عليـاء طلعـت
عليـاء طلعـت

د

مكتبتي .. آلة زمن صنعتها بيدي

أقرأ قبل النوم الصفحات الباقية من كتاب “كيف تصنع فيلمًا؟” لفدريكو فيليني، أضعه بجواري على الوسادة، واستعد للاستغراق في النوم، ولكن قبل ذلك أجدني انتقلت ثلاثة أعوام للخلف، واقفة في أحد صالات معرض الكتاب في مكانه القديم بمدينة نصر، أمد يدي لأجذب هذا الكتاب من على مائدة العرض مع كتاب “أفلام حياتي” لفرنسوا تروفو، سعيدة للغاية بهذه الغنيمةالثمينة.

أخذه للمنزل، أتأمله، أصوره، ثم أضعه في المكتبة بجوار كتاب آخر لفليني، وهكذا ظل لمدة ثلاثة سنوات تقريبًا وربما أكثر حتى مررت بجوار المكتبة وشعرت أن هذه اللحظة المناسبة لقراءته.

****

عادة في معارض الكتاب أشتري عدد كبير من الكتب، والتي بالتأكيد لن أقرأها في الحال، لذلك تظل على الرف في انتظار دورها، ولكن عندما يأتي أجد أن كل مشاكل ضعف الذاكرة التي أتحاكى بها مع أصدقائي وصديقاتي تزول، والحواجز الزمنية تنجلي، وتصبح هذه الكتب كآلة زمن تسحبني للخلف للحظة الأولى التي رأيت فيها هذا الكتاب، متى أمسكته بيدي، كيف دفعت ثمنه، هل كان الأخير في هذا اليوم أم الأول.

يتكرر الأمر كثيرًا لأجد أن مكتبي ليست مجرد وعاء خشبي مكدس بالكتب التي لم أقرأ نصفها تقريبًا ولكن خزانة ذكريات، ها هو هناك الكتاب الذي اشتريته عندما ذهبت لمعرض الكتاب لأول مرة مع زوجي عام 2008، وهناك رواية ” لا تطفئ الشمس” اشتريتها مع صديقتي المقربة عام 2003 من أحد مكتبات مصر الجديدة، لم أمتلك يومها ثمن الرواية ذات الجزئين وأعارتني المال حتى الأسبوع التالي، رواية عملاقة تفتت تقريبًا من الداخل الآن وأصبحت قرائتها شبه مستحيلة، ولكن بغلاف مجلد بلاستيكي وضعته لنفسي في أحد مساءاتي عندما كنت فتاة عاشقة للكتب في الثامنة عشر من عمرها.

*** 

كل كتاب لم أقرأه بعد ورائه قصة، أم الذين قرأتهم فيمكن أن أحكي عنهم بلا توقف، هذا كتاب “الرجل ذو البذلة البيضاء الشرسكين” الذي قرأته طوال الليل وأنا غير قادرة على الرقود بسبب السعال وشهور حملي التي منعتني من تناول الأدوية، وهذه هي مذكرات “كلارك جيبل” التي قرأتها وأنا على فراش المستشفى قبل وبعد عملية انتزاع المرارة من أحشائي.

*** 

الأمر هنا لا يشبه استرجاع الذكريات كما أكتبها الآن، ولكن بالنسبة لي انتقل بالفعل إلى هذه اللحظة، أشعر بذات السعادة أو القلق أو المتعة كما لو أني سافرت عبر الزمن.

وأفكر الآن إنها بالفعل آلة زمن حقيقية، فتلك الشابة التي أشترت الكتاب منذ سنوات، ابتاعت هدية بالفعل لنسخة أكبر منها عمرًا  هي أنا الآن، وتلك التي قرات الكتاب لأول مرة وهي ضعيفة أو مريضة أو سعيدة، ترسل ذكرياتها وأفكارها إلى المستقبل فأحصل عليها كما لو أن السنون لم تمر.

يمكنك اعتبار مكتبتي جزء من كياني، أنها تشبه ملامح وجهي التي تتغير عبر السنين، ولكن في ذات الوقت تحمل ماضي وحاضري ومستقبلي معًا بلا أي تفرقة.