليس استثناءً؛ فهناك عدد من المجالات التي يمكن ملاحظتها والتي ساعد فيها تطوير التكنولوجيا المرضى على العناية بمشاكلهم النفسية بطريقةٍ أفضل.


التكنولوجيا: قوة للخير؟


أثر التكنولوجيا على الصحة العقلية

على الرغم من التقدم فيما يتعلق بالتوعية بالصحة العقلية، أوضح الصحفي «كونور فارينجتون»، الذي يكتب لصحيفة الغارديان، كيف أن رعاية الصحة العقلية لا تزال تتلقى نقصاً ملحوظاً في التمويل من الحكومات الدولية.

على سبيل المثال؛ أفاد فارينجتون أن نفقات الفرد على رعاية الصحة العقلية في الدول الصناعية الرائدة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تصل إلى ما يزيد قليلاً عن 33 دولاراً فقط، والمبلغ أقل من ذلك بكثير في البلدان النامية. وبالتالي، جادل فارينجتون بأن التكنولوجيا تبشر بالخير كأداة لتحسين الوصول إلى رعاية الصحة العقلية، لا سيما في الدول التي تكون فيها هذه الخدمات أولية في أحسن الأحوال.

تعمل التكنولوجيا على تحسين رعاية الصحة العقلية بعدة طرق، وهي في المقام الأول من خلال منصات مثل التطبيقات القائمة على الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر التي يمكن أن تساعد في توفير الخدمات والمعلومات للعملاء في طريقة أسرع وأكثر فعالية من حيث التكلفة.

كما توجد بعض المنصات المتاحة التي تتيح للمرضى إكمال دورات العلاج السلوكي المعرفي عبر الإنترنت. مثال على ذلك منصة «الجدار الأبيض الكبير» (Big White Wall) التي مقرّها بريطانيا، والتي تمت الموافقة عليها من قبل خدمة الصحة الوطنية الممولة من الحكومة البريطانية.

الجدار الأبيض الكبير عبارة عن منصة عبر الإنترنت تتيح للمستخدمين الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية مثل القلق والاكتئاب إدارة أعراضهم من المنزل عبر أدوات مثل الموارد التعليمية والمحادثات عبر الإنترنت والجلسات الافتراضية حول قضايا الصحة العقلية. كما أن المنصة أثبتت فعالية واضحة، إذ أبلغت دراسة أجريت عام 2009 أن الغالبية العظمى من مستخدمي الخدمة -حوالي 95%- لاحظوا تحسناً في أعراضهم.


كيف يمكن للمستشارين النفسيين تسخير التكنولوجيا؟


مستشاريين نفسيين و الصحة العقلية

يمكن أن يلعب مستشاري الصحة العقلية دوراً مهماً في تسهيل الوصول إلى خدمات مثل «الجدار الأبيض الكبير» وغيرها، كما يمكنهم أيضاً المساعدة في تعزيز تطبيقات الهواتف الذكية والخدمات الأخرى عبر الإنترنت التي يمكن استخدامها للمساعدة في تحسين الصحة العقلية العامة.

ويمكن استخدام التكنولوجيا جنباً إلى جنب مع الاستشارة الشخصية، بدلاً من استخدامها كبديل. قد يجد المستشارون أن المنصات الرقمية تسمح بتطوير علاقات عمل أعمق مع العملاء المرضى، وخاصة العملاء الأصغر سناً الذين اعتادوا على استخدام التكنولوجيا على أساس يومي. كتبت «بيثاني باي» في مقالٍ لمجلة Counselling Today، وصفت فيه مقابلتها مع «سارة شبيجلهوف»، مستشارة صحة عقلية ونفسية من نيويورك، أوضحت هذه النقطة المهمة قائلة:


“أجد أن موارد التكنولوجيا هي أدوات رائعة لتكملة خدمات الاستشارة التقليدية، فضلاً عن كونها وسيلة للمستشارين للوصول إلى أعداد أكبر مما نخدمه عادةً على أساس فردي […] أجد أن طلاب الجامعات أسرع في التحقق من حالات فيسبوك وتويتر مما يفعلون مع بريدهم الإلكتروني، لذلك كان استخدام وسائل التواصل الاجتماعي إحدى الطرق بالنسبة لنا للترويج وتوزيع المعلومات حول أحداث الحياة الصحية والتوعية حيالها […] كما أنني أشارك المعلومات المتعلقة بالتطبيقات الجديدة التي تعزز الصحة من خلال حساباتنا على وسائل التواصل الاجتماعي ومباشرةً في جلسات الاستشارة. على سبيل المثال؛ أثناء برامج التوعية حول شرب الكحول، شجعنا الطلاب على تنزيل تطبيقات مجانية حاسبة للكحول في الدم. كما نقدم أيضاً ملفات صوتية للتأمل الذهني مجاناً من خلال منصة iTunes. أجد أن الملفات الصوتية مصدراً رائعاً للمساعدة لأنني قادرةٌ على تقديمها للعملاء أثناء الجلسة، كما يمكنهم التحدث عن تجاربهم في الاستماع إلى التأملات وممارستها ثم وضع خطة علاجية تتضمن استخدامهم للتأملات خارج جلسات الاستشارة”.

يمكن للمستشارين أيضاً استخدام المنصات للتواصل مع العملاء الذين قد يكونون موجودين في المناطق الريفية أو المحرومة من الخدمات ولا يمكنهم السفر لحضور اجتماعات شخصية.

إذ وجدت بعض الدراسات، بما في ذلك دراسة من جامعة أكسفورد، أن الرسائل النصية والمكالمات الهاتفية يمكن أن تكون طرقاً فعالة للمستشارين للتواصل مع العملاء. علاوةً على ذلك، أثبتت منصات الرعاية الصحية عن بُعد، والتي تتضمن المراسلة الفورية أو مكالمات الفيديو، أنها مفيدة بالفعل في إجراءات الرعاية الأولية لمساعدة المستشارين في الوصول إلى العملاء.

أوضح الصحفي «روب راينهارت»، في مقالٍ نشرته مؤسسة «Tame Your Practice»، كيف أن استخدام منصات التطبيب عن بعد في استشارات الصحة العقلية قد ثبت أنه مفيد بعدة طرق. ولعل الأهم من ذلك، الاستشهاد بدراسة أجراها باحثون في جامعة زيورخ السويسرية، والتي نُشرت على موقع «ساينس دايلي»، أن الاستشارة التي تتم عبر الإنترنت يمكن أن تكون في الواقع أكثر فعالية من الجلسات المُجراة وجهاً لوجه.

إذ قام الباحثون بفحص مجموعتين من العملاء؛ تلقت مجموعة العلاج شخصياً والأخرى تلقت العلاج عبر منصة التطبيب عن بعد. ووجد الباحثون أن العملاء الذين تلقوا جلسات استشارية عبر الإنترنت حققوا بالفعل نتائج أفضل، إذ أفاد 53% من أفراد المجموعة أن اكتئابهم قد خف، مقارنة بـ 50% أفادوا بنفس الشيء في المجموعة التي تلقت الاستشارة الشخصية.

كما تشمل المزايا الأخرى حقيقة أن الاستشارات الافتراضية أرخص وتسمح بمشاهدة ومعالجة شبكة أوسع من العملاء، خاصة أولئك الذين لا يستطيعون الوصول إلى خدمات الصحة العقلية شخصياً، سواء بسبب الجغرافيا السيئة أو نقص الأموال أو مشاكل مثل اضطراب القلق الاجتماعي الذي يحود بينهم وبين الالتقاء بالآخرين.


تأثير التكنولوجيا سلباً على الصحة النفسية


تأثير السوشيال ميديا على الصحة العقلية

على الرغم من أن استخدام التكنولوجيا يمكن أن يكون له تأثير إيجابي من حيث مساعدة المرضى على إدارة بعض حالات الصحة العقلية ومعالجتها، فقد أشارت بعض الأبحاث إلى أن استخدام التكنولوجيا بشكل عام -وخاصة الإنترنت- يمكن ربطه بالفعل بتطوير حالات الصحة العقلية، مثل القلق والاكتئاب لدى بعض الأفراد. وفي حين أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث في هذا المجال، فمن المفيد إلقاء نظرة فاحصة على ما تم نشره حول هذا الموضوع حتى الآن:

إدمان الانترنت؛ كما ذكر الدكتور «روميو فيتيللي» في مقال نشرته مجلة «Psychology Today»، أشارت الأبحاث إلى أن الإدمان على الإنترنت، لا سيما بين الفئات العمرية الأصغر سناً مثل المراهقين، أصبح مشكلةً بارزة. أوضح فيتيللي أن اضطراب إدمان الإنترنت يشترك في العديد من الميزات المماثلة عند مقارنتها بأشكال أخرى من الإدمان، مثل أعراض الانسحاب عند منع الوصول عبر الإنترنت.

في حين أن الإنترنت يمكن أن يكون عاملاً للخير من حيث التعليم وتقوية العلاقات الشخصية، إلا أن إدمان الإنترنت يمكن أن يكون مشكلة لأنه يمكن أن يؤثر سلباً على النجاح الأكاديمي وقدرة الفرد على التواصل بشكل شخصي بشكل فعال. وأشار فيتيللي إلى أن الأبحاث قد لاحظت أيضاً وجود صلة بين بعض الأمراض العقلية والإدمان على الإنترنت، بما في ذلك الاكتئاب وتدني احترام الذات والشعور بالوحدة.

الرابط بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والأمراض العقلية؛ توضح العديد من الدراسات وجود صلة بين الاكتئاب واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي. ويحذر الباحثون من أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث قبل أن يتم قبول الاستنتاجات التي تم التوصل إليها في الدراسات المذكورة أعلاه على نطاق واسع كحقيقة داخل مجتمع الاستشارة.

ومع ذلك، فإن النتائج تستحق الدراسة. إذ وجدت إحدى الدراسات التي أجريت عام 2013، أن البالغين الأصغر سناً الذين يستخدمون موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بشكل متكرر يميلون إلى الإبلاغ عن شعورهم بسعادة أقل، مع استخدام منصة التواصل الاجتماعي التي ربما تكون هي السبب. كما أفادت دراسةٌ أخرى أجريت بين طلاب المدارس الثانوية أن معدلات الاكتئاب تكون أعلى بين أولئك الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بانتظام.

يوجد بعض الأسباب المحتملة لهذه النتائج، إذ أن مواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تثير لدى بعض الأفراد مشاعر تدني احترام الذات. على سبيل المثال؛ قد يرى مستخدم موقع التواصل الاجتماعي أشخاصاً آخرين على الموقع ويفترض أن هؤلاء الأفراد أكثر نجاحاً وجمالاً وذكاءً وما إلى ذلك.

أوضحت دراسةُ فحص الطلاب في جامعة يوتا الأمريكية أن أولئك الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بشكل روتيني يميلون إلى الشعور كما لو أن أقرانهم كانوا أكثر نجاحاً وسعادة مما هم عليه. وعلى الرغم من أن هذه المشاعر لا ترتبط بالضرورة بالاكتئاب، إلا أنه يمكن أن تكون هناك علاقة بينهما، خاصة إذا كان الأفراد المعنيون يعانون بالفعل أو من المحتمل أن يواجهوا مشاكل في الصحة العقلية.
أوضح الدكتور «ساجو ماثيو» في مقال على منصة «Piedmont Health»، هذه النقطة المهمة قائلاً:


“عندما نتواجد على وسائل التواصل الاجتماعي، فإننا نبحث عن تأكيد لأفكارنا، وبوعيٍ أم لا، فإننا نقارن حياتنا بحياة الآخرين. ونتيجةً لذلك، قد لا نستمتع بما هو موجود في الوقت الحالي”.

ذو صلة

فى الختام؛ امتد تأثير التكنولوجيا إلى مجال الرعاية الصحية، ومن الواضح أن التكنولوجيا تُحدث أيضاً تغييرات إيجابية من حيث رعاية الصحة العقلية. ومع ذلك، فقد أشارت الأبحاث إلى أن الأدوات التي يمكن أن تساعد في التخفيف من مشكلات الصحة العقلية، مثل تطبيقات الهواتف الذكية، قد تكون مرتبطة بتجربة مشاكل الصحة العقلية في سياقات مختلفة. كما أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث قبل استخلاص استنتاجات نهائية.

ومع ذلك، بالنسبة لمستشاري الصحة العقلية الذين يدخلون هذا المجال، فإن الفهم الشامل للعلاقة الدقيقة بين التكنولوجيا والصحة العقلية ضروري للممارسة الفعالة. كما يتعين على المستشارين توسيع كفاءاتهم التكنولوجية، ولكن دائماً وفقاً للمبادئ التوجيهية الأخلاقية الخاصة بكل منهم وسيادة القانون.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة