أسعار الذهب ستشهد ارتفاعات جديدة، فهل يجب الشراء الآن؟ 

الذهب هو سوق راسخ وناضج للأصول القابلة للاستثمار، على الرغم من أنه سلعة مهمة بسبب استخداماته الكثيرة في الإلكترونيات والمجوهرات إلا إنه غالبًا ما يعتبر ملاذًا آمنًا للاستثمار لأسباب عديدة.

حقيقة أن الذهب يعمل كأصل ملاذ آمن يعني أن السلعة هي وسيلة تحوط كبيرة ضد الأزمات المالية، وهو غالبًا ما يتحرك في اتجاه مضاد للارتباط مع الأسواق التقليدية، في الوقت نفسه، فهو أحد الأصول التي أظهرت نموًا ثابتًا وقويًا في القيمة لفترة طويلة.

الذهب ليس أصلًا معرضًا لتقلبات الأسعار الكبيرة أو التقلبات العالية، ولكن من المعروف أنه ينمو باستمرار تقريبًا مع استمرار نمو استخدامه ورغبات السوق، أيضًا حقيقة أن الذهب هو أصل نادر ولكن مع عرض غير مؤكد يعني أن الأسواق غالبًا ما تستحق المراقبة والتنبؤ بأسعاره خلال السنوات العشر القادمة، والتي يمكن أن تؤدي غالبًا إلى مكاسب إيجابية خلال هذه الفترة الطويلة من الزمن.

تاريخيًا، كان تداول الذهب موجودًا منذ آلاف السنين كمعدن مهم، ولكن لم يتم استخدامه للمال حتى حوالي 550 عام قبل الميلاد، لعب المعدن الأصفر دورًا مهمًا من خلال الإمبراطورية الرومانية حيث حكم الإمبراطور أوغسطس إلى 14 م وقد حدد سعر الذهب حينها بـ 45 قطعة نقدية للجنيه، في عام 1257 حددت بريطانيا العظمى سعر أوقية الذهب عند 0.89 جنيه إسترليني.

ولكن بعد ذلك، في القرن التاسع عشر طبعت معظم الدول عملات ورقية مدعومة بقيمها بالذهب، كان هذا معروفًا باسم معيار الذهب، ولكن في عام 1971 طلب الرئيس الأمريكي "ريتشارد نيكسون" من البنك الاحتياطي الفيدرالي التوقف عن تكريم قيمة الدولار في الذهب وإنهاء استخدامه الأساسي كقيمة للعملة وساعد في دفع الأصل ليكون مخزنًا للقيمة بشكل أكبر.

أدى هذا إلى بدء سعر الذهب في الارتفاع حيث كان سعر الأونصة 40 دولار عند فك ارتباطه بالدولار، ولكن في أقل من 10 سنوات ارتفع سعره إلى 249 دولار بحلول عام 1981.

اليوم سعر الذهب أدنى من أعلى مستوى له على الإطلاق ولكنه ثابت فوق مستوى الدعم النفسي 1900 دولار للأونصة وقد يكون جاهزًا لمرحلة أخرى من النمو، كان جزء من سبب طفرة النمو في السنوات القليلة الماضية هو القلق بشأن الركود الوشيك والحاجة إلى أصول ملاذ آمن، لكن الوباء الأخير حول العالم لعب دوره أيضًا وجعل الأسواق المالية مليئة بالخوف وعدم اليقين.

قبل الخوف من الركود، كان الذهب يتخلف قليلاً عن الركب وشعر بأنه غير محبوب وغير مطلوب في السنوات العشر الماضية، لكن هذا في الغالب لأنه لعب دورًا كبيرًا في عام 2008 عندما ضربت الأزمة المالية الأخيرة، ولكن مع تعافي الاقتصاد تراجعت الحاجة إلى أصول الملاذ الآمن وبدأ سعر الذهب في الانخفاض.

من الآن فصاعدًا، يجب أن يظل الذهب مخزنًا قويًا للقيمة، ومع ذلك، فقد فقد بعض حصته في السوق لصالح البيتكوين وغيرها من العملات المشفرة التي تقدم مزايا مماثلة.

نظرًا لأن الذهب سوق ناضجة وراسخة، فهناك عدد من العوامل التي تلعب دورًا عند تحديد سعره وكيفية تأثره، يعتبر الذهب أيضًا أصلًا فريدًا إلى حد ما مقارنة بأشياء مثل الأسهم والسندات، وهذا أيضًا يجعله يتحرك بطريقة مختلفة، وحقيقة أنه يعمل كتحوط يعني أن المرء يحتاج إلى البحث عن العوامل المؤثرة على الأصول الأخرى بشكل مختلف.

تتضمن قائمة العوامل التي يجب مراعاتها: معدلات الطلب والاستهلاك والتضخم وأسعار الفائدة والرياح الموسمية الجيدة والارتباط بفئات الأصول الأخرى والعوامل الجغرافية السياسية وضعف الدولار والطلب المستقبلي على الذهب.

1 .معدلات الطلب والاستهلاك

يرتبط طلب الاستهلاك باستخدامات الذهب كأصل، يستمر الطلب على الذهب في التغير، في الآونة الأخيرة تم تعزيزه حيث قام مصنعو الإلكترونيات باستخدام المعدن في منتجاتهم بهدف جودة التوصيل للحرارة والكهرباء.

بالطبع، يُستهلك الذهب أيضًا كمجوهرات، وهناك دوافع كبيرة للطلب حتى من الحكومات العالمية التي تبحث عن الذهب كمخزن للقيمة تحتفظ به في البنوك المركزية.

كما ذكرنا سابقًا، يعد الذهب أحد الأصول التي تساعد في الحماية من التقلبات، هناك طلب على الذهب من الأشخاص الذين يتطلعون إلى التحوط من تقلبات السوق وعدم اليقين، يعد الذهب أصلًا ماديًا لهذا يمكن الاحتفاظ به وتخزينه من قبل الأفراد، للتأكيد على جاذبية الذهب كأصل للأوقات الجيدة والسيئة فإن معظم المستثمرين سيشترون الذهب سواء كان الاقتصاد المحلي ينمو أو في حالة ركود.

2 .التضخم

يعمل الذهب والتضخم أيضًا معًا لأن التضخم هو إحدى الطرق التي يمكن أن تنخفض بها القيمة الشرائية للأموال، وعندما يحدث ذلك، يتجه الناس للاحتفاظ بأموالهم في شيء من شأنه أن ينمو في القيمة بدلاً من ذلك مثل الذهب.

لذلك، في الأوقات التي يظل فيها التضخم مرتفعًا على مدى فترة أطول، يكون الذهب هو أداة التحوط المناسبة ضد الظروف التضخمية، ويؤدي هذا إلى ارتفاع توقعات أسعار الذهب في فترة التضخم.

3 .أسعار الفائدة

بطريقة مماثلة، يلعب الذهب وأسعار الفائدة أيضًا دورهم في تحريك سعر الذهب حيث أن سعر الفائدة المنخفض والذي يحدث عادة في أوقات من عدم اليقين المالي وتريد الحكومات من الناس الإنفاق، يعني أن الادخار يصبح أصعب.

ومع ذلك، فإن الاحتفاظ بالذهب يعني أنه يتم إبعاد انخفاض أسعار الفائدة والحفاظ على قيمة التوفير من خلال المعدن الثمين، في الواقع، وفقًا لبعض خبراء الصناعة، في ظل الظروف العادية هناك علاقة سلبية بين الذهب وأسعار الفائدة.

4 .العوامل الجغرافية السياسية

نظرًا لأن الذهب يُنظر إليه أيضًا على أنه عامل تنويع فعال للغاية للمحفظة نظرًا لارتباطه المنخفض إلى السلبي مع جميع فئات الأصول الرئيسية، فإنه غالبًا ما يتم شرائه في أوقات عدم اليقين وهذا هو السبب في أن أحد العوامل التي يجب الانتباه إليها هو العلاقة بين الذهب و فئات الأصول الأخرى التي تشعر بالضغط في الظروف المالية الحالية.

بالطبع، يستخدم الذهب أيضًا كوسيلة للتحوط فى ظل عدم اليقين الجيوسياسى أيضًا حيث يوفر الأصل قيمة أكثر استقرارًا عندما تكون هناك أزمات تلوح في الأفق مثل الحرب، تضيف هذه التوترات الجيوسياسية أيضًا ضغوطًا علي الأسواق المالية ولكنها تساعد في تعزيز الطلب على الذهب وقيمته.

5 .تراجع الدولار الأمريكي

يرتبط الدولار بشكل عكسي بالذهب حيث يتم استبداله بالدولار في المقام الأول، فعندما يفقد الدولار قيمته (من خلال التضخم مثلاً) فإن سعر الذهب في الغالب سيرتفع.

يبدو أن توقعات أسعار الذهب اليوم لعام 2023 إيجابية إلى حد ما، حيث كانت بداية العام بالفعل صعودية بشكل غير عادي، في ظل استمرار المخاوف الجيوسياسية الشديدة والتي لا تزال عاملاً إيجابيًا. 

قرب نهاية عام 2022، كان الذهب يتراجع إلى ما دون مستوى 1650 دولار، ومع ذلك، انقلب الأمر حيث بدأ المزيد والمزيد من الناس في العودة نحو سوق الذهب ودفعوه نحو منطقة 2000 دولار للأونصة في الربع الأول من عام 2023، حيث كان هناك العديد من البنوك التي تسببت في موجات من القلق في الأسواق: التي تشمل بنك سيليكون فالي وبنك فيرست ريبابليك وبنك سيجنتشر في الولايات المتحدة وبنك كريدي سويس في الاتحاد الأوروبي، كما شهد سوق العملات المشفرة أيضًا الكشف عن عمليات الاحتيال، حيث أصبحت بورصة FTX المتوقفة الآن أكبر المحتالين، لهذا السبب حظي الذهب باهتمام أكبر بكثير مما كان عليه في عدة سنوات.

مع استمرار الدعوات إلى الركود العالمي، فإن معظم الصناديق الكبيرة والمستثمرين الأثرياء يُعرضون محافظهم الاستثمارية لمزيد من الذهب، لأنه يميل إلى الاحتفاظ بقيمته في الأوقات الاقتصادية الصعبة، ومما زاد من تفاقم المشكلة حقيقة أن البنك الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية الأخرى في جميع أنحاء العالم لا تزال تكافح التضخم عن طريق رفع أسعار الفائدة.

هذا جعل المخاوف بشأن التخلف عن السداد مشكلة حقيقية، وبالتالي فإن معظم المتداولين على الأقل يحمون بعض محافظهم من خلال الذهب وسوق السندات، في هذه المرحلة يبدو أن الذهب كما لو أنه يحاول فعل كل ما في وسعه للاختراق صعودًا والوصول إلى قمم جديدة جديدة، ولكن من المرجح أن يستمر في التقلبات عام 2023 بشكل غير عادي، وهو ما قد يدعم الذهب في بعض الأحيان.

ومن المفارقات إلى حد ما، أن الذهب كان جذابًا نظرًا لجميع عمليات طباعة النقود التي حدثت سابقًا خاصة أثناء فيروس كورونا في عام 2020، كان انخفاض قيمة الدولار أحد أكبر عوامل الجذب للمستثمرين، ولكن بعد أن تعزز الدولار الأمريكي الذي يرجع في الأساس إلى تشديد البنك المركزي، بدأ استخدام الذهب الآن لحماية الثروة مما يعني أن كلاً من الدولار الأمريكي والذهب آخذان في الارتفاع.

سوف يتسبب التضخم في الكثير من الضرر لمعظم العملات بما في ذلك الدولار الأمريكي في النهاية، ومع ذلك، فإن الذهب هو العملة الأصلية، ومن المنطقي أنه سيستمر في الأداء الجيد، كانت آخر مرة شهد فيها الاقتصاد العالمي هذا القدر من التضخم في السبعينيات والثمانينيات، وخلال هذا الإطار الزمني كان أداء الذهب جيدًا وبالتالي فهو يوفر جزءًا كبيرًا من الحماية للثروات.

بشكل عام، من المعتقد أن سوق الذهب سيستمر في جذب التدفقات الداخلة إليه، سيستمر شراء البنوك المركزية للذهب في حد ذاته للمساعدة في قوة التسعير، يتوقع معظم المحللين أن يصبح سعر الذهب خلال عام 2025 بما يزيد عن 3000 دولار للأونصة.

بالنظر إلى أن السوق قد وصل إلى سعر الأوقية 2000 دولار في 2023 وحده، فهذا يشير إلى أن هناك الكثير من الزخم، ولكن مستوي 2000 دولار سيكون حاجزًا نفسيًا رئيسيًا لذلك قد يكون من الصعب تجاوز هذا الحد، ومع ذلك، قد يحدث ضغط قصير بمجرد أن نتجاوز هذا المستوى، مما يفتح الباب أمام أسعار أعلى بكثير بحلول الوقت الذي نصل فيه إلى عام 2025.

نظرًا لأن الذهب سوق ناضجة وراسخة، وسوق مستقر إلى حد ما وبطيء الحركة، فهناك الكثير من التنبؤات التي يتم إجراؤها في المستقبل للمعدن الثمين، بالطبع، هناك عوامل يجب أخذها في الاعتبار بالنسبة لتوقعات أسعار الذهب على المدى الطويل والتي غالبًا ما تكون غير متوقعة، مثل إمدادات التعدين أو التوترات الجيوسياسية، ولكن هناك أيضًا الكثير من العوامل التي تساعد في دفع الذهب والتي أدت في الغالب إلى ارتفاع السعر ببطء على مر السنين مثل تضخم العملة والحاجة إلى أصول الملاذ الآمن.