موهبتــه حوّلته من ” متشــرِّد ” إلى واحد من أبـرز نجــوم المجتمع الأمـريكي
بدأ كل شيئ فى شتـاء العــام 2011 ..
رجل يقــود سيـارته فى فى إحدى ضواحي مدينة كولومبـوس بولاية أوهايــو الامريكية ، وكان فى طريقه إلى منــزله على مايبدو فى يــوم روتيني ممــل كالعــادة .. إلا أنه استوقفه شيئ غــريب ..
متشــرد ضــال ( Homless كما يقولون عنه فى أمريكــا ) ، يحمــل لافتــة ويبتســم ابتســامة واسعة صفــراء ، تبدو متناقضــة مع هيئته الرثة أو ملابســه المتسخــة .. وهو يقتــرب من السيــارات ..
ولحسن الحــظ ، كان قائد السيــارة ( دورال تشونيت ) مصــوٍّراً محتــرفاً .. لذلك أبى أن يمــر هذا الموقف ، دون أن يشغــل الكاميــرا الخاصة به ، ويقتــرب بسيارته من هذا المتســول المبتســـم ، فى محاولة لمعرفة سبب ابتســامة هذا الرجل ، وتسجيــلها إذا كان هناك شيئـاً مهمـاً ..
وعندما لمحت الكاميــرا المتســول ، اقتــرب بنفسه من قائــد السيارة ، حامــلاً لافتــة كتب عليهــا بخط متعــرج ، وهو يبتســم إبتســامة واسعة :
” أنا أمتلك موهبــة ربَّـانيــة فى صوتي .. أنا مذيــع راديــو سابق ، وقعت فى الكثير من المتاعب .. أرجــوك ! أي مســاعدة من طــرفك سوف أقدِّرهــا جداً .. شكــراً جزيلاً .. فليحفظــك الرب ! “
فمــا كان من قائد السيارة المصــور ، إلا أن سأله عن موهبتــه ، وهو يحضــر له بعــض العُملة ليعطيها له .. ليفــاجـأ بالمتســول يتكلم بصـوت عال وحمــاسي ..
وصوت مُذهل أيضــاً !
يبدو أن الصحفي المصور قائد السيــارة ، لم يتمـالك نفسه من الدهشـة كما رأيتم فى الفيديو ، وغادر سيارته وأجــرى حواراً سريعاً مع صاحب هذا الصــوت المُعجـــز ، الذي يخــرج الصوت من حنجــرته كأنه يتكلم عبــر الراديــو ، بدون أي تعديــلات صوتيــة أو مؤثــرات فنيــة .. صوت إذاعي قوي مميــز للغاية ، خلــق ليتحــدث عبــر الراديــو بلا شك !
وعندما تمَّ رفع هذ الفيــديو المُدهش على اليوتيــوب ، حقق مشاهدات ضخمة تجاوزت الـ 28 مليــون شخص حول العالم ، وأصبــح المتشــرد المتســول من أشهــر الأشخــاص فى الولايات المتحــدة بسبب صوته الإذاعي ، والذي أطــلق عليه ” الصــوت الذهبـي Golden Voice “ ..
من قـاع الفشـل إلى قمة النجــاح
اسمه تيـد ويليــامز .. من مواليـد العام 1957 م ، خدم لمدة 3 سنوات فى الجيش الامريكي ، والتحق بعد أن تسـريحه بمدرسة لآداء الاصوات ، بعد أن لاحظ الجميــع فى سن مبكــرة صوته الاذاعي المميــز .. وعمل بالفعل فى شبابه كمذيــع ميداني ، وبعــدها فى محطة إذاعية محليــة مغمــورة ..
المأساة بدأت فى العام 1986 عندمــا سقط ويليــامز فى مستنقع تعاطي المخدرات والكحــول بشراهة ، واهمــاله الشديد لعمــله وحياته المهنية .. وتم اعتقــاله 7 مــرات بتهم متعددة ، من بينها حيازة المخدرات والسرقة والتعدي على الممتلكــات العامة والخاصة .. ممــا أدى إلى دخــوله السجن لمدة سنتين و3 أشهــر ..
خــرج من السجــن وحاله أســوأ مما كان.. فتم اتهامه فى العام 1990 مــرة أخــرى بالسرقة ، ودخــل السجن مــرة أخــرى لمدة شهــرين ! .. ثم فى العام 2004 ، تم سجنــه للمــرة الثالثة لتهمة التزويــر والســرقة وعرقلة العمــل الرسمي ..
منذ ذلك الحيــن ، وتيـد ويليــامز لا يجد أمامه ســوى التسـول والتسكع فى الطــرقات لاستعطـاف المــارة ، بعد أن دُمــرت حياته المهنيــة والشخصية ، وأصبــح نموذجــاً للفشــل والضياع يسير على قدمين ..
إلا أن موهبتــه كانت هنــاك دائمــاً .. تنتظــر اللحظــة التى تنطــلق مجــدداً ..
وبعد رفع هذا الفيــديو القصيــر على يوتيــوب ، انهالت وسائل الاعــلام الأمريكية الضخمة على تقديم عــروض عمل مميــزة لـ ” تيــد ويليــامز ” الذي تحـوَّل بين ليلة وضحــاها من متســول مسكيــن ، إلى رجل يدرس عــروضاً خياليــة للعمل فى الاذاعة الامــريكية ..
كما أنه قــام أيضــاً بعمــل دعايات إعلانيــة لشــركات كبــرى ، مثل اعلان بصــوته لصــالح جبنــة ( كــرافت ) العالميــة .. وغيــرها ..
تم استضـافة تيد ويليـامز فى العديد من البرامج الحــوراية ليحكي تجــربته وقصــة حياته ( الأليمــة ) مع الادمـان والسرقة والجــريمة .. ولم تخـلُ معظم هذه الحــوارات من البكــاء تأثـراً بذكــريات سنــوات الضياع التى مــرَّ بها ..
وفى مايــو 2012 ، أصــدر كتــاب عن ” تيــد ويليــامز ” يتنــاول فيه قصــة حيــاته ، تحت عنــوان ” الصــوت الذهبــي ” ..
الخـــلاصة
لمحتــرفي اليـأس :
لا أعتقــد أنك – مهمــا كانت أمامك صعوبـات فى حياتك – أنك فشلت مثلمـا فشـل هذا الرجل .. تقريباً قضى عمره كله فى السجــون والادمان والمخدرات والسرقة والفشــل .. ثم صــار واحد من أبــرز نجوم المجتمع الامريكي ، رغم أنف الجميـــع !
لمُحتــرفي لعن الظــروف :
الشباب الذي يحـاول أن يبدأ مشــروعه ويلعن الظــروف .. والشباب الذي يبحث عن فـرص عمل مميــزة ويجد بعض الصعوبات فيلعن الظــروف .. والشباب الذي يعتبــر نفسه ضحية المجتمع المحيط به ولا يكف عن لعن الظــروف ..
الرجــل كان يقــف على الطــرقات فى ذروة الشتــاء ، يمــارس ماتعتبــره أنت قمة انحطــاط الكــرامة وهو : التســول ! .. ينتظــر الفــرصة .. لم ييأس ، ولم يلعن الظــروف ..
لم يجلـس فى بيته ، أو فى المقهـــى في إنتظــار الفــرصة أن تأتي إليه .. هو ذهب إليها من خــلال الطــريق الوحيــد الذي يعــرفه : الوقوف فى الطــرقات للتســول ، وإنتظــار أن يمــر عليه أحد يهتــم بموهبته !
لمحتــرفي جملة ( فاتنـا القطــار ) :
الرجــل قضى 53 عاماً من عمــره أغلبها ســوداء .. وفي يــوم شتــوي ملبد بالغيــوم ، تحــول إلى نجم يعــرفه كل الامريكييــن والعالم .. النجــاح الباهــر قد يأتي بعد الخمسيــن والستين .. قد يأتيك في أي لحظة .. فقــط إذا استمــررت فى السعــي وراءه ولم تنهــزم ..
القطــار لن يفــوتك أبداً إذا بقيت فى إنتظــاره فى صبـــر ..
لمُحتــرفي جملة ( ليس عنــدي مواهب من أي نــوع ) :
يؤسفني أن تقلل من شأنك إلى هذا الحــد .. لا يوجــد إنســان ليس عنده موهبة .. الرجل كان يبدو منفــراً غليظ الوجه ، ولكن موهبته المذهلة كانت فى صوته .. ربما تكون موهبتك فى عقلك ، فى تفكيرك ، فى لباقتك ، فى قدراتك على التواصل ، فى فنك ، في رسمك ، فى ابداعك ، فى شكلك ، فى جســدك ..
طــالما أنـك إنســان ، فثمــة كنــز ما تمتلكه لا يمتلكه غيــرك .. وبالتالي يجب أن تبحث أنت عنه ، ولا تنتظــر من ( غيـرك ) أن يبحث عن كنــزك !
هل تشــك فى كونك إنســاناً ؟! 😕
***************
حقيقة ليس لديّ أكثــر من هذا لأقــوله .. تيــد ويليــامز هو نموذج حقيقــي مُجســم لكل إنســان ظنَّ أن حيــاته ليس لها أي قيمــة ، وأن النجــاح والشهــرة والتميــز هي أمــور تذهب لغيـره فقط .. ولكن إصــراره وإيمانه بموهبته جعـله يكســر هذا التصــور إلى الأبــد..
لدينــا ملايين من ( تيــد ويليــامز ) فى عالمنا العـربي ظــروفهم أفضـــل بكثيــر جداً من الظــروف التى كان فيها الرجــل .. فقط هو تميــَّز عن الجميــع فى أنه آمن فعــلاً بموهبته رغم كل ظروفه..
وأنه لم ينتظــر الفــرصة تأتي إليه .. هو الذي ذهــب إليها بنفســه ..
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
السلام عليكم
شكرا على المقال أخي العزيز.
الطاقات أنواع و القدرات أشكال، لكن علينا أن نستثمر في أعزّ و أغلى طاقة هي الموجودة بداخلنا تجري في عروقنا تحتويها قلوبنا و عقولنا.