لأن رحلة في الطبيعة أصبحت ضرورة لا رفاهية.. اسمح لي أن آخذ بيدك إلى مغامرتك الأولى
عبور شق جبلي ضيق، التخييم في الصحراء والاستلقاء تحت سماء مرصعة بالنجوم، مغامرة تسلق قمم الجبال، المشي في الغابات، أشياء يتخذها البعض أسلوب حياة، في حين أن نفس الأشياء من وجهة نظر غيرهم مجرد رفاهية غير مهمة حتى أن بعضها يمكن أن تتسبب لهم في ضيق تنفس ويعدون ممارسيها مجانين. لكن ماذا لو أخبرتك أن الواقع والدراسات يقولون عكس ذلك! كيف؟ هذا ما سنعرفه في السطور التالية.
حيث سنتعرف فيما يلي على السبب الذي يجعلنا حاليًا في حاجة ماسة إلى الانخراط في الطبيعة والحصول على بعض المغامرة من حين لآخر، كما سنعرف أيضًا لماذا يعشق البعض المغامرة؟ وما هي فوائد المغامرة؟ وفي النهاية سنضعك على أول طريق المغامرة لتعرف كيف تبدأ أولى خطواتك.
لماذا نحتاج إلى المغامرة والانخراط في الطبيعة؟
نعيش اليوم في عالم مليء بشبكات الواي فاي والهواتف الذكية والمباني الفاخرة التي أصبحت أماكن عيشنا ودراستنا وعملنا وحتى ترفيهنا، تلك هي حياتنا المعاصرة والتي من المفترض أنها تبدو أكثر تحضرًا ورفاهية من ذي قبل، ما يجعلنا أكثر صحة وسعادة. لكن في الواقع تلك الكتل الخرسانية والحياة البعيدة عن الطبيعة لم تجعلنا كذلك!
ففي دراسة نشرتها جامعة كامبريدج عام 2018، تحت عنوان التحضر وحدوث الذهان والاكتئاب، اتضح أنه مع زيادة مستويات التحضر، ارتفعت معدلات الإصابة بالذهان والاكتئاب. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية فإن معظم سكان المدن البالغ عددهم 4.20 مليار نسمة يعانون من التلوث والافتقار إلى أماكن للمشي وركوب الدراجات والحياة النشطة، ما يجعل المدن بؤرًا للأمراض الجسدية والعقلية المزمنة.
لذلك إذا كنت ممن يعيشون في هذا التكدس السكاني بعيدًا عن الطبيعة فعليك أن تعرف أن الانخراط في الطبيعة والحصول على بعض المغامرة من حين لآخر لم يعد مجرد رفاهية، بل إنه ضروري من أجل صحتك الجسدية والعقلية والنفسية.
للمغامرة فوائد طويلة الأمد
لماذا نتحدث هنا عن المغامرة تحديدًا، وليس عن قضاء الإجازة في أي منتجع أمام البحر، على الرغم من أن هذا يعد نوعًا من أنواع الانخراط في الطبيعة أيضًا؟ السبب هو أنه على الرغم من أن هذا النوع من الإجازات الذي لا تخرج فيه من منطقة راحتك، ربما يجعلك مرتاحًا ومنتعشًا، لكنك تعود منه دون تغيير؛ وبالعودة إلى العمل اليومي، يبدو الأمر كأن لم يكن على الإطلاق.
أما رحلات المغامرات فلها تأثير مختلف تمامًا. ستعود مرتاحًا ومنتعشًا بالطبع، لكن الخروج من منطقة راحتك والقيام بشيء إيجابي وصحي سوف يكون له فوائد جسدية وعقلية طويلة الأمد، كالآتي:
سيعمل دماغك بشكل أفضل
سيتفاعل جسمك بشكل إيجابي مع الإمداد المستمر للهواء النقي، وستحصل على المزيد من الطاقة، وسيعمل عقلك الذي يتطلب 20% من الأكسجين الذي تحتاجه بشكل أفضل. ليس الهواء فقط هو الذي يصنع الفارق، ففي عام 2008 وجد باحثون أمريكيون أن قضاء الوقت في بيئة طبيعية يحسن تركيزك. علاوة على ذلك، فقد ثبت أن المغامرة تزيد من نشاط الحُصين، وهو جزء مهم من الدماغ من حيث الذاكرة والتعلم.
كما يؤدي التعرض للمواقف والثقافات الجديدة خلال مغامراتك إلى إعادة تشغيل عقلك بطرق لم تتخيلها من قبل، وستجد أن الاهتمامات اليومية التي تهيمن على أفكارك وتستنزف طاقتك في المنزل لا تؤثر عليك عندما تشاهد الحيتان من قوارب الكاياك مثلًا.
ستقوّي جهازك المناعي
قضاء الوقت في الهواء الطلق يجعلنا نشعر بالرضا عن أنفسنا والآخرين، كما أنه يحسن الجهاز المناعي، ووفقًا لدراسة يابانية حديثة، فإن رحلة ليوم واحد إلى حديقة في الضواحي يمكن أن تعزز نشاط المناعة لمدة أسبوع، بينما وجدت دراسة أخرى، نُشرت في عام 2010، أن الرحلات القصيرة والممتعة إلى منطقة برية عززت جهاز المناعة لأكثر من 30 يومًا.
ستحسّن مزاجك
يشعر المغامرون عادة بالسعادة عند مواجهة الخوف، حيث يفرز الخطر والاستكشاف هرمون الإندورفين، ما يقلل من الشعور بالألم والتوتر.
كما تجعل السعادة هرمون الكورتيزول يقل بمقدار 23% عن مستواه لدى الأشخاص غير السعداء. وقد وجدت دراسة أجريت عام 2001 من قبل باحثين في الولايات المتحدة وتركيا أنه بالمقارنة مع نظرائهم غير السعداء، فإن الأشخاص الأكثر سعادة أصبحوا أكثر صحة خلال فترة الدراسة.
نومك سيتحسن
إذا حصلت على ما يكفي من الهواء النقي مع ممارسة نشاط ما، فسوف تنام بشكل أفضل، ما يعود بالنفع على صحتك الجسدية والعقلية.
سوف تصبح أكثر هدوءًا
خلال مغامراتك سوف تمر بمواقف صعبة، لكن مواجهة هذه المواقف ستساعدك على تعلم كيفية التعامل معها بشكل أفضل، وستكتسب القوة والثقة للتعامل مع جوانب الحياة المتعددة.
سترى الحياة بمنظور مختلف
إن رؤية المواقف الجديدة وتجربة ثقافات وتقاليد جديدة ستعطيك منظورًا جديدًا للحياة، وسترى مشاكلك الخاصة والأشياء الجيدة التي لديك بوضوح أكبر.
ستزداد ثقتك في نفسك
مواجهتك لمواقف صعبة في أثناء المغامرة، وفهمك لنقاط قوتك، والتخلي عن كل رفاهيات الحياة، وعيش حياة بسيطة في الطبيعة سوف يجعلك تشعر بأنك لا تقهر، ما يزيد ثقتك بنفسك.
ستتعلم العيش في حدود إمكانياتك
لن تتمكن من الوصول إلى رفاهية الحياة الصغيرة في رحلة مغامرة، وحينها ستتعلم كيف تعيش في حدود إمكانياتك، وستتمكن من خلق تجارب كبيرة من موارد قليلة.
ستتعلم مهارات ومعارف جديدة
ستعلمك المغامرات العديد من الأشياء الجديدة، مثل صناعة 10 أنواع مختلفة من الحبال، أو التحدث بلغة جديدة بمساعدة السكان المحليين، وغيرها من المهارات التي ستقوم باستخدامها لاحقًا في الحياة.
من واقع التجارب… لماذا يعشق البعض المغامرة؟
تختلف الأسباب وراء حب وإدمان المغامرة باختلاف الأشخاص وتجاربهم، لذلك سنتعرف على بعض تلك الأسباب من واقع التجارب الشخصية لأصحابها، ومن بين تلك الأسباب:
اندفاع الأدرينالين
ربما يكون أحد أهم الدوافع وراء حب المغامرة. اندفاع الأدرينالين الذي تحصل عليه بعد الفوز على خوفك. إنه شعور لا يمكن تكراره في أي نشاط آخر، وبالنسبة للكثيرين فهو شعور حقيقي بأنك على قيد الحياة.
ويحكي سوديب تجربته مع الأدرينالين الذي دفعه إلى خوض أولى مغامراته، قائلًا: "كنت لا أستطيع السباحة ولكني كنت أرغب دائمًا في استكشاف البحر والغطس. لذلك في أحد الأيام دون التفكير كثيرًا في خوفي من البحر، تركت اندفاع الأدرينالين يستولي عليّ ونزلت إلى عمق 50 قدمًا تحت سطح البحر ورأيت العالم الجميل تحت الماء. في البداية كنت خائفًا من تعريض حياتي للخطر، لكن بمجرد أن كنت في أعماق البحر، شعرت أن الأمر يستحق ذلك، لقد كانت أفضل تجارب حياتي".
قتل الملل
من منا لا يشعر بالملل، لكن السفر والمغامرة هما أعظم قاتل للملل، فمن خلالهما يمكنك الابتعاد عن تقلبات الحياة المعتادة وتجربة شيء أكثر متعة دون الشعور بأي ملل، لذلك يدمن البعض المغامرة كوسيلة لقتل الملل.
يقول ديفانج البالغ من العمر 23 عامًا: "لم أكن من عشاق المغامرة. لقد قمت بها صدفة ناتجة عن دافع لقتل الملل، حيث كان بيت الشباب في ناشيك في الهند محاطًا بثلاثة جبال، فبدأت في استكشاف تلك الجبال. وانتهى الأمر بأن أصبحت المغامرة جزءًا مني".
اختبار حدودك
المغامرة هي جواز سفر لاختبار حدودك، حيث يُدفع جسمك وعقلك إلى حدود مطلقة، والمنافسة خلالها تكون ذاتية لترى ما هي أقصى حدودك.
يقول تشارانبريت سينج، مصور السفر الشهير والمستكشف والمغامر البارع: "أريد أن أكرس حياتي كلها في استكشاف جبال الهيمالايا، فالجبال تطهر عقلي والحضارة تفسده من جديد، ولا شيء جعلني أقوى مثل المغامرة، لقد جعلتني أتحدى وأحقق أهدافًا نبيلة، فبفضل المغامرة أقبل الآن التحديات بابتسامة وأكوّن صداقات أينما ذهبت. لقد جعلتني أقبل التغييرات وأتجاهل نفسي القديمة والجروح".
تسليط الضوء على قضية معينة
المغامرة ليست عن الذات فقط، ففي بعض الأحيان تقودك إلى القيام بالكثير من الأعمال غير الأنانية التي لم تكن لتفكر بها لولا المغامرة، حيث يقوم العديد من المغامرين بربط قضية ما بمغامرتهم، وبالتالي لا يتم تحسين حياتهم فقط بل وحياة الآخرين أيضًا.
وخير مثال على ذلك مغامرة عبور المحيط الأطلنطي التي قام بها المغامر الشهير وسفير النوايا الحسنة عمر سمرة برفقة المغامر عمر نور، التي كانت بهدف التوعية بقضية اللاجئين والمخاطر التى يتعرضون إليها، والتي تحولت أيضًا لفيلم اسمه ما وراء المحيط، وذلك بعد أن كاد المغامران يفقدان حياتهما.
حب الطبيعة
الطبيعة هي أكبر مزيل للسموم، حيث تطهر العقل والقلب والروح، وتجعلك قادرًا على التفكير بوضوح واتخاذ القرارات بعناية، ما جعل البعض يدمنون المغامرة.
وهذا ما حدث مع فيشي بانسال، واحدة من عشاق جبال الهيمالايا، حيث تقول: "لطالما شعرت بشيء يجذبني كلما كنت في الجبال، لكن لم أكن أفهم تمامًا، وبمجرد أن ذهبت إلى مغامرة في البحيرات كانت نقطة التحول، حيث أدركت فجأة أن هذا هو المكان الذي أنتمي إليه".
كيف تبدأ أولى مغامراتك؟
الآن بعد أن عرفت فوائد المغامرة وتجارب الآخرين معها، ربما حان الوقت لكي تبدأ تجربتك وتكتشف نفسك أنت أيضًا، لكن كيف تبدأ أولى مغامراتك؟ وكيف تجد شركاء المغامرة؟ فقط اتبع الآتي:
هناك العديد من الطرق للعثور على صديق لمغامرتك:
انضم إلى مجموعة
ابحث عن المجموعات التي تتناسب مع اهتماماتك على السوشيال ميديا، سواء كنت تحب التخييم أو التنزه أو ركوب الدراجات في الجبال، وانضم إليهم.
أقنع أصدقائك
في بعض الأحيان، كل ما يتطلبه الأمر هو التحدث قليلًا مع أصدقائك ومعرفة اهتماماتهم لجعلهم يشاركون في مغامرتك . وحاول البدء بنزهة نهارية أو رحلة تخييم ليلية، حينها قد يجدون أنهم يحبون المغامرات مثلك.
انضم إلى مجموعة سياحية
أحيانًا لا يكون لديك خيار سوى خوض التجربة بمفردك، لكن لا تقلق، من المحتمل أن تكون هناك فرصة للانضمام إلى جولة جماعية أينما تتجه، وذلك من خلال الشركات السياحية التي تلبي مختلف الفئات العمرية ومستويات النشاط وأنماط السفر. لذا جرب الحجز مع إحدى تلك الشركات، وخلال رحلتك سوف تجد أشخاصًا مدهشين متشابهين معك في التفكير وقد تبني معهم صداقات تدوم مدى الحياة.
استمر في الحديث
أحيانًا يكون حديثك هو أفضل وسيلة للعثور على الأشخاص الذين قد يرغبون في الانضمام إليك، فربما يعرف صديقك صديقًا يحب التخييم أو السفر. لكنك لن تعرف حتى تسأل! لذلك استمر في الحديث عن شغفك.
بعد أن عرفت الطرق التي يمكنك أن تجد بها رفقاء مغامراتك، حان وقت التحضير للمغامرة:
حدد وجهتك
يعتمد تحديد الوجهة على تحديد اهتماماتك ومقدار الوقت المتاح لرحلتك وميزانيتك، لذلك في هذه المرحلة من التخطيط، لا تتردد في إطلاق العنان لخيالك، فإذا كان تسلق جبل ما يتصدر قائمة أمنياتك، قم بالبحث على الإنترنت لمعرفة معلومات عن المكان وتكلفة هذه الرحلة وما الذي ستتضمنه.
ضع خطّ سير الرحلة
بمجرد العثور على وجهة تلبي متطلباتك وتناسب وقتك وميزانيتك، قم بالتخطيط لمسار رحلتك، حيث يمكن أن يساعدك خط سير الرحلة في استيعاب وقتك المحدود، ما يتيح لك تحقيق أقصى استفادة من مغامرتك، واعلم أنه كلما قل الوقت الذي لديك احتجت إلى تخطيط أكثر.
استعد لرحلتك
بعد تحديد خط سير الرحلة، يمكنك إجراء ترتيبات السفر اللازمة، مثل حجز الرحلات الجوية والإقامة وتجهيز الأمتعة اللازمة لتلك المغامرة.
أشياء احرص على أخذها في مغامراتك:
بالتأكيد تختلف الأمتعة التي تحتاجها في مغامراتك باختلاف نوع ووقت المغامرة، لكن هناك بعض الأشياء الأساسية التي لا غنى عنها، ومنها:
- أطعمة خفيفة غير قابلة للتلف تمدك بالطاقة مثل، الشوكولا، والمكسرات والفاكهة المجففة.
- حقيبة الإسعافات والطوارئ وتتضمن أساسيات مثل، الضمادات الكبيرة، وقطرات حساسية العين، ومطهر جروح، وأدوية مسكنة، وأدوية مطهرة للمعدة، وأدوية صداع، وعلاجًا للحروق وكريمًا مضادًا للتسلخات وطاردًا للحشرات، وأكياسًا بلاستيكية، وبعض الفيتامينات اليومية الخاصة بك لإبقائك قويًا لاستكمال رحلتك.
- بطانية الطوارئ، كشاف الطوارئ و بطارية خارجية للجوال "power bank".
- حذاء مريح ومقاوم للماء ومضاد للانزلاقات، وإذا كنت سوف تمشي كثيرًا فقد تحتاج إلى اختيار حذاء بمقاس أكبر من مقاسك بنمرة لأن قدمك سوف تنتفخ من المشي.
وتذكر أن التخطيط للمغامرة في وقت مبكر يتيح لك مزيدًا من الوقت للاستمتاع التام في أثناء تواجدك هناك.. مغامرة سعيدة.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.