أثر الأخذ والعطاء في الحياة المهنية
يناقش الكتاب الرائع آدم جرانت في كتابه الأخذ والعطاء
ينقسِم العالم المهني عادةً إلى ثلاث فئات من حيثُ العاملين.
فمثلاً الفئة الأولى فيه تٌفضِّل العطاء أكثر من أن تتلقى أي شيء في المقابل، ويُسمّون “المانحين”، بينما الفئة الثانية تُفضّل الأخذ أكثر من العطاء، ويُسمّون “الآخذين”، في حين أنّ الفئة الثالثة هي التي تقدم وتعطي بشكلٍ مجاني، ولكن في المقابل هم يقومون بذلك سعياً منهم للحصول على شيء يوازي قيمة ما قدموه.
وفي طرفٍ موازٍ آخر يمكننا أن نرى بأن هذه الفئات الثلاث يمكنها أن تنجح وبمستوىً عالٍ، ولكن في حين قمنا بالتدقيق أكثر في هذه الفئات نرى بأنَّ فئة “المانحين” تتميز عن غيرها من الفئات بأنها تعتمد فِكرِة أنّ النّجاح أو الربح للجميع، وليسَ حِكراً على أحد.
وبالتالي سنرى أنّ الناجحين ستزداد أعدادهم، وسيُساهمون في نجاح من حولهم أيضاً.
إضافةً إلى أنّ ذلك سيعُزّز ويُعلي من شأن البيئة الصّحّيّة التي حولنا، ويجعلها من حيث العلاقات أكثر صلابةً، خاصةً العلاقات المهنية التي تتصف بواحدة من أنواع التبادل: العطاء، الأخذ، والمطابقة.
وإذا أردنا معرفة ماهيّة هذا الأمر عند الثقافة الغربية، فنرى بأنه يُنظر للعطاء المتبادل على أنه نقطة ضعف لا قوة، بالرُّغم من أن الأشخاص الذين يتعاونون فيما بينهم تتولد عندهم قُدرة أكبر على تحقيق مستويات عالية من النجاح في مسيرتهم المهنية.
وعلينا مُلاحظة أنّه من خلال التعاون بينَ الأفراد سيكون لدينا أشخاص ناجحين بشكلٍ أكبر، وبالتالي سَيَعُم هذا النجاح للجميع وليسَ لشخص أو اثنين فقط.
هذا وقد أُجرِيَت دراسة بحثية في عام 2013 تُشير إلى أنه من غيرِ المتعارَف عليه أن يقوم الإنسان بفعل العطاء فقط من أجل مُتعة العطاء، إنما لمآربٍ أُخرى قد تكون في نفسِه.
وعن مفهوم أو عملية العطاء أيضاً تقول الكاتبة والباحثة “إليزابيث سفوبودا” بأنّ الإنسان لا يزال حينما يقوم بتقديم هديةٍ ما دون أن يتوقع مقابلاً لها، يشعُر بأحد هذه الثلاثة أمور:
هل هو يقوم بفعل هذا الأمر حتى يشعر بالرضا داخل نفسه؟
أم كي يظهر بمظهر لبِق أمام أقرانه؟
أم من أجل رفع مكانته الاجتماعية؟
ويبقى هذا الشعور مجهول بالنسبةِ إليه.
وعن مميزات فئة “المانحين” يمكننا أن نرى بأنهم يُعطون بكُل طلاقَة داخل شبكاتهم، ويخلقون سُمعة إيجابية لأنفسهم، على أساس العطاء والتواصل، وعندها يعود شركاؤهم إليهم لمزيد من الأعمال ويحيلونهم إلى جهات اتصال وفرص محتملة أخرى، فيقدم المانحون الناجحون الوقت والجهد لأنفسهم وكذلك للآخرين.
ولكن يجب على “المانحين” أن يحددوا ويحافظوا على مقدار الوقت والقيمة التي يقدمونها للآخرين، في البيئة المهنية.
وبالمقارنةِ ما بين “المانحين” وفئة “المتلقين”، نجد بأنّ “المتلقين” لا يأخذون قيمة أو فائدة من علاقاتهم المهنية، وبمرور الوقت يكتسبون سمعة سلبية داخل شبكاتهم، ويتَضَرّرون بعدم قدرتهم على تكوين علاقات جديدة في المستقبل داخل تلك الشبكات.
إضافة إلى أنهم يقدمون الأشياء للآخرين على نفقتهم الخاصة، مما سيؤدي غالباً إلى الإرهاق وانخفاض الإنتاجية، وهذا الانخفاض في الإنتاجية يعني أنه سيكون من الصعب تحقيق الأهداف.
لذا نجد أن “المانحون الناجحون” يتمتعون بعلاقات مهنية تدوم لفترة أطول، وتحصد فوائد طويلة الأمد، على عكس علاقات “المتلقين”.
وعلى صعيد المشاعر، نجد أنه في دراسة أُخرى أجريَت عام 2011 وجد علماء النفس الذين يدرسون الصِّفات الخيِّرة في النفس البشريِّة، أنه يمكن نقل العواطف والمشاعر الإيجابية أو السلبية من شخص لآخر بسرعة البرق داخل شبكات الأصدقاء والعائلة.
فقاموا بعمَل تجربة بأنهم وضعوا الطلاب الجدد في الكلية مع زملائهم في الغرفة الذين كانوا يعانون من الحزن والاكتئاب، وفي غضون أسابيع، بدأ رفقاء السكن الجدد يعانون من نفس الأعراض.
لذا يمكننا أن نرى أيضاً أنه من الممكن تحقيق عكس ذلك في العالم المهني، حيث أن وجود أشخاص يشعرون بالتفاؤل، الفرح، نفوسهم هادئة، طيبة، ولديهم طاقة إيجابية عالية، سينتقل ذلك لكل من سَيُرافقهم وسيتأثّرون بهم.
وذلك يُصوِّر لنا بأنّ الإنسان يمكنه تغيير شخصيّته، أو صفاته النّفسيّة، وأن يسعى للأفضل دوماً، وعليه فقط أن يتخذ قرار، أو يضع هذا الهدف في ذهنه، ويأخذ خطوات صادقة نحوه.
وتذكر دائماً، كونك شخصاً طيباً، صادقاً، وإيجابياً، لا يعني بأنك غير ناجح!
بل يمكنك أن تكون كل ذلك وأكثر وأن تستمر في عملية النجاح دائماً وأبداً.