الإجابة العلمية على سؤال: لماذا نَمّل عند مشاهدة فيديو تعليمي، ولا نمّل عند مشاهدة فيلم؟
4 د
إذا سبق لك التعامل مع طفل يعاني من اضطراب قلة الانتباه وفرط الحركة (ADHD)، فمن المحتمل أنك لاحظت كيف يختلف تفاعل الطفل مع الأنشطة المتنوعة. قد تجد صعوبة بالغة في إبقاء الطفل مركزًا وهادئًا أثناء تعليمه مفاهيم معقدة مثل الرياضيات، بينما قد يظهر هدوءًا ملحوظًا أثناء اللعب بالألعاب الإلكترونية أو مشاهدة فيلمٍ مثير.
إذا كان هذا هو سلوك طفلك، قد تميل إلى الاعتقاد بأن الطفل "لا يريد" التعلم أو "لا يحب" التركيز. ومع ذلك، هذا الافتراض خاطئ ولا يعكس الحقيقة؛ تُشير الدراسات إلى أن الطفل لا يملك السيطرة الكاملة على هذه الأمور.
في دراسة تعود الى العام 2017، تم الاستنتاج أنّ الفتور أو قلة الحافز تجاه الدراسة ليست الأسباب وراء هذه الفروقات في السلوك.
كما تبينّ للقائمين على هذه الدراسة، أن أعراض اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة مثل التململ والطرق بالأقدام والدوران حول الكرسي تظهر بشكل أساسي أثناء المهام الذهنية المجهدة كتعلم المفاهيم الجديدة والقيام بالواجبات المدرسية. بينما الأفلام وألعاب الفيديو لا تشكل ضغطًا ذهنيًا مماثلاً، مما يعني عدم ظهور هذه الحركات المفرطة.
إذًَا ما السبب وراء هذا الاختلاف؟ يقول الباحث "مارك رابورت" القائم على الدراسة، وهو مدير عيادة تعلم الأطفال بجامعة وسط فلوريدا:
"يحتاج الأطفال المصابون بفرط الحركة وتشتت الانتباه إلى التحرك بكثرة فقط عند استخدام وظائف دماغهم التنفيذية، حيث تساعد هذه الحركة في الحفاظ على يقظتهم."
إذًا الفرق الرئيسي بين تعلّم الرياضيات ومشاهدة فلم ما، هو الحاجة الى استخدام وظائف الدماغ التنفيذية في الأولى، وعدم الحاجة إلى ذلك في الثانية. حيث دراسات "مارك رابورت"، الذي قضى أكثر من 36 عامًا في بحث هذه الحالة، أن التململ يحدث بشكل أساسي عندما يكون الأطفال منخرطين في استخدام الوظائف التنفيذية للدماغ، خاصة الذاكرة العاملة. هذه الذاكرة هي التي تعمل على تخزين المعلومات بشكل مؤقت وتدبيرها لتنفيذ المهام المعقدة مثل التعلم والاستدلال والفهم.
هذا تماما عكس الاعتقاد السابق، حيث ظنّ العلماء أن أعراض فرط الحركة وتشتت الانتباه تظهر بشكل دائم وليس في حالات محددة.
ماذا نعني بوظائف الدماغ التنفيذية؟
هي مجموعة من المهارات، التي تعطينا القدرة على التخطيط للمستقبل، وتحقيق الاهداف بشكل مدروس، والتحكم بالنفس، والتمكن من اتباع توجيهات متعددة الخطوات وبشكل متقطع، وكذلك الحفاظ على التركيز، على الرغم من عوامل التشتيت.
يُعد التركيز، وإدارة الوقت، ووضع الأولويات، واستخدام الذاكرة والقدرة على التذكر، من أهم الوظائف التنفيذية للدماغ، وهذه الأمور بطبيعة الحال هي التي يحتاجها الطفل عن تعلّم الرياضيات بينما لا يحتاجها بالضرورة عند مشاهدة الأفلام.
كيف تمّت الدراسة
أجرى الباحث رابورت وطالبته في الدكتوراه، سارة أوربان، وفريق البحث دراسة شملت 62 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عامًا، حيث كان 32 منهم مصابين بفرط الحركة وتشتت الانتباه، بينما شكل 30 آخرون مجموعة ضابطة لم يكونوا يعانون من هذه الأعراض.
في جلسات متفرقة، شاهد الأطفال مقطعي فيديو، كل منهما بمدة عشر دقائق تقريبًا. الأول كان مشهدًا من فيلم "حرب النجوم". أما الثاني، فكان عبارة عن فيديو تعليمي يعرض مدرسًا يشرح شفهيًا وبصريًا كيفية حل المسائل الحسابية المعقدة التي تشمل الجمع والطرح والضرب.
خلال المشاهدة، خضع المشاركون لمراقبة دقيقة من قبل باحث، حيث تم توثيق تحركاتهم وتزويدهم بأجهزة قياس النشاط التي تتبع أصغر حركاتهم. لوحظ أن الأطفال المصابين بفرط الحركة وتشتت الانتباه بقوا هادئين بشكل كبير أثناء مشاهدة مقطع "حرب النجوم"، ولكن خلال الفيديو التعليمي، كانوا يتحركون في كراسيهم، ويغيرون أوضاعهم بشكل متكرر، ويطرقون بأقدامهم.
هل الملل هو السبب، أمّ الأمر أكثر تعقيدًا؟
تعود هذه الدراسة إلى عام 2017 كما أسلفنا سابقًا، ولكن قامت بعض الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، في موقعي X و Reddit بنشر مقطع فيديو يبين سلوك الاطفال اثناء التجربة.
أشارت غالبية تعليقات المتابعين إلى أنّ السبب الرئيسي للاختلاف لا يعود إلى الأسباب التي ذكرناها سابقًا، وإنما إلى الملل فقط. وأنّه بشكل طبيعي سينجذب الطفل إلى الفيلم، وسيتململ من تعلّم الرياضيات.
لكن هذا مجرد فهم سطحي للأمر بحسب رابورت، حيث وضح مسبقًا أنّ وصف الأمر بالملل هو محاولة لتفسير الأسباب بالنتائج أمّا ما بينته الدراسة فهو أكثر عُمقًا. في حالة فيلم الأكشن، لا يوجد تحليل ذهني مطلوب - أنت ببساطة تشاهده وتستخدم حواسك. لا حاجة لتخزين أي شيء في ذاكرتك وتحليله. أما بالنسبة للفيديو التعليمي، فيستخدم الأطفال ذاكرتهم العاملة، وفي هذه الحالة، تساعدهم الحركة على التركيز بشكل أفضل.
ربما أفضل خلاصة يمكن أن نحصل عليها من هذه الدراسة ، أنّه ينبغي على الآباء والمعلمين للأطفال المصابين بفرط الحركة وتشتت الانتباه الامتناع عن وصفهم بأنهم متكاسلون أو غير متحمسين، بل بجب أن ننظر إلى الأمر من وجهة نظر الطفل نفسه. يجب أن نبذُلَ جهدًا أكبرَ لأن هؤلاء الأطفال يستحقون ذلك.
أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية
بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.
اشتقت لمثل هذه المقالات