عليـاء طلعـت
عليـاء طلعـت

د

الحياة الخفية لأيوريديس والكثير من الآخريات

تتشابه الحياة الخفية لأيوريديس مع الحياة الخفية للكثير من النساء
ليس فقط في عصرها بالأربعينيات من القرن الماضي ولكن حتى اليوم
النساء المطالبات كل يوم بالعيش داخل إطارات محددة، سواء الأبنة المثالية أو الزوجة المثالية أو الأم المثالية، ولكن يتقن من داخلن على الخروج من بين هذه الجدران الأربعة التي تسجن شخصياتهن الحقيقية
***
ذكرتني أيوريديس بنفسي كثيرًا في وقت سابق
عندما تملك أيوريديس الملل من حياتها الرتيبة اشترت كتب للطهي، وصنعت عشرات الوصفات المعقدة لعائلتها التي لا ترغب في كل بسيط معتاد، ثم أحضرت دفتر فارغ لتكتب به وصفاتها
يومًا ما اشتريت أيضًا أجزاء من موسوعة طهي أجنبية، أضعت ساعات في صناعة الدجاج بصوص الزنجبيل والليمون، وفطائر التفاح، وكوكيز الشكولاتة
حلوى وأكلات لم يطلبها أحد أفراد عائلتي، ولكن صنعها شغل فراغي وعقلي الذي تاق للمزيد من التحدي
ولكن سريعًا ما فرغت من هذه المهمة، شعرت أن تحديها لم يعد يكفيني
***
وهكذا فعلت أيوريديس التي بعدما انتهت من مهمة كتابة وصفاتها الخاصة بدأت مهمة جديدة تشغل بيها وقتها وذهنها
قررت تعلم الخياطة من الصفر، علمت نفسها بنفسها، سريعًا ما برعت، أصبحت تخيط لنفسها ولأطفالها، لم يكفها ذلك، بدأت تخيط لجارتها
يذكرني ذلك أيضًا بنفسي
عندما قررت تعلم الكروشية، اشتريت الأدوات، وفتحت مواقع الأنترنت
سهرت الليالي اتعلم الخطوات، والغرز، أصنع أشياء لي ولأبنتي القادمة، ولزوجي
كل ليلة عندما كنت أشعر أني أرغب في المزيد افتح المواقع الأجنبية وأقرر مشاريع كروشية جديدة أرغب في صناعتها، وأذهب في نهاية الأسبوع أشتري الخيوط مهما غلا ثمنها
ولكن كذلك سريعًا ما انتهى التحدي بالنسبة لي، ورجعت مرة أخرى لهوة الاكتئاب والملل، والخوف من غد لن يحدث به جديد
****
بعدما تركت أيوريدس الخياطة، وقعت بالفعل في هوة هذا الاكتئاب
لم تعد تلك الأم المتحمسة التي تشجع أطفالها على معرفة الجديد، وحتى استباق الكتب المدرسية بمعلومات كتب أخرى تقرأها لهن
لم تعد تطبخ لهم وجبات غريبة ومثيرة من كتب الطهي
جلست نصف إنسانة، نصف زوجة نصف أم، تقوم فقط بالمهام الأساسية
وقد اكتشفت أنها لا تحتاج إلى كل روحها لتكون الأبنة المثالية أو الزوجة المثالية أو الأم المثالية، فقررت قتل الجزء الباقي الذي كان يؤرقها ويطيل الأيام والليالي
قررت أن تترك القيادة للجزء الذي اسمته “الجزء من أيوريديس الذي لم يكن يريد لها أن تكون أيوريديس”
الجزء بداخلها الذي يخبرها أن هذا الباقي من روحها خطر على حياتها المثالية المفترضة
***
ربما كان هذا مصيري لو لم أجد لنفسي سبيلًا آخر لم يكن متاح لبطلة الرواية
أعاني في أوقات كثيرة من “الجزء من علياء الذي لا يريد لها أن تكون علياء”
ذلك الجزء الذي ألح علي منذ عشر أيام في فورة شراء كتب معرض الكتاب، ويخبرني لماذا تشترين كل هذه الكتب؟ لماذا تشاهدين كل هذه الأفلام؟ لما تدخلين نفسك في كل هذه المشاريع؟
أليس الأسهل أن تكوني مثل هؤلاء السيدات اللواتي يقضين وقتهن على مواقع التواصل الاجتماعي يبحثن عن أفضل مكان لتنظيف الأنتريه، أو المحل الأفضل لشراء الوافل الذي يحبه أطفالهن
أليس الأسهل بدلًا من التفكير في كل أمر وأي أمر للوصول إلى إجابات ترضي عقلك فقط، أن تسلمي عقلك وقراراتك إلى آخرين، زوج، أب، شيخ ما
التحدي وأرضاء نفسي ممتع، ولكن في ذات الوقت مؤلم يثيره مع الكثير من القلق والشك والشعور بالتقصير
مهما فعلت لن أرضي ذلك “الجزء من علياء الذي لا يرغب لها في أن تكون علياء” ولكن الجزء الآخر اليوم راضي وهو يشعر بأنه يمتلك الزمام