تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

الجمشت الملعون .. ما هي قصته وهل هو ملعون حقًا؟

الجمشت الملعون .. هل هو موجود وهل هو ملعون حقًا؟
راوية بيشاني
راوية بيشاني

6 د

الجمشت هو نوع من أنواع الكوارتز، ويتميز بتشكيله اللوني المتنوع، إذ يمكن أن يكون لونه أحمرًا، أو أرجوانيًا، أو بنفسجيًا، أو حتى برتقاليًا، ويعود لونه المميز إلى وجود الحديد والألمنيوم في تكوينه، وتاريخيًا يعد الجمشت أحد أنواع الأحجار الكريمة التي اُستخدمت على مر العصور في مختلف الحضارات.

يُعد الاستخدام الأقدم للجمشت في المجوهرات والزينة في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، حيث اُستخدم في صنع المشغولات الفنية والتمائم الدينية، وفي العصور القديمة كان للجمشت قيمة رمزية وروحية، وكان يُعد حجرًا يحمل الحظ السعيد ويمنح الحماية، كما اُستعمل في صناعة المجوهرات الفاخرة والتحف، وكان يرتبط بالطبقات الاجتماعية الرفيعة.


في العصور الوسطى استمر استخدام الجمشت في الزينة والمجوهرات، وكان يحظى بشعبية خاصة في صنع خواتم الخطبة والزفاف، وتجدر الإشارة إلى أن بعض الثقافات كانت تعد الجمشت علامة على القوة والشجاعة، ومع مرور الزمن استمر الجمشت في الاحتفاظ بسحره وتألقه، واستمر استخدامه في مختلف الثقافات والحضارات كرمز للجمال والرفاهية.


لعنة الجمشت


يعود مصطلح "الجمشت الملعون" إلى ياقوت دلهي وتاريخه الغني بالأساطير، ويتمثل هذا الياقوت في الرواية الأفضل مبيعًا "كل الضوء الذي لا يمكننا رؤيته" لأنتوني دوير، حيث تنعكس فوضى الحرب العالمية الثانية في عيون بطلة الكتاب العمياء، ويمثلها حجر كريم متلألئ يُفترض أنه ملعون في قلب القصة، ويُزعم أنه ملون بلون بحر اللهب ويرتبط بتأثيرات سلبية، والجدير بالذكر هو أن "جوهرة بحر اللهب" المستوحاة في الرواية وسلسلة Netflix هي تخيلية بالكامل، ولكن المؤلف استوحى هذا الخيال من الجمشت الحقيقي، الذي يُعرف أيضًا بإسم ياقوت دلهي أو "الجمشت الملعون". 

إدوارد هيرون ألين -المالك السابق للياقوت- اعتبره ملعونًا وملطخًا بالدماء، وذلك في رسالة توريثه (إسناده إلى أحد)، وسواء كان هذا الاعتقاد مبنيًا على قصص وخرافات أم على أحداث واقعية، يظل موضوعًا مثيرًا للإهتمام في عالم الأحجار الكريمة والتاريخ الثقافي، ولا يزال الجمشت الملعون جنبًا إلى جنب مع رسالة هيرون ألين عام 1904 موجودًا داخل حدود متحف التاريخ الطبيعي.


وأكد المؤلف في رسالته أن الجمشت قد سُرق من معبد الإله إندرا في كانبور Kanpur (وهي مدينة في الهند) خلال تمرد في القرن 19، إذ انتفض الهنود ضد المستعمرين البريطانيين، ووفقًا لهيرون ألين، استولى ضابط سلاح الفرسان البنغالي يدعى "دبليو فيريس" على الجوهرة في وسط الفوضى ونقلها إلى إنجلترا، وفي وقت لاحق توالت المصائب على رأس فيريس وإمتدت إلى عائلته وشركائه، مما أدى إلى سلسلة من حالات الانتحار، وتدهور الصحة، وغيرها من الأحداث المأساوية.

في النهاية كما روى هيرون ألين، وَجدت الجوهرة الملعونة طريقها إلى يديه، جنبًا إلى جنب مع لعنتها التي لا راحة فيها، وعلى الرغم من جهوده لتخليص نفسه من الجوهرة، سواء من خلال محاولات إهدائها و إرسالها بعيدًا أو محاولة "تحييد" حقدها من خلال تضمينها في قطعة من المجوهرات جنبًا إلى جنب مع القطع الأثرية القديمة بما في ذلك "الجعران المصري" وخاتم يُزعم أنه مملوك لمُنجم إنجليزي مشهور، استمر الحجر في العودة إليه، وفي كل مرة عادت الجوهرة إلى الظهور، جلبت معها إحساسًا متزايدًا بالبؤس، وفي نوبة من الإحباط ألقاها ألين في قناة لندن، فقط ليجدها مرة أخرى في حوزته بعد أن خضعت القناة للتجريف.

معربًا عن قلقه على  ابنته المولودة حديثًا كتب هيرون ألين:"أشعر بتأثير خبيث ينبع منها، سأضعها بدقة في سبعة صناديق وأعهد بها إلى المصرفيين الذين أعمل معهم، مع تعليمات صريحة بأن تظل محاطة بالظلام حتى ثلاثة وثلاثين عامًا بعد وفاتي " وكانت نصيحته الوحيدة لأي مالك مستقبلي للجوهرة لا لبس فيها وهي : ألقها في البحر.


لغز المتحف


لم تلتزم ابنة هيرون ألين بالرغبات التي عبر هيرون عنها في الرسالة في عام 1944، بعد أقل من عام من وفاة والدها، أعطت الجوهرة والرسالة إلى متحف التاريخ الطبيعي في لندن، الذي يضم مكتبته العلمية الواسعة، وإن الرسالة الغامضة التي يُعتقد أنها جزء أساسي من هذه الحيلة المعقدة، هي بمثابة وسيلة لتسليط الضوء على "الياقوت الأرجواني"، وهي رواية من تأليف هيرون ألين تحت الاسم المستعار كريستوفر بلاير في عام 1921.

ويزعم أن القصة التي قدمها ببراعة على أنها "مخطوطة" أصلية، اُكتشفت من قبل علماء محترمين، ومن المثير للإهتمام أن الجوهرة الموجودة في الرواية تعكس الخلفية الدرامية المشابهة بشكل مخيف لرسالة هيرون ألين الواقعية، إذ تنسج سردًا للمصائب اللاحقة لأصحابها.

تبرز الطبيعة الماكرة لهذه الحيلة الأدبية عندما نفحص التوجيه الخاطئ داخل الوصية بعد رحيل هيرون ألين بتاريخ متعمد خاطئ، إذ ذكر أن تمرد كاونبور حصل في 1855 بدلًا من 1857، مما يعزز القصة بطبقة إضافية من التعقيد، كما يُشير متحف التاريخ الطبيعي في لندن إلى أن مناورة هيرون ألين كانت خطوة مدروسة لجذب الإنتباه إلى إبداعه الخيالي(روايته)، إذ تتداخل الحقيقة والخيال في سياق أدبي آسر.

تفضلت إيمي فريبورن -مسوقة المتحف- في تحليل نشأة حكاية "إدوارد هيرون ألين" الغريبة، إذ تُلمح إلى لقاء محتمل مع عقيد أو جنرال سابق في الجيش، وربما كان هذا اللقاء في شوارع لندن الصاخبة أو داخل النوادي الراقية، مُحملًا بالتجارب الحية لحياة الجيش في الهند، وهذا الإستنتاج يعزز قصة هيرون ألين، إذ وجد في هذا اللقاء المثير مادة خصبة لسرد قصته.

وفي تقديمٍ سريع وفي الوقت المناسب، يعيد الراوي هيرون ألين الحياة لتصبح حكايته أكثر واقعية، وصاغ قصته بعناية على مر السنوات، سعيًا لزيادة مصداقيتها، وقد قام بإدخال تميمة -قطعة أثرية- لتثبت جاذبية الحكاية، ولكن ربما لم يكن بإمكانه تحمل تكلفة أو لم يكن قادرًا على الحصول على حجر ياقوت، لذلك اكتفى بالجمشت كعنصر لروايته، واستمرار الخرافة المزعومة.

تستمر ملحمة "الجمشت الملعون"، المعروف سابقًا باسم "الياقوت الأرجواني"، كفصل آسر في معرض Vault المتلألئ بالمتحف، ويقع جنبًا إلى جنب مع نظرائه اللامعين وهي مجموعة تضم 296 ماسة ملونة نادرة، وتستمر سمعة الجمشت المشؤومة على مر السنين.

ذو صلة

وعلى الرغم من عدم عرضه للجمهور حاليًا، إلا أن غموضه شهد عودة مع كتاب Doerr الأكثر مبيعًا، مما أدى إلى ظهور حكايات سوء الحظ، إذ تتحدث هذه الحكايات عن أمين المعرض الذي يتصارع مع الطقس السيئ والأمراض المتكررة أثناء سعيه لنقل الحجر إلى مجتمع مكرس للحفاظ على ذاكرة هيرون ألين، ففي القرن التاسع عشر وما بعده، شهدت الردود الغربية على نهب المجوهرات من الأراضي المستعمرة في الشرق تفاعلًا واسعًا، ويُظهر البحث العلمي أن الأحجار الكريمة قد رمزت للمخاوف الثقافية المتسارعة جراء هذا النهب، ويُعد "الجمشت الملعون" الآن منفذًا لكسر تعقيدات الاستيلاء التاريخي والتعبير عن القيمة الثقافية بطريقة أبسط، إذ يكشف عن جوانب أخرى من التاريخ والتراث.

ختامًا، يمثل الجمشت الملعون جانبًا مثيرًا للاهتمام من فولكلور الأحجار الكريمة، وينسج حكايات عن سوء الحظ والطاقات المظلمة، ومع ذلك كما هو الحال مع أي أسطورة، فإنه لا يزال خاضعًا للتفسير والاعتقاد الشخصي، سواء اختار المرء  تصديق قصة الجمشت الملعون أو رفضها تمامًا، فلا يمكن إنكار جمال وجاذبية هذا الحجر الكريم، وفي النهاية الأمر متروك لكل فرد ليقرر ما إذا كان الجمشت الملعون يستند إلى الواقع أو مجرد نتاج للخيال.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة