تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

الموسيقى العربية من العهد القديم وحتى نهاية القرن العشرين 🎻

الموسيقى العربية
شيماء جابر
شيماء جابر

7 د


«لم أشك للحظة في أن الموسيقى والتفكير متشابهان، بل يمكن القول أن الموسيقى هي طريقة آخرى للتفكير، وربما التفكير ما هو إلا نوع آخر من الموسيقى» – أورسولا لي جوين.

الموسيقى هي اللغة الوحيدة التي اتفق عليها العالم. نجدها تُكتب وتقرأ وتعزف بشكل واحد في كل زمان ومكان ومن أي عازف موسيقي مهما كانت بلده أو لغته، فكل شعوب العالم تعزف بطريقة واحدة.

وتمثل الموسيقى العربية جميع الشعوب التي تشكل العالم العربي اليوم. وللموسيقى العربية تاريخ طويل من التفاعل مع العديد من الأساليب الموسيقية الإقليمية والأنواع.

وفي البداية نود الإشارة إننا هُنا لسنا بصدد مناقشة حكم تحريم أو إباحة أو كراهية الموسيقى والغناء، بل سنلقي الضوء على تطور تاريخ الموسيقى العربية عبر العصور المختلفة:

الموسيقى العربية


العهد القديم وفترة ما قبل الإسلام

تناقلت العرب قصة «مزامير داود» من العهد القديم، والمزامير هي جمع الكلمة العبرية مزمور، والتي كانت تعني قديمًا صوت الأصابع التي تضرب على آلة موسيقية وترية، ثم أصبحت فيما بعد تعني صوت القيثارة، حتى استقرت أخيرا لتصف غناء النشيد على أنغام القيثارة.

وتشير قصة «مزامير داود» إلى مجموعة من التسابيح والترانيم التي كان ينشد بها نبي الله داود عليه السلام، بأن قرأ «مزامير الزبور» بصوت رائع الجمال، كل مزمور بمقام موسيقي على حدى ونغمة لحنية مميزة، حتى أن الله عز وجل شأنه أمر الجبال والطير أن تسبح خلف تسبيحه، فقال تعالي في سورة سبأ، الآية رقم 10:


«وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ».

وهو ما فسره بقوله تعالي في سورة الأنبياء الآية 79:


«وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ».

وفي ذلك قال «يزيد بن معاوية» في متن قصيدته «خذوا بدمي ذات الوشاح فإنني»:


لهـا حكـم لقمـان وصورة يوسـف … ونغمة داود وعفة مريم

ولي حزن يعقوب ووحشة يونس … وآلام أيوب وحسرة آدم

ومن المعروف أن الموسيقى العربية موجودة في فترة ما قبل الإسلام بين القرنين الخامس والسابع في شكلٍ شعر شفوي مصحوب بقرع الطبول والعازف يحترم الوزن الشعري ويتماشي معه ويؤكده. فقد كانت الأغاني بسيطة باستخدام مقامٍ واحد أو لحنٍ واحد فقط.

وفي صلاة المزراحي والسفارديم اليهوديتيين الشرق أوسطيتين، كانت الجماعة كل يوم سبت تقدم خدماتها باستخدام مقام مختلف. فتهدف الألحان المستخدمة في مقام معين إلى التعبير عن الحالة العاطفية للقارئ خلال القداس المحدد.


بعد ظهور الإسلام

وصل الإسلام في منتصف القرن السابع الميلادي مع نزول الوحي بالقرآن الكريم في شكل آياتٍ بليغة باللغة العربية، كانت تلاوة القرآن أيضًا من خلال الاعتماد على مقاماتٍ لحنية.

يروي الحديث النبوي أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، استمع يومًا للصحابي أبي موسى الأشعري، وهو يتلو القرآن بصوته الشجي المشهور الجمال، فقال عنه صلى الله عليه وسلم إنه: «أوتي مزمارًا من مزامير آل داود»، فأجاب الأشعري: «لو علمت أنك تسمع لحبّرته لك تحبيرًا»بمعنى تزيين الصوت أكثر وأكثر. (المصدر: صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 5048).

هذا ولم يخلُ عصر الصحابى في فترة الإسلام المبكرة من الموسيقى والغناء، غير أنهم كرهوا سماعها؛ نظرًا لأنها تذكرهم بما كانوا عليه من فسق وفساد بعصر الجاهلية في مجالس اللهو والشراب عند سماع الغناء من القينات -أي المغنيات- بصحبة كؤوس الخمر وارتكابهم للموبقات؛ مما جعلهم يكرهون الموسيقى والغناء كراهية شديدة.

غير أنه تجدد في عهد الخليفة الثالث «عثمان بن عفان» رضى الله عنه، فذاع صيت بعض الرقيق من العبيد والجواري أصحاب الصوت الجميل، أمثال: «طُويس، وجميلة، والغريض، وابن محرز، ونشيط الفارسي».


إسهامات العصر العباسي

ازدهرت الموسيقى في في العصر العباسي، بفضل جهود «إسحاق الموصلي» (767-850 ميلادية) والذي كان مُعاصرًا لحكم هارون الرشيد، وهو أشهر وأمهر المُغنّين والموسيقييّن في العصر العباسي، فهو أول من وضع الأطر الموسيقية للغناء، بأن ضبط الأوزان التي تُبنى عليها مقامات الموسيقى العربية، وميز بينها تمييزًا لم يسبقه إليه أحد.

وانتقلت علوم الموصلي إلى بلاد الأندلس والمغرب العربي عن طريق تلميذه «على بن نافع»، الشهير بـ «زرياب»، والذي قام بتطوير آلة العود، فأضاف لها وترًا خامسًا، واستخدم ريشة النسر للعزف على أوتاره.

وقد جمع الموصلي ومن بعد زرياب أعمالهم في سبع مقامات موسيقية، كل مقام يختلف عن الآخر بتحديد بدايته والمسافة بين درجات النغمات، وهي: «الصبا، والنهاوند، والعجم، والبياتي، والسيكاه، والحجاز، والرست».

فيما كان «أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي» (801-873 ميلادية) مناصرًا مبكرًا بارزًا للموسيقى العربية، وله مؤلفات كثيرة في الموسيقى، وترجم مبادئ الموسيقى اليونانية، ونشر في نهاية المطاف 15 مقالة عن نظرية الموسيقى. كما انضم إلى الآخرين مثل الفارابي في اقتراح إضافة سلسلة خامسة مؤقتة إلى العود، وحدد اثني عشر نغمة على النطاق الموسيقي العربي، بناءً على موقع الأصابع وسلاسل العود.

كتاب الأغاني

بينما كتب «أبو الفرج الأصفهاني» (897-967 ميلادية) كتابه الشهير الأغاني، وهو مجموعة موسوعية من القصائد والأغاني التي تصل إلى أكثر من 21 مجلدًا في الطبعات الحديثة، جمع فيه إنتاج أكثر مشاهير الجاهلية والإسلام في الغناء والموسيقى.

ونشر الفيزيائي «أبو نصر محمد الفارابي» (872-950 ميلادية)، والذي يُعد المعلم الثاني وشارح مؤلفات أرسطو، والملقب بفيلسوف الإسلام، وهو أكبر فلاسفة العرب دراية بشتى العلوم والفنون،كتابًا بارزًا عن الموسيقى بعنوان «الموسيقى الكبير»، يوثق فيه نظام نغمات عربية خالصة من المقامات، لا يزال يستخدم في الموسيقى العربية حتى اليوم.

وقد خصص «ابن خلدون» الفصل الثاني والثلاثين من مقدمته الشهيرة لصناعة الموسيقى والغناء، مشيرًا إلى تلك النهضة الموسيقية العظمى التي شهدتها الدولة العباسية.


من زمن الأندلس إلى الدولة العثمانية

بحلول القرن الحادي عشر، كانت الأندلس مركز تصنيع الآلات الموسيقية، التي وجدت طريقها في النهاية إلى أوروبا.

وفي وقتٍ لاحقٍ من القرن الثالث عشر، وتحديدًا عام 1252 ميلادية، طور «صافي الدين العرماوي» (1216 – 1294 ميلادية) شكلاً فريدًا من الرموز الموسيقية، على هيئة تدوينًا موسيقيًا للإيقاع باستخدام الرموز الهندسية.

فقد كانت الإيقاعات ممثلة بتمثيل هندسي، والتي لم تظهر في العالم الغربي حتى أواخر القرن العشرين في عام 1987 ميلادية، عندما نشر «Kjell Gustafson» طريقة لتمثيل الإيقاع كرسم بياني ثنائي الأبعاد.

ومع بداية ظهور الدولة العثمانية الشاسعة من القرن الثالث عشر حتى أوائل القرن العشرين، تأثرت الموسيقى العثمانية بالموسيقى البيزنطية والأرمنية والعربية والفارسية.

من المحتمل أن يكون هذا الالتقاء بسبب اتساع الدولة العثمانية وطرق التجارة داخلها، وبالتالي عند النظر إلى حدود الدول العربية كما نعرفها اليوم، نجد أن الموسيقى العربية والتركية والأرمنية والبيزنطية لها مقامات اللحن ونظام Dumbek للإيقاع.

قضى «Bartol Gyurgieuvits» ما يقرب من 13 عامًا كعبد في الدولة العثمانية. وبعد هروبه، نشر كتابًا بعنوان Turvarum ritu et caermoniis في أمستردام عام 1544؛ ليُعد فيما بعد أحد أوائل الكتب الأوروبية التي تصف الموسيقى في المجتمع الإسلامي.


الموسيقى العربية في القرن العشرين وحتى الآن (مصر)

سيد درويش شيخ الملحنين - الموسيقى العربية

سيد درويش شيخ الملحنين.

في آواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، كانت حركات التحرير تجري على قدمٍ وساق في الأراضي العربية، وكانت مصر شعلة الثقافة والتنوير ومركزًا للإبداع الموسيقي في المنطقة، بعدما تحررت من الاحتلال، وأصبحت مستقلة بعد 2000 عام من الحكم الأجنبي، ليتم إحلال الأغاني الإنجليزية أو الفرنسية أو التركية بالموسيقى المصرية الوطنية.

وهنا ظهر الشيخ «سلامة حجازي» (1852-1917) وبرز دوره كونه رائد المسرح الغنائي، فقدم المسرح الغنائي مثل «مجنون ليلى، وشهداء الغرام، والأندلس»، كما سبق عصره بأن مزج بين الموسيقى الشرقية والغربية في الألحان الفنائية.

ومن بعد جاء دور الشيخ «أبو العلا محمد» (1927-1884) كواحدٍ من أهم الملحنين في الربع الأول من القرن العشرين؛ كونه أول من قدم القصيدة المغنّاة الموقّعة عبر مقام موسيقي محكم لا مجال فيه للارتجال، وتعتبر مؤلفاته نموذج مثالي للقصيدة العربية في الغناء الكلاسيكي العربي، فقد حافظ على القالب التقليدي للقصيدة أي نموذج الشعر العمودي.

ثم تلاه دور «سيد درويش» (1892-1923) كمجدد ومطور للموسيقى العربية، وباعث النهضة الموسيقية في مصر والوطن العربي، فرغم رحيله عن الحياة الفنية في سن مبكرة، فقد كان له آثر عميق في تطور الموسيقى العربية.

حيث ألف عشرة أدوار للتخت، وهي عبارة عن سيمفونيات عربية، و40 موشحًا على النمط القديم ولكن بروح جديدة، ونحو 100 طقطوقة، ووضع ألحان حوالى 30 أوبريتًا غنائيًا، والفصل الأول من أول أوبرا شرع في تلحينها بعنوان «كيلوباترا ومارك أنطونيو»، وقام بوضع مقام موسيقي جديد أسماه «زنجران».

ومن بعده جاء دور موسيقار الأجيال «محمد عبدالوهاب»، ففي البداية قام باستكمال تلحين أوبرا «كيلوباترا ومارك أنطونيو» بعد رحيل سيد درويش، وقام بكسر القوالب التقليدية للتلحين الموسيقي.

وهكذا، تطورت الموسيقى العربية بعدما اقترنت بالغناء. ومؤخرًا، نشر المغني «علاء وردي» مقطع فيديو طريف من غنائه، أدّى به 42 أغنية في 6 دقائق فقط مثلّت كيف تطورت الموسيقى العربية في ما يقارب القرن منذ عام 1900 وحتى عام 2015.

ذو صلة

في النهاية، لقد مرّت الموسيقى العربية بمراحل عدة، وتأثرت بالبيئة المحيطة بها وبعوامل التاريخ والجغرافيا وبإسهامات علماء العرب، وتمتد متد جذورها الأصيلة إلى آلاف السنين التي سبقت الميلاد.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة