ما المقصود بالنهر الجليدي
تشكل الكتل الجليدية ما نسبته 70% من مصادر المياه العذبة للكرة الأرضية. تتعرض للتغيرات المستمرة بما فيها حركة وانتقال الجليد ضمن الأنهار الجليدية وما تقوم به من عمليات حتٍ وتعريةٍ للطبقات التي تحتها، وعمليات إضافة الجليد المستمرة بالهطولات الثلجية وذوبان الجليد بسبب ارتفاع درجة حرارة الأرض. إذن، ما المقصود بالنهر الجليدي وكيف يتشكّل؟ وما مصيره في عالم اليوم؟
تعريف النهر الجليدي
النهر الجليدي هو عبارةٌ عن تراكماتٍ هائلةٍ للثلوج على شكل بلوراتٍ وصفائح جليديةٍ وما تحويه من صخورٍ ورواسبٍ وأتربةٍ والمياه السائلة التي يمكن أن تتواجد فيها أو تحتها، عندما تتجمع على المنحدرات أو سفوح الجبال تُسمى بالأنهار الجليدية والتي تمتاز بحركتها الدائمة والمستمرة والبطيئة جدًا تحت تأثير ثقلها والجاذبية الأرضية وانحدار المجرى الذي تتشكّل فيه.
تتشكّل الأنهار الجليدية في المناطق التي تمتاز بمتوسطٍ سنويٍ لدرجة الحرارة قريبٍ من أو أقل من درجة التجمّد، تتساقط الثلوج بغزارةٍ في بعض المواسم وتتراكم فوق بعضها وتكون كمية الفقد الناتجة عن ذوبان الثلوج في المواسم الأقلّ من حيث انخفاض درجة الحرارة أقل من الكميات المتراكمة في المواسم الباردة.
لفهم آلية تشكل النهر الجليدي انطلاقًا من الثلوج تخيّل وجود كومةٍ من الثلج أمامك، امسك بقبضة يدك القليل من الثلج واضغطها، ستتقلص وتنضغط بيدك وتذوب الطبقة السطحية منها، وبمجرد أن تتركها من يدك ستعود لتتجمد تحت تأثير انخفاض درجة الحرارة ولكنها ستكون قد تحولت لبنيةٍ بلوريةٍ جليديةٍ وهو ما يحدث مع الهطولات الثلجية التي تتراكم فوق بعضها البعض كنتيجة لضغط الطبقات على بعضها وعمليات الذوبان والتجمد للطبقة السطحية.
كيف يتشكل النهر الجليدي
تتشكل الأنهار الجبلية عبر سلسلةٍ من العمليات التي تتطلب آلاف السنين كالتالي:
- المرحلة الأولى
تبدأ الأنهار الجليدية في التكون في المناطق التي تكون فيها كمية الثلوج المُضافة كل عامٍ أكبر من كمية الفقد في الثلج الناتج عن الذوبان. نتيجة ضغط الثلوج فوق بعضها تتحول بنية بلورات الثلج الصغيرة إلى كُرياتٍ مضغوطةٍ بلوريةٍ تُدفن هذه الكريات مع تراكم المزيد من الثلوج.
- تشكيل الأنهار المُعلّقة
عندما تصل سماكة طبقات الكريات الجليدية الى الحجم المناسب (حوالي 50 مترًا)، تذوب الكريات وتندمج مع بعضها في كتلةٍ جليديةٍ كبيرةٍ تبدأ هذه الكتلة وبضغط ثقلها بتذويب الطبقة السفلية من الجليد لتصبح زلقةً نوعًا ما وتبدأ بالتحرك نحو الأسفل بسرعةٍ بطيئةٍ جدًا. عادة عندما تكون بهذا الحجم الصغير لا تندفع على طول الجبل بل على قسمٍ منه فقط وتُسمى بالأنهار الجليدية المعلقة.
- تشكّل النهر الجليدي
تنقل التيارات الجليدية والانهيارات الثلجية والجليدية الصفائح الجليدية من الأنهار الجليدية المعلقة باتجاه مجارٍ وتجمعات أكبر من الصفائح الجليدية لتتراكم مع بعضها فيما يسمى بالنهر الجليدي الكبير بشكله النهائي الذي يسير تحت تأثير ثقله بسرعاتٍ مختلفةٍ، فسرعة حركة الجليد في المنتصف أكبر من سرعة الحركة على الأطراف ما يسبب التعرية الجليدية لمجرى النهر الجليدي.
أنواع الأنهار الجليدية
النهر الجليدي الجبلي
الأنهار الجليدية الجبلية هي التي تتشكّل في المناطق الجبلية، قد تنشا من صفائح جليديةٍ فوق قمةٍ جبليةٍ واحدةٍ أو من مجموعةٍ من الصفائح على مجموعةٍ من القمم المتجاورة أو على السلاسل الجبلية، وتوجد أكبر هذه الأنهار في المنطقة القطبية الشمالية في كندا وألاسكا وفي قمم جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية وجبال الهيملايا في آسيا.
أنهار الوديان
تنشأ عادةً من الجبال أو الأنهار الجبلية الجليدية، وتتدفق إلى الوديان المنخفضة، وعادةً ما تكون طويلةً جدًا وتمتدّ لمسافاتٍ بعيدةٍ تحت خط تساقط الثلوج وفي بعض المناطق الباردة قد تمتد لتصل الى البحر.
الأنهار الجليدية لمياه المدّ
وهي أنهار الوديان الجبلية في المناطق الباردة جدًا كما المناطق القطبية والتي تمتد لتصل إلى المسطحات المائية (البحار والمحيطات). قد تُشكّل نوعًا من الجبال الجليدية الصغيرة التي تنفصل عن اليابسة وتطفو في المحيطات لتُشكّل عوائقًا لحركة الملاحة البحرية، وقد تُشكّل أنهار مياه المد موطنًا لتكاثر العديد من الكائنات القطبية بما فيها الفقمة.
أنهار بيمونت الجليدية
تحدث أن تنحدر أنهار الوديان الجليدية في مساراتٍ شديدة الانحدار لتتسرّب منها إلى مناطق مسطحةٍ سهليةٍ، وتتجمع في فصوصٍ تشبه البُصيلات أو المصابيح الكهربائية وهو ما يُسمى بنهر بيمونت الجليدي . يوجد أكبر نهرٍ من هذا النوع في جنوبي شرق ألاسكا ويُسمى بنهر مالاسبينا الجليدي نسبةً للمستكشف الإسباني من البحرية الإسبانية اليساندرو مالاسبينا، يبلغ طوله 65 كم وعرضه 45 كم وتبلغ مساحته 3900 كيلومترًا مربعًا.
الأنهار المعلّقة
هي شكلٌ من الأنهار الجليدية الصغيرة التي تنشأ على جُدران إحدى الأودية ولا يتحرك كما في النهر الجليدي الكبير، تنتقل الصفائح الجليدية منه لتصب في نهرٍ جليديٍ آخر من خلال عمليات الانهيارات والشلالات الجليدية.
الأنهار الدائرية
تُسمى بهذا الاسم لأنها تحتلّ تجاويف صخريةٍ تقع في أعالي الجروف الصغيرة، وتميل للاتساع وليس للطول فتكون ضمن شكلٍ قريبٍ من الدائري.
أنهار الجليد الصخرية
تنشأ عن عمليات التعرية الجليدية؛ اذ تتكسّر الصخور وتتدفق ضمن مجاري الأنهار الجليدية وفي بعض أنواعها لا تحوي إلا على نسبةٍ قليلةٍ من الجليد والباقي هو صخورٌ من نواتج التعريّة الجليدية، تتحرك غالبًا بحركةٍ أبطأ من باقي أنواع الأنهار الجليدية.
النهر الجليدي المُعاد تشكيله
تتشكّل هذه الأنهار كنتيجةٍ لعددٍ من الانهيارات والشلالات التي تُصيب الأنهار المعلّقة المتجاورة لتصبّ في مجرىً واحدٍ يُسمى بالنهر الجليدي المُعاد تشكيله.
مستقبل الأنهار الجليدية
تتقلّص الأنهار الجبلية الموجودة في جبال الألب باستمرارٍ مع مرور الزمن كنتيجةٍ لارتفاع معدلات درجة الحرارة الناجم عن الاحتباس الحراري وزيادة مساحة ثقب طبقة الأوزون، ومن المتوقع أن يستمر هذا الانخفاض، قام عددٌ من علماء الرياضيات والمناخ بوضع برامج محاكاةٍ لمعرفة وتوقع مصير التغيرات على الأنهار الجليدية الحالية في العقود القادمة.
يقوم علماء الرياضيات بحساب مقدار حركة الجليد مع الزمن باستخدام معادلاتٍ رياضيةٍ معقدةٍ لا تُنجز إلا بالحواسيب الآلية، ويقوم علماء الأرصاد بحساب كميات الهطولات الثلجية والمطرية التي تتجلد (كمية الثلوج المضافة)، كما يحسبون كمية الفقد السنوي في الثلج الناتجة عن الذوبان السنوي، ومن خلال جمع هذه البيانات وُضعت مجموعةٌ من البرامج لمحاكاة مستقبل حركة وتطور ومصير الأنهار الجليدية الحالية في الكرة الارضية.