مع اكتساح شعبية Squid Game.. هل تفوقت الدراما الكورية على واقعية هوليوود؟

لعقود طويلة تربعت هوليوود وبفخر على عرش السينما العالمية دون وجود منافس حقيقي تقلق منه، لكن دوام الحال من المحال ودارت عجلة الزمن لتجد هوليوود الأسطورية نفسها مهددة من قبِل دولة أسيوية صغيرة هي كوريا الجنوبية. 

استطاعت هذه الدولة الصغيرة المنقسمة صنع مجدها الخاص وتصدير ثقافتها الفريدة إلى العالم نائية بنفسها عن توأمها السيامي كوريا الشمالية.

لا شك أنك لاحظت في الأعوام الأخيرة تزايداً خيالياً لشعبية الأعمال الكورية؛ لقد نجحت السينما الكورية في فرض نفسها على العالم وجذبت أنظار المشاهد الغربي الذي امتلك مشكلة مزمنة دومًا تجعل قراءة الترجمة شيئاً عسيراً، لا أحد ينسى اللحظة الأسطورية التي نجح فيها الفيلم الكوري الجنوبي Parasite في اقتناص أوسكار مستحقة جداً مقتحماً تاريخ الفن السابع من أوسع أبوابه. 

لم يكن "الطفيلي" هو الوحيد إذ إن الأعمال الكورية تلاقي رواجاً هائلاً في الأعوام الأخيرة، حتى أن هوليوود أصبحت تلجأ لصنع نسخ أمريكية من أفلام ومسلسلات قوية حازت على شعبية كاسحة.

في الواقع وفي الآونة الأخيرة تزايد اهتمام هوليوود بالممثلين الكوريين وأصبح من المعتاد رؤية ممثل أو أكثر في أعمال هوليوودية مختلفة كاعتراف ضمني بشعبيتهم الكاسحة الأسطورية.

لكن ما الذي يميز الأعمال الكورية عن غيرها؟ ما الأسباب التي تجعلها بهذه الشعبية الكاسحة؟ كيف استطاع الكوريون نقل ثقافتهم وحضارتهم إلى أصقاع الأرض؟.. سنجيب اليوم في "أراجيك فن" عن هذه الأسئلة عن طريق استعراض ثلاثة أعمال كورية جنوبية أسطورية؛ هي الفيلم الأوسكاري Parasite ..

ومسلسل نتفلكس الأشهر Squid game ..

 وتحفة كوريا الجنوبية العصية عن النسيان OldBoy ..

لنوضح ومن خلال هذه الأعمال الأسباب التي تجعل "الدراما الكورية" رائعة بشكل لا يصدق، لكن ينبغي علينا التنويه إلى أن مقالنا اليوم سيحتوي حرقاً ضرورياً للأحداث؛ لذا فلو لم تكن شاهدت هذه الأعمال شاهدها واستمتع بها أولاً، والاَن فلنبدأ معًا عزيزي القارئ..!

لعل هذا أبرز أسباب شعبية الأعمال الكورية التجديد، لقد أصبحت هوليوود مملة كل قصص الأعمال تتشابه من النادر جداً أن تجد عملاً فذاً يقدم فكرة مختلفة لم ترها عشرين مرة من قبل، لكن وفي كوريا القصص دوماً أصلية متجددة لم تخطر على بال أحد من قبل.

كانت قصة Parasite هي التجديد بحد ذاته لقد قدم الفيلم الرائع قصة عن عائلة فقيرة تقتحم منزل عائلة غنية لتعيش ولو للحظات معدودة حياة الأثرياء المرفهة.

يستعرض الفيلم الوجه المظلم لكوريا الجنوبية الثرية التي تعج بالشركات الضخمة وناطحات السحاب ليقول لنا إن تحت هذا الثراء كله هناك أناس تحولوا إلى حطام بشري بسبب الفقر والحرمان، لا يمكن لأي شخص شاهد الطفيلي أن ينسى المشهد البسيط الذكي عندما يقود الأب السيارة بالزوجة الثرية التي تتغنى بأمطار الأمس الرقيقة التي أسعدتها هذه الأمطار نفسها حولت منزل العائلة الفقيرة إلى كارثة بيئية قاسية.

لقد امتلأ الفيلم بلحظات توضح ذلك الفرق الشاسع بين طبقتين تسكنان البلد ذاته وقدم أحداثه بمزيج ذكي من الدراما والكوميديا السوداء التي جعلت له بصمة خاصة خففت من قسوته، أحداث فسرت الاسم المميز للفيلم الطفيلي الكائن الذي يتطفل على كائنات أخرى ليعيش.

لقد تطفلت العائلة الفقيرة على عالم العائلة الثرية واخترقوا عالمهم النظيف المرفه الخالي من هموم ثقيلة مثل تأمين الطعام والتقاط شبكة إنترنت من الحمام، كان الطفيلي فيلماً أسطورياً بقصة متفردة على بساطتها لكنها لم تخطر على بال أي أحد من قبل لذا كانت مشاهدته متعة لا تضاهيها متعة.

ولو كانت قصة الطفيلي متفردة فإن قصة Squid game كانت خيالية يحكي المسلسل الأشهر على منصة نتفليكس قصة غريبة أليمة عن جي هون الفاشل كأب وكابن وكزوج إنه شخص محبط مفلس مدين بالملايين، فجأة يلتقي غريباً في محطة قطار خالية يتحداه في لعبة من ألعاب الأطفال يخسر فيها جي هون بالطبع.

لاحقاً يختطف جي هون ويجد نفسه مع مجموعة أخرى من المفلسين المحبطين في مكان غريب وينبغي عليهم الفوز بمجموعة من ألعاب الأطفال لينال الفائز مبلغاً مالياً خيالياً سيحل كل أزمات جي هون الحياتية وبالطبع ولأن الأمور ليست بهذه البساطة لا يكتفي أصحاب اللعبة باستبعاد الخاسر فقط بل يقتلونه فوراً ليتعين على جميع المشاركين في اللعبة القتال لأجل حياتهم.

نرشح لك: كل ما تود معرفته عن الموسم الثاني للمسلسل المنتظر Squid Game: The Challenge!
يركز العمل على رعب وإثارة من نوع مختلف وينجح في تحويل ألعاب الأطفال البريئة إلى معارك مميتة، رغم أن العمل ركز على ألعاب الأطفال في كوريا إلا أن شهرة العمل تخطت البلاد الصغيرة وأصبحت لعبة الحبار حديثاً على كل لسان، لقد نجح العمل في تقديم قصة متفردة غريبة مختلفة وأحسن استخدام أدواته لتقديم أحداث متلاحقة أسطورية مشوقة جعلت منه أكثر من مجرد مسلسل آخر.

إنما هو حكاية مرعبة عن المدى الذي قد تبلغه وحشية الإنسان الذي يتحول عند الشدّة إلى نمر مفترس قادر على تمزيق أي كان وهو ما رأيناه من خلال أحداث المسلسل الذي وضح بالتدريج التغير النفسي والروحي الذي طرأ على اللاعبين الواقعين تحت ضغط أولئك الحراس الملثمين الجاهزين لإعدام الخاسر دون أي تردد وهو ما سنتكلم عنه أكثر لاحقاً في المقال.

يستحيل حقاً أن تكون شاهدت شيئاً مماثلاً من قبل ولا شك أن هذه القصة الفريدة من نوعها كانت أبرز أسباب شعبية العمل الأسطورية.

أمًا Old Boy فقصته كانت جنوناً مطلقاً بلا ريب يحكي الفيلم الرائع قصة رجل الأعمال أوه داي سو الذي يعتقل بتهمة السكر في الأماكن العامة لذا يفوت عيد ميلاد ابنته الرابع، فجأة يتم اختطافه من قبِل مجهولين ليجد نفسه حبيس غرفة فندق مغلقة لا يخاطب أي إنسان كان والرابط الوحيد الذي يمتلكه مع العالم الخارجي هو التلفاز الذي يعلمه أنه المتهم الرئيسي في جريمة قتل زوجته بعدما لفق له خاطفوه التهمة وأن ابنته الوحيدة قد اختفت تماماً.

يتم إطلاق سراح داي سو فجأة بعد خمسة عشر عاماً من العزلة المطلقة ليبدأ مساعيه في الانتقام ومعرفة خاطفيه والمسؤولين عن تشتت عائلته وأثناء رحلته يلتقي مي دو الشيف الشهيرة التي تشكل رابطة مميزة معه، لا يمكن اعتبار فيلم Old Boy مجرد فيلم انتقام آخر أو فيلم قتال وإثارة إنه خليط جنوني من الماضي والحاضر وألعاب العقل والذاكرة حبكة غريبة متقطعة تجعل أنفاس المشاهد تتلاحق من فرط التشويق.

رغم أن أمريكا استنسخت الفيلم الشهير وقدمت نسخة هوليوودية منه عام 2013 إلا أنها لم تستطع الارتقاء لمستوى النسخة الكورية المذهلة التي تم تجديدها وإعادة عرضها في صالات السينما لمنح أولئك الذين لم يستطيعوا عيش التجربة في وقتها فرصة أخرى للغوص في قصة جنونية عن الانتقام والثأر. 

إن مأساة هوليوود الحالية هي القصص الفارغة المكررة أمًا كوريا فكتابها يمتلكون خيالياً واسعاً لا يهمد يسمح لهم بتقديم حبكات أسطورية يستحيل أن تكون شاهدتها قبلاً حتى الأعمال الرومانسية كان لها بصمتها الخاصة الفريدة كفيلم A Moment to remember الذي جعل من مرض صعب شنيع كالزهايمر أساساً لقصة حب أسطورية أو فيلم Past lives الذي خلب ألباب العالم كله بقصته الرائعة الدافئة التي تجعلك تذرف الدموع دون مواربة، الكوريون بارعون في الكتابة بلا أي شك.

إن كتابة نص مسلسل أو فيلم ما لا تقتصر على كتابة القصة نفسها؛ إذ لا بد من وجود حبكات مميزة والتواءات عنيفة في الأحداث تجعل المشاهد متناغماً متحمساً ليعرف ما الذي سيحدث الآن في الواقع.

تتوضح براعة الكاتب في قدرته على توليد التواءات في الحبكة أو ما يعرف بالـ Plot Twist وهي منحنيات صاعقة تولد إثارة غير المسبوقة ضمن الأحداث وهو ما يبرع فيه الكوريون بحق. 

نرشح لك: Past lives.. كيف يظهر الحب والخطيئة في السينما الكورية؟
لم يفتقد فيلم الطفيلي لأي نوع من الحبكات الصادمة فالفيلم نفسه يلتوي على ذاته ليقدم قصة متفردة تبدو في ظاهرها مكررة مملة لعل أول الانعطافات المثيرة كانت عمل كي وو عند عائلة بارك الثرية بدلاً من صديقه.

كان هذا العرض فاتحة خير على عائلة كيم الفقيرة التي يتفتق ذهن ابنتهم كي جونغ عن خطة ذكية لاقتحام حياة عائلة بارك عن طريق نيل وظائف متنوعة في عالمهم والادعاء أنهم يجهلون بعضهم البعض، تبدو الأمور حتى هذه اللحظة منطقية لكن الحياة أقسى بكثير مما توقعته عائلة كيم التي تكشف جو النفاق والكذب الذي يغلف عائلة بارك.

كانت أعظم الحبكات على الإطلاق اكتشاف وجود مهندس المنزل ومالكه السابق مختفياً في ملجأ تحت البيت هرباً من الديون منذ أعوام لنكتشف أنه الشبح الذي يقطن المنزل، يعج الفيلم بحبكات ملتوية مذهلة تجعلك تشعر أنك في سباق تتابع صدمات متلاحقة يرميها الفيلم العبقري في وجهك حتى النهاية الأسطورية، كان Parasite فيلماً مجنوناً قاسياً يرغمك على الضحك بحبكات مذهلة جعلته أفضل أفلام عام 2019 بلا شك. 

لكن الطفيلي لم يكن شيئاً أمام OldBoy الذي كانت قصته مجنونة حقاً إن التواءات حبكة الفتى العجوز لا تنتهي إطلاقاً بداية من خطف داي سو الذي يعزل تماماً عن العالم الخارجي لـ 15 عاماً كاملة بلا أي تفسير ليقدم الفيلم تفسيراً رائعاً لما حدث حيث يكتشف داي سو أن آسره هو رجل الأعمال الثري لي وو جين الذي نكتشف لاحقاً أنه كان مع داي سو في نفس المدرسة.

وأنه شهد وو جين يرتكب سفاح القربى مع أخته لي سو آه وأخبر داي سو صديقه الذي نشر الخبر في كل مكان مما دفع سو آه للانتحار هرباً من الفضيحة، حبكة ملتوية عنيفة من الانتقام والثأر لو كنت تعتقد أن هذه الحبكة مجنونة فانتظر نهاية الفيلم التي ستجعلك متيقناً من أن كاتب الفيلم شخص مخبول قطعاً لقد كان OldBoy أكثر بكثير من قصة انتقام عادية إنه رحلة قاسية مريعة في أعمق أعماق النفس البشرية التي يحيلها الحقد والكراهية إلى مستنقع قذر توقع أي شيء منه. 

أمًا لعبة الحبار فإن أبرز الالتواءات ظهرت عند بداية الألعاب سيشعرك المنظر بالألفة والأمان هؤلاء مجموعة من المجانين الذين يحبون ألعاب الأطفال لا أكثر، لكن الذهول يصبح سيد الموقف عندما يموت أكثر من نصف اللاعبين بطلقات الرصاص.

لا يتوقف الذهول هنا إذ أن اللاعبين يعودون بكامل إرادتهم ليكمل ليكملوا الألعاب بعدما ظننا أنهم قد نجوا في حبكة وضحت حقيقة المقامر كل شيء أو لا شيء، لا تتوقف الصدمات أبداً إذ أن كل حلقة حملت صدمة صاعقة مذهلة والتواءاً مثيراً خاصة تلك التي كشفت تاريخ اللعبة الشنيع الذي يمتد لثلاثين عاماً.

وأن شقيق المحقق جون هو كان أحد الفائزين في اللعبة، صدمات متتالية والتواءات مثيرة تكشف أقذر ما في النفوس البشرية، كلها جعلت من لعبة الحبار عملاً مثيراً مذهلاً حطم الأرقام القياسية ونجح في تصدر أرقام مشاهدات منصة نتفليكس الشهيرة.

إن تقديم حبكات ملتوية غير المطروقة ليس بالأمر السهل إنه الفخ الذي تقع فيه أغلب أعمال هوليوود التي تجد صعوبة حقيقية في ابتكارها؛ لذا أصبحت تلجأ لاقتباس الأعمال الكورية؛ طمعاً في تلك الحبكات الذكية التي تعجب كل المشاهدين مهما اختلفت أذواقهم.

تميزت الأعمال الكورية بفلسفة ميزتها عن أي أعمال فنية أخرى؛ فلسفة تبتعد تماماً عن الخيال وتستمد قوتها من واقع المجتمع الكوري لتتشعب وتشمل الواقع الإنساني بأكمله.

إن الأعمال الكورية لا تكتفي بحكاية قصة مثيرة قوية أو تقديم حبكات ملتوية مذهلة إنما تحمل في طياتها رسائل وإسقاطات مجتمعية تضيف لرونقها رونقاً إنسانياً لا يضاهى، فلو أخذنا الفيلم الأسطوري OldBoy مثالاً على هذا سنجد أن الفيلم ركز أغلب مشاهده لتوضيح فلسفة الانتقام.

ذلك الانتقام الذي يعمي البصيرة ويدفع الشخص للقيام بأعمال جنونية تؤذيه قبل أن تؤذي الآخرين، لقد أفنى وو جين عمره للانتقام من داي سو بطريقة مريضة شنيعة لا تخرج إلا من عقل أحرقه الحقد، قد تبدو لك هذه الثيمة مطروقة مملة.

لكن التجديد فيها كان توضيح أن الانتقام دائرة زمنية وأن لكل فعل ردة فعل لقد كانت بداية الدائرة ثرثرة داي سو عن علاقة وو جين المحرمة بأخته ليدمر حياتها ويدفعها دفعًا للانتحار، فهل كان داي سو مذنباً وهل استحق هذا الانتقام القاسي؟

من الطيب ومن الشرير هنا لا نعرف والفيلم لا يكترث لتوضيح هذه النقطة إنما يتعمق في أعماق الإنسانية ويوضح فلسفة الانتقام التي لا تنتهي بطريقة متجددة مميزة جعلته عملاً لا يضاهى، في حين كان Parasite هو الواقعية بحد ذاتها حيث يتبنى فلسفة الطبقية.

نرشح لك: فنانون في مرمى الانتقادات.. مطرقة الأخطاء أم الضغط الإعلامي؟

تلك الفلسفة التي كرّس لها ماركس حياته وحلم بعالم خالي منها لكن هيهات، يركز الفيلم تصوره للعالم الخفي لكوريا الجنوبية الجميلة العالم الذي يعيش فيه بعض البشر حياة أقرب لحياة القطط الضالة يكادون لا يجدون ما يأكلونه أحياناً فيما الأثرياء هناك قابعون في بيوتهم الفخمة المريحة مديرين ظهورهم لأولئك التعساء الذين لا فائدة منهم سوى الخدمة.

كان الطفيلي قاسياً شرساً في إسقاط فلسفته المجتمعية لقد استطاع اقتحام العالم المحرم وكسر السد بين الأثرياء والفقراء ليحكي القصة من وجهة نظر الفقير الذي يرى الثري كائناً لزجاً رخواً والأسوء أنه مقتنع بأفضليته.

إنه فيلم شرير قاس لا تقتصر فلسفته على الطبقية إنما يدور حول الأوهام فعائلة كيم تتوهم أن الذكاء كاف لهم للخروج من فقرهم وعائلة بارك تتوهم أن المال يكفي لستر عيوبهم وقذارتهم ليأتي الفيلم ويزيح هذه الأوهام السخيفة مقدماً فلسفته الخاصة التي جعلت من جائزة الأوسكار حقاً مستحقاً له.

لكن أفضل ما في الفيلم كان أن قصته يمكن إسقاطها على أي مجتمع على سطح الأرض فجميعنا نعاني من الطبقية نعاني من أولئك الذين ينظرون للآخرين من تحت أنوفهم لكن أحداً لم يجسد حقيقتها وفلسفتها كما فعل الطفيلي قطعاً.

لم يكن Squid game أقل قسوة بأي حال إذ أنه بنى فلسفته على أساس أقدم المشاعر البشرية الطمع، إنها الخطيئة التي دمرت حضارات بأكملها وأودت بمئات الآلاف من البشر يركز المسلسل على قسوة الإنسان على أخيه الإنسان وذلك الطمع الذي قد يدفعك لفعل أي شيء وكل شيء لأجل نفسك يتوضح الطمع منذ بداية العمل لقد كان بإمكان المشتركين النجاة والهروب؛ إذًا لماذا عادوا؟

إنها فلسفة الطمع بأبهى صورتها تلك التي تحكم روح المقامر الفلسفة التي أبدع الروسي العظيم فيودور ديستويفسكي في تصويرها في روايته الشهيرة المقامر، لا يكتفي العمل بالتركيز على هذه الفلسفة بل يستمر في التعمق داخل مستنقع النفس البشرية لنرى القسوة والكراهية والأنانية تتوضح بشكل مؤلم قاس ضمن العمل.

كانت الألعاب وحشية قاسية لكن ظهور السادة المهمين كان أشد قسوة يقال إن البشر هم أكثر مخلوقات الأرض قسوة فلسفة يتبناها العمل عندما نرى هؤلاء المقنعين الذين يرتدون خوذات على هيئة حيوانات مفترسة يدوسون على جثث البشر كأنما يعكسون حقيقتهم المثيرة للاشمئزاز.

إنهم يشعرون بالملل والفراغ لذا يتسلون برؤية الناس يموتون فكرة مخبولة عن التسلية بلا ريب لكن لا تنسى كان أهل روما يهللون فيما تلتهم الأسود المسيحيين الأوائل إن هذه الفلسفة ليست وليدة عقل مجنون إنها حقيقة شنيعة مؤسفة أبدع العمل في تصويرها وتسليط الضوء عليها.

نرشح لك: هل تخاطر “نتفليكس” بزيادة الإنفاق على المحتوى الكوري من المسلسلات والأفلام؟

لقد امتلكت أغلب الأعمال الكورية فلسفة عميقة أحاطت بأحداث رائعة مميزة أضفت إليها الكثير من العمق النفسي والفني، أحياناً ما تكون مستمدة من قلب المجتمع الكوري وغالباً ما تكون فلسفة تمس كل شخص حول العالم وهذا سبب آخر يجعلها رائدة حقيقية على مستوى العالم.

كنا قد قلنا كثيراً أن الشخصيات هي عماد القصة وروحها الحقيقية وبكل تأكيد لا تفتقر هوليوود لشخصيات رائعة حفرت اسمها في قلوب الملايين لكن بعض هذه الشخصيات إما كانت خيالية بشكل لا يطاق أو كانت فارغة سطحية مبهرة على عكس الأعمال الكورية التي كانت شخصياتها المقتبسة من الواقع أساساً لا يمكن الاستغناء عنه ضمن أعمالها.

إن شخصيات الأعمال الكورية عميقة تمتلك ماضياً يؤسس للحاضر وخلفية نفسية تبرر أفعالها، إنها شخصيات تراها حولك أينما كنت لا تمتلك أي شيء يميزها عنك وهذه الواقعية هي ما جعلتها محببة قريبة للقلب مهما بلغ شرّها ولعل شخصية سانغ وو هي أصدق مثال على الشخصيات التي تعجب بها رغم شرورها.

كان هناك كثير من الشخصيات الشريرة في لعبة الحبار سواء كان العقل المدبر للعبة أو أيل نام أو حتى المجرم القذر جانغ ديوك سو لكن سانغ وو لم يكن شريراً في البداية بل توضح الظلام داخله مع مرور الحلقات وتزايد الخطر، لقد كانت قصة سانغ وو حكاية مظلمة لرجل تحول إلى وحش يريد النجاة مهما كان الثمن دون الاكتراث بأي شخص آخر سوى نفسه لم يكن سانغ وو الشخصية الرئيسية ولم يكن حتى بطل اللعبة لكنه شخصية لا تنسى بكل تأكيد. 

أما الطفيلي فيمكن لنا وبدون أي مبالغة أن نقول إنه احتوى أروع مجموعة من الشخصيات المتنافرة المتباينة التي تركت أعمق أثر في عقل كل من شاهد التحفة الأوسكارية، كي تايك الأب العاطل عن العمل الذي يريد فقط وضع طعام لائق على مائدة بيته يتحول إلى وحش كاسر في لحظة مصيرية جعلته يفقد كل شيء لم يكن كي تايك شخصية خيالية بأي حال.

إنه أب يريد الأفضل لعائلته حتى لو كان هذا الأفضل قادماً بطريقة غير المشروعة أما ابنته الأريبة كي جونغ أو جيسيكا كما أطلقت على نفسها فقد كانت روح العمل وأمدته بحيوية دافئة متدفقة زادت من واقعيته لقد كان الطفيلي فيلماً واقعياً حقيقياً بشخصيات واقعية تراها في كل مكان في الشارع في المدرسة وحتى في بيتك ولعل هذا ما جعل منه فيلماً ناجحاً، حقيقة أنه يجسد واقعاً ملموساً في كل أرجاء العالم.

في حين امتلك OldBoy شخصيات غريبة لكنها ليست بخيالية فشخصية داي سو يمكن أن تراها في أي مكان وكل مكان الأب المستهتر الذي لا يدرك قيمة عائلته حتى يفقدها والثرثار الذي يروج الشائعات بلا حساب، كانت واقعية شخصية داي سو متناقضة مع أحداث الفيلم الجنونية الغريبة لكنها تناغمت مع شخصية وو جين الرجل الذي يحركه الانتقام المتوحش حتى يعميه، لربما لن تفعل ما فعله وو جين لكنك تندمج مع شخصيته وتحاول إيجاد أسباب منطقية تجعل تعاطفك معه مقبولاً هذه الأسباب يمكن اختصارها بكلمة واحدة واقعية.

كانت "الواقعية" أهم أسس نجاح الأعمال الكورية، لقد أغرمت هوليوود بالرجال الأشداء الذين يقفزون فوق القطارات ويقودون السيارات باحترافية حتى كادت أن تنسانا نحن البشر الطبيعيون الذين تحركنا أوهامنا وأحلامنا وأحياناً أحقادنا، أمًا كوريا فكان أبطالها بشراً مثلنا بشراً عاديين أحياناً؛ هم غارقون في الخطيئة وفي ذواتهم وأحياناً في ماضيهم لكنهم وبلا أي شك واقعيون للغاية.

لم يعد اقتباس الأعمال الكورية سراً خافياً لقد أدركت هوليوود ذلك السحر الخلاب الذي امتلكته كوريا وأرادت الاستفادة منه عن طريق صنع نسخ خاصة بها من أعمال حققت شعبية ونسب مشاهدات عالية.

إذ أنه وفي عام 2013 قدمت هوليوود نسختها الخاصة من OldBoy من بطولة إليزابيث أولسن وجوش برولين التي اقتبست تفرّد النسخة الكورية لكنها لم ترتق لمستواها حسب رأي كثير من المتابعين ومع ذلك كان الفيلم ممتعاً دون شك.

نرشح لك: ما الذي يجعل الفيلم كلاسيكيًا؟.. النقاد يجيبون لـ “أراجيك فن”

 أمًا الفيلم الأوسكاري Parasite فقد أكد المخرج الأمريكي أدم ماكاي رغبته في إخراج مسلسل قصير مشتق منه لكننا لم نر شيئاً حتى الآن، هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تحويل فيلم كوري ناجح من إخراج بونغ جون هو إذ سبق تحويل فيلم Snowpiercer إلى مسلسل تلفزيوني ناجح من بطولة جينيفر كونلي والذي حقق نسب مشاهدات مرتفعة لكن نتفليكس اتجهت لطريقة أخرى.

كي تستثمر نجاح لعبة الحبار فبدلاً من إنتاج نسخة أمريكية منه قامت بإنتاج مسلسل واقعي تحت اسم Squid Game The Challenge حيث يتبارى 456 لاعباً للفوز بمبلغ 4.56 مليون دولار أمريكي والتي تعتبر أكبر جائزة في تاريخ التلفاز حتى يومنا هذا حيث يتنافس المشتركون في ألعاب تماثل الألعاب في المسلسل تماماً لكن دون أن يقتل أي أحد منهم كما نأمل.

عرض المسلسل الواقعي منذ أيام قليلة على المنصة الشهيرة ورغم إحباط الكثيرين من حقيقة أنه ليس على أفضل وتيرة كالجزء الثاني المنتظر من العمل الشهير، إلا أنه حقق نسب مشاهدات جيدة وقبولاً نقدياً رأى أن المسلسل الواقعي كان امتداداً رائعاً للتحفة الكورية الرائعة وجعل من قسوته شيئاً ملموساً لقد حولت نتفليكس الخيال الجامح إلى حقيقة أشد جموحاً من الخيال نفسه.

يقول الأجداد إن العبرة في الخواتيم ولا شك أن خواتيم الأعمال الكورية كانت أفضل ما يمكن لأي أحد تخيله، لن نحرق نهايات الأعمال التي اتخذناها مثالاً في مقالنا هذا.

لكننا نؤكد لك عزيزي القارئ أنها كانت نهايات صاعقة قاسية مريرة ومع ذلك كانت مثالية للعمل لقد كانت نهاية الطفيلي ملائمة لقصته المثيرة عدالة سماوية وقعت لعائلة ظنت أن من حقها اقتحام عالم لا يمت لهم بصلة وأن العيش في الأوهام هو الحل الأفضل ليدفعوا أقسى ثمنًا ممكنًا.

أمًا لعبة الحبار فقد حملت نهايته الصادمة تساؤلات عديدة تبشر بموسم ثانِ تأخر بالفعل، لكن أحداً لا يستطيع إنكار الصدمة القوية التي سببها كشف العقل المدبر للعبة كانت تلك لحظة مفصلية جعلتنا كمشاهدين مذهولين بالقطع، أمًا التحفة الأسطورية OldBoy فكانت نهايته مربكة غريبة بقدر أحداثه نهاية مفتوحة من تلك النهايات التي تثير الغيظ لكن لا يمكن إنكار روعتها وجماليتها الفنية.

لقد حاولنا في مقالنا هذا استعراض أهم الأسباب التي جعلت من الأعمال الكورية رائدة على مستوى العالم مختلفة مميزة ولا شك أن هذا طرح في ذهنك سؤالاً مهماً هو؛ هل تفوقت "كوريا" على "هوليوود"؟ 

لا يوجد جواب شاف لهذا السؤال حقاً؛ إن هوليوود رائعة أسطورية عالمية لكنها تغرق ومنذ أعوام في التكرار الممل والقصص المطروقة والشخصيات الخارجة من عوالم خيالية، حتى أصبح من النادر رؤية فيلم مذهل متكامل بقالب مختلف عن أي شيء شاهدناه من قبل.

ومع ذلك تبقى هوليوود هي هوليوود مركز السينما والفن السابع أمًا كوريا فأعمالها ذكية متجددة واقعية متماسكة تمتلك كل ما قد يتمناه أي مشاهد إضافة إلى مواهب تمثيلية رائعة تجعل مشاهدة أي عمل متعة حقيقة.

في النهاية هوليوود رائعة لكن لو أردت التجديد والقصص المذهلة التي تنجح في سلب قلبك وعقلك فاتجه لتلك البلاد الصغيرة الجميلة واستمتع بأفلام ومسلسلات تضمن لك متعة مشاهدة تسحبك من واقعك تماماً وهذا أسمى ما يحمله الفن السابع لجمهوره.

نرشح لك: كيف تتابع أفلام عالم مارفل السينمائي من البداية وحتى الآن؟