د. فادي عمروش
د. فادي عمروش

د

بناء الثقة المهنية

من الأمور المهمَّة التي يغفل عنها كثيرون بناء الثقة المهنية ضمن شبكاتهم المهنية، إذ يُسارع الكثير إلى بناء الكثير من العلاقات الاجتماعية، ويتعرفون على عددٍ هائلٍ من الأشخاص ويُصنفونهم بشكل خاطئ تحت فئة الزملاء أو الأصدقاء، ويتوقعون -ببراءة- أنَّ ذلك كافٍ لفتح الفُرص المهنية لهم.

أعتقد أنَّنا نبالغ بتضخيم أثر التشبيك أو التعارف في حياتنا المهنية، ونعتقد أنَّ تلك العلاقات هي رصيدٌ هائلٌ، وحقيقة الأمر أنَّ 99% من تلك العلاقات هي مضيعة للوقت ، علينا أن تنتبه إلى أنَّ أي علاقة مهنية لا يمكن أن تتطوَّر دون بناء ثقة مهنية بينك وبين الشخص الآخر، سواء كنت تعرفه سابقاً أو تعرفت عليه حديثاً. تأتي الثقة المهنية بينكما بعد تجريب بعضكما البعض بعمل مشترك يثبت أنكم على كفاءة، أو تُثبت أنت على الأقل أنَّك على كفاءة مهنية، وأنّه يمكنك أن تقوم بالعمل بشكل ناجح، ويٌعتمد عليه.

عندما يقوم أحدهم بتوصيتك لعمل ما، أو تعريفك إلى أحدٍ مهم، لا يكفي أن يستظرف أحدكما الآخر، أو أن تتَّفقا في الهوايات أو الاتجاهات السياسية أو الميول الرياضية. ما يهم حقاً هو أن يستطيع الوثوق بأنّك لن تخيِّب ظنَّه، وستكون توصيته ناجحةً، ومحلَّ امتنانٍ وتقديرٍ من الجهة التي أوصى لها، ولكي يكون واثقاً بذلك، يجب أن يكون ببساطة وصراحة، قد اختبرك مهنياً سابقاً، واختبر عملك، وقمتما معاً ببناء ثقة مهنية متبادلة ليستطيع أن يوصي بك بقوة كي ينال كلمة شكراً بعد ذلك على تلك التوصية.

من الفرص الكثيرة التي تأتيني مجاناً، هي تلك الفرص من الدوائر البعيدة المعتمدة على الثقة المهنية الصرفة، وهي لا تأتي من الأصدقاء أو الأقرباء، ويمكنك تفهُّم ذلك بعد هذه المقدمة، لأنَّ الاصدقاء والأقرباء ويفتخرون بك، ويبادلوك المحبة ولكنهم غير مستعدين بالطبع بالتضحية بسمعتهم المهنية بالتوصية بك لأنَّهم لم يعملوا معك سابقاً ببساطة، وهم ليسوا على استعداد لتلك المغامرة فقط لأن لديهم مشاعر محبة اتجاهك وحسبك. سيكتفون بالإعجابات عبر فيسبوك. سيكون الأمر بسيطاً، وعمليَّاً أكثر مع الغرباء والدوائر البعيدة التي تبدأ معك من الصفر من دون معرفة تاريخك ومن دون حساسية المقارنة معك والانزعاج إن كنت ناجحاً أكثر منهم، فهنا على العكس تماماً يُهمُّهم أن تكون ناجحاً لأن في ذلك نجاح لهم، ونجاحك في العمل يعني أنك تؤدِّي المهام بشكل رائع، ولكن كل ما ينقص هنا هو أن تثبت ذلك مهنياً من خلال بناء الثقة المهنية في تعاملٍ ما مثل عمل مشترك، تجربة مشتركة، ولو كانت مجاناً، وبعد ذلك سيقدِّموك للآخرين كي ينالوا الإطراء على تقديمهم، فأنت هنا تربح وتقوم بتقديم ربح معنوي لهم.

وهنا يأتي السؤال التقليدي، كيف يمكنني أن أبني ثقةً مهنيةً مع الدوائر البعيدة أو مع الغرباء، أو مع الزملاء الجدد أو حتى الزبائن المحتملين الجدد، وأنا لم أوقع معهم بعد عقدي الأول ولم أكتب لهم فاتورة بعمل؟

للأسف لا يوجد حل سحري سوى بالقيام بأعمال مشتركة صغيرة، تعاونات صغيرة، أو تقديم خدمات مجانية تُظهر لهم خبراتك بشكل حقيقي وتتعرف أنت أيضاً إن كانوا جديرين بالثقة، فدعنا نتذكر أن الثقة المهنية تكون باتِّجاهين وليست باتِّجاه واحد، ويمكن الإسراع بإختبار مادي لإنه سيُظهر الكثير مباشرة من الدفع المباشر أو تأخيرات الدفع وما إلى ذلك، وتحتاج أيضاً إلى اختبار الطرف الآخر وهل يمكن الاعتماد عليه أم لا.

يمكنك أيضاً أن تقوم بخدمات تطوُّعية فهي تفتح باب الاختبارات المجانية وبناء الثقة المهنية مجاناً (على حساب وقتك) ولكنها تفتح لك الباب واسعاً من خلال رد الجميل لك بفتح فرص جديدة، أو يمكنك تقديم عينات مجانية من عملك، واستشاراتك، منتجاتك لكي يعرف الطرف الآخر جودة ما تقوم به، وتُثبت ذاتك في حال كان لديه فرصة ما.

سأكون صريحاً معك وأخبرك أنَّ ذلك المسار طويل جداً، فأنا أذكر أنني التقيتُ بأشخاص رائعين مثلاً عام 2015 و قمنا بتجربة مشتركة عام 2016 و عملنا معاً في نهاية المطاف 2019، فلا تتوقع تجارب أسرع من ذلك، لأنَّه عليك الانتظار أن تُتاح فرصة للطرف المقابل بأن يجد توصية لك أصلاً، وهذا يعتمد على عمله وتطوره الوظيفي عبر الزمن.

لا تيأس، تخيَّل معي أنَّك تبني الكثير من العلاقات المهنية وعبر الوقت يُصبح كل شخص سفيراً لعملك، فبعد سنوات خمس، أو ربَّما عشر ستبدأ الفرص بالظهور بشكل واسع لأنَّك أصبحت ذا ثقة مهنية لديهم، وأصبحت مصدر رفع للدوبامين لهم من خلال التوصية بك، لأنَّ عملك يرفع الرأس، ومع الوقت ستزيد فرصة التوصية بك أكثر ويصبح ذلك مصدراً دائماً.

لكن ولا بدَّ من لكن هنا، وبكل صراحة هنالك معيار مهم لا يمكن تجاوزه، ألا وهو أن يكون عملك يستحق تلك التوصية حقاً، الجودة ثم الجودة ثم الجودة والقيمة المضافة.