تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

لماذا غادرت جوجل السوق الصينية، وما السر وراء عودتها الآن بعد غياب طويل؟؟

عودة جوجل للسوق الصينية
مدثر النور احمد
مدثر النور احمد

8 د

منذ أن أَعْلَنَتْ جوجل عن نيتها للعودة للسوق الصيني مرةً أُخرى، والامتثال لقوانين المشرعين الصينيين كشرط أساسي للتواجد في دولة المليار ونصف نسمة، والأخبار لا زالت تخرج مع الكثير من الانتقاد والاستغراب من المتابعين، فكيف لجوجل التي خرجت بالأساس في العام 2010 اعتراضًا على القوانين القمعية – كما ذكرت –  والتي مُورست على محرك بحثها أن تعود مرةً أُخرى وتذعن للحكومة الصينية؟!

عودة جوجل للسوق الصيني حتى الآن لم يتم تأكيدها بصورة رسمية، ولكن الأخبار والشائعات من المواقع الاخبارية، وحتى من داخل مقر جوجل نفسه يؤكّد أنَّ جوجل مستمرةٌ في خططها للعودة مرةً أُخرى بغض النظر عن أيِّ شيء آخر، مما يجعلنا نطرح سؤال في غاية الأهمية:


لماذا غادرت جوجل السوق الصينية من الأساس؟!

الرقابة هي السبب، أغلقت جوجل فعليًا عملياتها في السوق الصينية بعد أن اكتشفت هجومًا إلكترونيًا من داخل البلاد استهدفها وعشرات من الشركات الأُخرى، وأثناء التحقيق في الهجوم وجدت جوجل أنَّ حسابات البريد الإلكتروني Gmail التابع لعدد من نشطاء حقوق الإنسان الصينيين قد تمّ اختراقها.

كانت جوجل قد أنشأت متجرًا في الصين قبل أربع سنوات من الخرق، وتقدّم نسخةً من خدماتها التي تتوافق مع سياسات الرقابة القمعية التي تتبعها الحكومة، في ذلك الوقت قال مسؤولو جوجل إنَّهم قرّروا أنَّ الخيار الأكثر أخلاقيةً هو تقديم بعض الخدمات – على الرغم من القيود التي تفرضها الرقابة الصينية  على السوق الصينية الهائلة، بدلًا من ترك ملايين من مستخدمي الإنترنت الذين لديهم وصول محدود إلى المعلومات.

لكن هجمات 2010 دفعت الشركة إلى عكس مسارها، وبدلًا من الالتزام بالطلبات الحكومية لتصفية نتائج البحث، وجهت جوجل كلّ حركة المرور الصينية لموقعها إلى نسخة هونغ كونغ غير الخاضعة للرقابة، وهي خطوةٌ تركت جوجل تواجه غضب الحكومة الصينية بشكلٍ مباشر، وجعلتها عرضةً للإغلاق تمامًا في الصين، ولم يستمر الأمر طويلًا، حيثُ أصبحت خدمات جوجل غير قابلة للوصول إلى معظم المستخدمين الصينيين في غضون أشهر من اتخاذها لذلك القرار.


ولكن من السهل الانسحاب من المعركة إذا كنت قد خسرتها بالفعل

انسحاب جوجل من السوق الصينية لم يكن بسبب الرقابة وحدها، بل كان هنالك منافس محلي شرس استطاع أن يشكّل تهديدًا مباشرًا لجوجل في التواجد في السوق الصينية المغرقة بالثقافة الصينية المحلية، والرافضة لكلِّ دخيل غربي يمكن أن يشكّل تهديدًا لثقافتها المحلية.

فجوجل وبالاعتماد على سمعتها في باقي العالم كمحرك بحث رئيسي لثلث مستخدمي الإنترنت على الأقل، كانت تأمل في الحصول على حصة أكبر من محرك البحث الصيني بايدو Baidu في السوق الصيني من خلال تقديمها خدمة مميزة ومتكاملة وشاملة، وليس مجرد محرك بحث فقط.

ولكن يبدو أنَّ رجل الأعمال المولود في الصين روبن لي Robin Li مؤسس محرك البحث الصيني بايدو Baidu في أواخر العام 1999، كان يفهم السوق المحلي الصيني بشكلٍ أعمق وأفضل من فريق جوجل المكلف بتطوير محرك البحث Google.cn.

محرك البحث بايدو Baidu انتزع الصدارة في الصين مبكرًا منذ البداية – وحافظ عليها – مع العديد من ميزات البحث المبتكرة المتخصصة والموجهة للأذواق المحلية، وقدّمت بايدو Baidu خدمات موجهة لمستخدمي الإنترنت الصينيين المحليين بشكلٍ خاص بما في ذلك لوحات الإعلانات التي يمكن تبادل المعلومات بشأنها – وهي خدمة رفضها الرئيس السابق لشركة جوجل الصينية كاي فو لي على اعتبار أنَّها لا علاقة لها بالبحث، كما عرض محرك البحث الصيني الرسائل الفورية لعموم المستخدمين في أقوى الميزات التي وجدت شعبيةً كبيرةً لدى المستخدمين.

بالإضافة إلى ذلك كانت بايدو أول من طرحت في السوق ميزة البحث عبر الهواتف المحمولة متضمنًا البحث عن الوسائط المتعددة بما في ذلك مقاطع الفيديو، كما أنشأت شبكةً وطنيةً من موزعي الإعلانات في 200 مدينة صينية لتثقيف الشركات حول قوة الإعلان عبر الإنترنت، وهي خطوةٌ لم تفعلها جوجل عند انطلاقها في السوق الصينية.

أحد العوامل الرئيسية الأُخرى التي وضعت محرك البحث بايدو في الصدارة هي توفيرها لتقنية البحث الخاص بها باللغة الصينية الأولى في البلاد وهي الماندرين Mandarin، وتمكنت جوجل من تدارك هذا الأمر من خلال تفريغها لفريق كامل من 100 شخص لإدخال هذه اللغة ضمن تقنيات البحث الخاص بمحركها.

ساهمت هذه الجهود في الحصول على نتائج بحث أسرع وأكثر دقةً، بالإضافة إلى خدمة أكثر موثوقيةً، ولكن بغض النظر عن اسم وشهرة جوجل كعلامة تجارية عالمية، والجهد المكدَّس والموارد المالية لإطلاق نسخة من محرك بحثها باللغة الصينية لم تتمكن في النهاية من التغلب على محرك البحث الصيني بايدو، الذي وجد شعبيةً كبيرةً ونسبة ولاء منقطعة النظير؛ لأنَّها تمثّل الأداة الأكبر التي تواجه بها أمريكا بحسب الدعاية المرافقة لها.


فخامة الاسم وحده لا يكفي

عودة جوجل للسوق الصينية

عند التفكير للدخول للسوق الصينية لم تفكّر جوجل كثيرًا، وتنظر للمنافسين الموجودين بالفعل في هذا السوق، بل أرادت أن تدخل معتمدةً على اسمها وشهرتها التي بنتها في العالم أجمع، ولكن يبدو أنَّ الصينيين والسوق الصينية بشكلٍ خاص لا تغريهم مثل هذه الأشياء، فهم ينظرون لكلِّ ما هو غربي بشيء من الشك والريبة خاصةً إذا رافقها بديل محلي قوي، وهجوم إعلامي ممنهج من الدولة.

محرك ياهو عندما أرادت الدخول للسوق الصينية في العام 2005 لم تعتمد على اسمها فقط، بل قامت بتسليم زمام إدارة ياهو Yahoo في الصين لـ جاك ما Jack Ma الزعيم الكاريزمي للتجارة الإلكترونية، وصاحب موقع على بابا الصينية للتجارة، كان إدارة ياهو تعرف أنَّ جاك ما Jack Ma رجل يعرف ما يفعله بالضبط، فهو رجل محلي وبالتالي تفكيره وعمله سيكون محليًا، وهذا يُعتبر نقطة تفوق للحصول على الرموز السرية للدخول للسوق الصينية، وهذا ما نجح فيه إمبراطور التجارة الإلكترونية الصينية.


ولكن لماذا تفكّر جوجل في العودة للسوق الصينية؟!

في الوقت الحالي يتعامل وادي السليكون وشركاته مع مشهد عالمي مختلف الآن، فشركات التكنولوجيا العملاقة قامت بتوسيع منتجاتها وخدماتها إلى حدٍّ كبيرٍ في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا والدول الأوروبية والآسيوية لتحقيق هدفين: أولهما هو الحصول على الأرباح المالية، والثاني هو التواجد قبل الآخرين في مثل هذه الأسواق.

وجوجل من خلال خروجها من السوق الصينية فقدت الكثير، وهو التواجد في منطقة ذات قيمة كبيرة جدًا على المستوى البشري مع أكثر من 772 مليون مستخدم للإنترنت في مقابل الحصول على تعاطف دولي كونها مدافعةً عن حُرية التعبير، ولكن للأسف التغني ورفع شعارات مثل هذه لا تُحقق الأرباح.

كما أنَّ القيادة في شركة جوجل تغيرت أيضًا، ومن من المحتمل بشكلٍ كبير أن يرى الرئيس التنفيذي الحالي ساندر بيشاي الصين بشكلٍ مختلف عن الشريك المؤسس لشركة جوجل سيرغي برين، الذي نشأ في الاتحاد السوفييتي السابق، والذي ذكر في العام 2010 عند انسحاب جوجل من السوق الصينية “إنَّ الصين تحمل نفس علامات الشمولية التي وجدها مثيرةً للقلق”!

ولكن من ناحية أُخرى ألمح ساندر بيشاي الرئيس التنفيذي الحالي لشركة جوجل إلى اهتمامه بالصين، حيثُ ظهر كضيف مفاجِئ في مؤتمر الإنترنت الصيني في ديسمبر من العام الماضي، وحضر منتدى بكين للتنمية في مارس من العام الحالي للإشادة بتقدم الصين في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي AI قد تلعب دورًا هامًا أيضًا، فالتنافس الحاد والمستمر بين الولايات المتحدة والصين يدور إلى حدٍّ كبيرٍ حول مسألة توظيف أكبر عدد من المواهب العالمية، ويمكن أن يساعد توظيف المزيد من المهندسين والعمال الصينيين شركة جوجل أن تبقى في الصدارة لوقت طويل، وتقود المشهد في ما يخص الذكاء الاصطناعي.


هل هناك أيّ تغيير يمكن أن يشجع جوجل للعودة؟!

للأسف الأمور زادت عن السابق فيما يخص الرقابة الصينية على الإنترنت، فليس هنالك صورة أو حتى كلمة لا تُراجعها الحكومة الصينية خاصةً فيما يخص الحريات والدين من بين العديد من الأشياء الأُخرى التي تعتبرها الحكومة الصينية من المحرمات، وتظل هذه الرقابة قويةً وقد تكثفت بشكلٍ مطرد في السنوات الأخيرة، ولا يزال العديدُ من النشطاء مهددين بالرقابة، بل ويتعين عليهم الاختفاء لتجنب الاعتقال.

والآن بعد أن أمضت جوجل ثماني سنوات خارج الصين، وكرست لشعارها كحامي للديمقراطية حول العالم، فقد يكون من الأصعب تحقيق عودة يمكن أن تجد معها موطِئ قدم في الصين، فمحرك البحث المحلي في الصين بايدو الآن أكبر من أيِّ وقت مضى، ولا ننسى أنَّها منذ العام 2010 قد تجاوزت جوجل بالفعل في السوق الصينية، فتخيل فقط حجم سيطرتها على السوق الصينية الآن.

كما لا ننسى أنَّ هناك أيضًا توترات جيوسياسية يجب مراعاتها، خاصةً مع حرب التعريفات الجمركية الجارية بين الصين والولايات المتحدة.


ولكن هل ستسمح الحكومة الصينية لجوجل بالعودة؟!

للتذكير فقط في شهر يوليو السابق بدأ شركة فيسبوك في محاولة فتح فرع لها في الصين، ولكن بعد يوم واحد فقط تمّ سحب الترخيص وحُجبت الأخبار المتعلقة بهذا الأمر، وهذا ما جعل المسؤولين التنفيذيين في جوجل يكافحون – حتى الآن – لأخذ موافقة إدارة الفضاء الإلكتروني في الصين للتوقيع على مشروعها للعودة، والتي أطلقت عليه الاسم الحركي “دراغون فلاي Dragonfly”، ولكن الصحيفة الرسمية الصينية وكذلك وكالة رويترز ذكرت أنَّه ليس هناك خطط للموافقة على عودة جوجل للسوق الصينية من جديد.

ولا ننسى أيضًا أنَّ هناك احتمال قوى أن يؤدي رد الفعل من الموظفين أو الجمهور أو كليهما إلى دفع جوجل إلى إعادة النظر في خطط تطوير محرك البحث الصيني، أو حتى الانسحاب منها بشكلٍ كاملٍ مذكرًا بالدور الذي لعبته هذه الاحتجاجات في العام 2010 في تشجيع عملاقة البحث الأمريكية للانسحاب من السوق الصينية، ومحاربة الرقابة على حرية المعلومات والمعرفة.


المصالح التجارية قد تتغلب على المبادئ

ذو صلة

بالرغم من الهجوم الكبير الذي وجدته خطوة جوجل للعودة مرةً أُخرى للسوق الصينية من خلال انحنائها للعاصفة والموافقة على الشروط الصينية، إلَّا أنَّه ومن منظور العمل التجاري البحث والمنافسة ولتحقيق المزيد من الأرباح، فإنَّ الرجوع مرةً أُخرى للسوق الصينية – ربما – هو الشيء الصحيح بالنسبة لشركة جوجل التي لديها بالفعل عدد قليل من الخدمات الآن في الصين مثل: ترجمة جوجل Google Translate، وتطبيق تنظيم الملفات File Go، وبعض الألعاب التي تعمل بتقنية الواقع الافتراضي AR.

وبما أنَّ الإعلان هو مصدر الدخل الرئيسي لشركة جوجل، فإنّه من الصعب تجاهل 1.4 مليار مستخدم محتمل للإنترنت، وستشجع منصّات أُخرى مثل: فيسبوك وتويتر – المحجوبة في الصين الآن – والتي تتنافس مع جوجل للحصول على عائدات الإعلان على الإنترنت في الانحناء هي الأُخرى للعاصفة لتجد لها موطِئ قدم، وفرصة للتواجد في السوق الصيني التي  تعتبر من أكبر الأسواق للشركات التقنية، والتي من خلالها يمكنها ان تُحقق أرباح مالية لا يمكن تخيلها!

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة