أميرة قاسيمي
أميرة قاسيمي

د

يجرح الدّهر ويأسو!

كلّ ما سأقوله مجرّد حديثِِ عابر، وتراكمات واحد وعشرين سنةً من الوجود؛

(1)

إن كان هناك شيء سأردّده مرارًا لنفسي في المستقبل، فهو: الحياةُ يومٌ لك ويومٌ عليك..

تمرّ بِنا الأيّام الحلوة؛ أيّام ازدهار القلب وامتلائه بقوائم الأحبّة التي لا تنتهي، الأيّام التي نُدمِن فيها الضّحك حتّى الثّمالة، الأيّام التي نققز فيها تارةً بين بِرك الماء تحت خيوط المطر ونرقص فيها تارةً تحت السّماء الزّرقاء، ونبتسم للشّمس سواء أشرقت أم غابت، وللأطفال الذين يمرّون بجانبنا في الشّوارع، نبتسم لكلّ شيء و للاشيء..لأنّنا سعداء..تلك الأيّام التي لا نطيق فيها صبرًا على الليل الطّويل لهفةً للغد، نغنّي سهوًا، نتحدّث كثيرًا كعصفور فرح، الأيّام التي يحلو فيها كلّ شيء..

ثمّ تمضي تلك الأيّام.

(2)

تأتي بعدها أيّامٌ أخرى؛ يسحقنا فيها الحزن.. فنصير بلا شكل، بلا معنى، بلا هدف.. وتتجلّى فيها الوحدة بين أيدينا كما لم تفعل من قبل، وتصير قلوبنا مظلمةً وباردةً كالكون، ويصير الحديث عبءً ثقيلاً كالأيّام، وتجفّ ألسنتنا، وتمتلء أعيننا بدمعٍ لا نريد أن يُرى، نخبّئه قدر المستطاع عن كلّ شيء فَيَكفينا من الهزيمة أنّنا نسقط في كلّ لحظة أمام أنفسنا في هوّة سحيقة بلا قاع..

وأيّام تمسخنا إلى أشباح تطوف الشّوارع..

وأيّام تخنقنا فتمتلأ الرّئتان دُخانًا مهترئًا بدل الهواء..

وَنَجُرُّ أنفسنا..” آه، متى سينتهي العالم”…

ثمّ تمضي تلك الأيّام كما مضت السنوات السّبع تباعًا في قصّة سيّدنا يوسف -عليه السلام-؛ مضت السنوات اللواتي أغثن النّاس، ومضت سنوات القحط، و مضى كلّ شيء..

(3)

وماذا يبقى في النّهاية؟

يبقى أن تفتح أبواب الذّاكرة ونوافذها لتستقبل لحظات الفرح بحفاوة كما يستقبل البيتٌ أشعّة الشّمس الدّافئة وتستقبل الدّنيا فصل الرّبيع، يبقى أن تُقفِل الذّاكرة على كلّ هذا الفرح وتحفظه عن ظهر قلب ليكون لك السّلوى والعزاء أثناء العُسرة.

يبقى أن تغالب نفسك على النّهوض من الفراش حين تنعدم أسباب النّهوض، وتفتر القوى، ويصير الزّمان بطيئًا مُنهِكا، و الأيّام عبئًا لا يُحتمل، والعالمُ شيئًا رهيبًا لا يُطاق والنّفق أسود حالكًا لا ينتهي.

يبقى أن تتذكّر ما قاله “ابن زيدون” في إحدى قصائده: “واغتنم صفو الليالي  إنّمـا العيش اختلاسُ”.