أراجيك
أراجيك

د

الضوء الأحمر

بدأ عام 2020 بطريقة غير مفهومة، فحينما كان العالم مشغولا بجائحة كورونا و ما آلت إليه من سلبيات، كنت من أسعد الناس، بحمد الله أملك محل لبيع الحلويات في ضواحي العاصمة وكانت شريكة حياتي هي رئيسة الطهاة.

و ذات صباح زفّت إلي الخبر السعيد الذي ينتظره أي أب ورب أسرة، أنها حامل بطفلنا الثاني، لم تكن فرحتي عاديّة بعد ما يقارب 7 سنوات من إنجابنا لطفلنا الأول، وكنا نرجو الله أن يكون الطفل بنتاً، وبالفعل وبعد مرور أشهر من الحمل زادني الله فرحة على فرحة بعد ما تبيّن ان جنس الجنين هو بنت، وقرر ابني أن نسمّيها سلمى.

مع انقضاء أول 3 أشهر من ذلك العام، أطبقت جائحة كورونا بفكّيها على مدن العالم، وبدأت قرارات الإغلاق تتوالى من هنا وهناك، و كانت فترة صعبة عليّ بما أن المحل كان مصدر الرزق الوحيد لدينا، ومع ذلك توكلنا على الله وتم الإغلاق. بما لا شكّ فيه أن الجلوس في المنزل ليس لغرض الاجازة، بل لأن البلد بحاله مغلق.

وَلّد لدي التفكير الزائد والخوف على مستقبل عائلتي خصوصًا مع قدوم الأميرة المنتظرة، وكانت كلمة وحيدة تتوارد بخاطري وهي (كيف)، كيف سنستمر بالعمل مع حمل زوجتي، يجب أن لا تتعرض لضغوط أو تعب حتى يمر الحمل على خير، وكيف أفكر بهذا وأنا لا أدري متى ستعود الحياة في البلد من جديد، لم تكن (كيف) هي الوحيدة، فقد جاء من بعدها (ماذا لو)، ماذا لو توالت عليّ الخسارة في المحل ولم أقدر على الاستمرار، ماذا لو أصبحت بلا عمل.

كل هذا كان هيّنا، حتى استفقنا بأحد الأيّام وكانت زوجتي تشكو من ألم ونزيف، كانت رحلة طويلة إلى أقرب مشفى بسبب الإغلاقات ونقاط الشرطة بالطريق، وصلنا ولكن متأخرين، فبعد الفحص تبين أن سلمى لن تبصر النور أبداً، وكان من اللازم إجراء عملية الإجهاض حفاظا على صحة زوجتي. 

كنت جالساً على الكرسي المعدني مواجهاً لضوء أحمر على باب غرفة العمليّات، إلا أنه لم يكن مجرّد ضوء، كانت تلك أوّل إشارة من الله أن حياتي السابقة توقفت اليوم، أنني كنت أوجه ذلك النوع من القدر الذي ظاهره شر وباطنه خير، وأن الغد هو مرحلة جديدة. كانت هناك لحظة سكينة وسلام داخلي بقبول ذلك القدر (بالحمدلله على كل حال)، ربّما خسرت طفلتي، لكن لم أخسر زوجتي، لم أخسر كلّ شيء. استفاقت زوجتي وكان أول سؤال سألتني إياه (هل رأيتها؟)، لا أدري ما حصل لي، لم أملك جواباً، لم أعرف بماذا وكيف أجيب، قبلتها على جبينها وقلت لها (معلش، لنذهب إلى البيت).

ومع مرور الوقت والقبول بقضاء الله وقدره، استمرت حياتنا بشكل طبيعي، وخفّ ضيق الإغلاقات، عدنا إلى العمل بكل سعادة وحماس متوكلين على الله ببداية جديدة، كانت أول أيام العمل في شهر رمضان المبارك، و كانت فرحة الناس عارمة بإعادة فتح البلد، إلّا أن تلك الفرحة لم تستمر، فقد تمّت إعادة الإغلاقات بأنماط مختلفة، ما بين نصف يوم خلال أيام الأسبوع، وكامل اليوم في نهاية الأسبوع، حينها وبعد دراسة ملفّات الجدوى والتشاور مع زوجتي، اتخذنا قرار إغلاق المحل لحصر الخسائر. كانت تلك من أكثر اللحظات التي يمكن أن أقول لكم فيها (أنا لا أعرف ماذا أفعل)، وعادت تساؤلات (كيف) و (ماذا لو) تعصف فيّ يميناً وشمالاً.

استفقت من نومي وذهبت إلى سيارتي في الرحلة الأخيرة إلى المحل، إلى الحلم الذي لن يستمر ليرى النور، حال العصفورة سلمى، وصلت إلى موقع المجمّع ونزلت من السيارة، تركت الصندوق مفتوحاً حتّى أفرغ المحل من بعض الحاجيّات وأسلم المفتاح لصاحب المجمّع.

خطوات كانت كأميال، والثواني كالساعات، وصلت إلى الباب وإذا بهاتفي يرن، ضغطت على زرّ الإجابة (معك هاني من قسم الموارد البشرية وأود أن أرتب معك موعداَ مستعجلاَ لمقابلة عمل، وبعد مراجعة بياناتنا تبين أنك قدمت على وظيفة من سنة، ولكن ومع جائحة كورونا تم توقيف التعيينات، هل مناسب لك اليوم؟)

بلا تردد قلت نعم! نظرت إلى السماء وقلت (الآن فهمت) وذهبت إلى المقابلة وتم تعييني خلال أسبوع، كانت الوظيفة هي مساعد خدمة عملاء، تخيّلوا أنني عملت بها بعد التخرج من الجامعة كوظيفة لمبتدئ في الحياة العملية، وها أنا أعمل بها مرة أخرى بعد 12 سنة، لم تكن مجرد وظيفة، بل كانت عودة الى خط البداية، وسباق حياة جديدة. 

عدت في أحد الأيام الى البيت لأجد زوجتي تذرف الدموع وتتجنّب الكلام معي، لم أشك في نفسي حينها لأنني أحبّها ولا مجال لنزوات أو خيانة، وبعد محاولات عدة لمعرفة السبب قالت لي وهي تجهش بالبكاء … (أنا حامل) , حضنتها بشدّة ….. الآن فهمت.

ثق بربّك… فإن قدره كلّه خير.

بقلم محمد وحيد