كيف تتخلص من الإفراط في العمل

لقد تحوّل العمل والسعي لزيادة الإنتاجية إلى ضرورة أخلاقية هذه الأيام في مختلف دول العالم وخاصة المتقدمة منها، وأضحى عدد الساعات الذي يقضيه الشخص في العمل معياراً لتقدمه المهني، كما أصبح التفاخر بين الناس يدور في أمسياتهم عن الإرهاق والإفراط في العمل، ومما زاد الطين بلّة تبنّي العديد من المجتمعات لفكرة أنّ ما يقضيه الإنسان في ممارسة الهوايات أو الأنشطة الترفيهية أو حتى العائلية هو مضيعة للوقت.
تستكشف الكاتبة والإعلامية القديرة سيليست هيدلي في كتابها “لا تفعل أيّ شيء” كيفية التخلص من الإفراط في العمل والارهاق، واستعادة الحيوية التي افتقدناها في عالم اليوم المحموم وأسباب وصولنا لذلك المستوى من الإفراط وكيفية معالجة أسبابه وطرق مواجهته.
عبر التاريخ كان للعمل مواعيدَ محددة، وكان لفترات العمل أهدافاً محددةً وواضحةً، على سبيل المثال، كان المزارعون يحرثون الحقول ويزرعونها تحضيراً للحصاد، وبعد الانتهاء من العمل، يمارسون الفن ويعزفون الموسيقى ويلعبون الألعاب مع بعضهم. كان لدى الإغريق القدماء مثلاً مهرجانات لمدة ستة أشهر يمكن للعمال خلالها أن يستريحوا من العمل، وكانت عدد ساعات العمل في اليوم محدودة أيضًا بالموارد والتقنيات المتاحة، فالأثرياء فقط هم من يستطيعون شراء الشموع، ولذلك تنتهي معظم أيام الناس عند غروب الشمس ويركنون للراحة.
مع قدوم العصر الرقمي، أضحى من الصعب فصل العمل عن المنزل، فمع تواجد التكنولوجيا والإنترنت السريع والهاتف الذكي معنا طوال الوقت، أدّت مثلاً رسائل البريد الالكتروني، وغيرها من أشكال التواصل الرقمية إلى طمس الخط الفاصل بين العمل والحياة الشخصية. لقد خلقت الشركات توقعاً بأن يقوم الموظفون بواجبات العمل والإجابة على الاستفسارات المعلقة حتى خلال عطلات نهاية الأسبوع والعطلات، كما يعتقد الكثير من الأشخاص – وأنا أولهم- أنّ ترك رسائل البريد الإلكتروني دون قراءة أو رد خلال يوم العطلة قد يضرّ بوظائفهم وسمعتهم المهنية. لقد أدّى ذلك التواجد الدائم للتقنيات في حياتنا إلى عدم القدرة على الفصل بين العمل والحياة المنزلية وبالنتيجة إلى صعوبة الفصل بين المشتتات والعادات السيئة من جهة وبين العمل الحقيقي من جهة أخرى، والمحصلة هي زيادة إجهادنا بسبب عدم التمييز بين المشتتات فعلاً وبين أعباء العمل.
ولكن لم أصبح الإفراط بالعمل ضرورة وميزة للتفاخر؟
قبل صعود وسائل التواصل الاجتماعية في القرن الحادي والعشرين، كانت معظم عائلات الطبقة العاملة تقيس نجاحها النسبي أو فقرها من خلال مقارنة أنفسها بجيرانها أو أقاربها، والمقارنة هي شكل من أشكال الدافع الفطري للإنسانية. لقد تغيّر الحال بشكل دراماتيكي مع قدوم وسائل التواصل الإجتماعية، واستغلت منصات وسائل التواصل الاجتماعية نفس الرغبة في المقارنة لدى الناس، من خلال تشجيع المستخدمين على مقارنة حياتهم وإنجازاتهم بحياة الأشخاص الذين يتابعونهم. يؤدي ذلك بأن يكوّن مستخدموا وسائل التواصل الاجتماعية انطباعات خاطئة عن مدى إثارة أوإنتاجية أوتنوع حياتهم مقارنة بالآخرين.
على سبيل المثال، تقارن المراهقة نفسها بمراهقة تبدوأكثر موهبة منها على الإنترنت، ولكنها لا ترى الصورة كاملة، هي ترى فقط لقطات مختارة بعناية من حياة المراهقة الأخرى، والأسوأ من ذلك، يمكن لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي متابعة المشاهير والمؤثرين المعروفين الذين لديهم موارد تجعل تجاربهم مستحيلة التنفيذ بالنسبة للشخص العادي، وقد تكون المنشورات من رواد الأعمال والفنانين الأثرياء مسليّة، ولكنها أيضًا تعزز الشعور لدى العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بأن حياتهم لا يمكن أن تكون مرضية حقًا. كل هذا يدفعنا إلى الافراط اكثر فأكثر في العمل للتفوق على عدد هائل من الأشخاص الذي لم يكن من المفترض أن نتسابق معهم أصلاً.
في الماضي كانت المقارنة مع بضع أشخاص أمّا الآن فهي مع العشرات أو حتى المئات..
ما الحل: تتوجه الكاتب بالنصحية السحرية بأن نخصص وقتاً للراحة كما نخصص وقتاً للعمل، وقتٌ للراحة لا نفعل فيه أيّ شيء بما تحمله الكلمة من معنىً وتناقش الكاتبية كيفية تحقيق ذلك ومحاربة الإرهاق والإفراط في العمل.
اكتب جدول مهامك بشكل واضح
لدى البشر عدد من الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك الحاجة إلى الطعام والتعليم والترفيه والموسيقى واللعب والتواصل الاجتماعي، ومع ذلك فإن العمل مجرد نشاط يمكن أن يوفر موارد مالية لتعزيز الوقت الشخصي، ويعد انشاء جدول يومي بالمهام المطلوبة منا الخطوة الاولى بداية كل يوم لمعرفة ما علينا فعله حقاً وعدم ترك الجدول مفتوحاً دون قيود.
أوقات الاستراحة تزيد الإنتاجية
نظرًا لأن ثقافة الأعمال السائدة في المجتمعات الرأسمالية تعتبر الوقت مكافئًا للمال، فقد يميل أصحاب العمل والموظفون على حد سواء إلى القول بأن ساعات العمل الطويلة في المكتب ستؤدي إلى أرباح أعلى، ومع ذلك فإن الحقيقة هي أن العمال الأكثر إنتاجية هم الذين لا يعملون فقط لأقصر عدد ساعات عمل، ولكنهم أيضًا ينتهزون فرصًا متكررة للابتعاد عن عملهم والتفكير في شيء غير ذي صلة تمامًا.
لقد وجدت الأبحاث أن العامل العادي يمكنه تكريس اهتمام عميق لمهمة محددة لمدة تصل إلى ساعة، ولذلك فإنّ أخذ استراحة من 10 إلى 15 دقيقة للعاملين بإراحة أذهانهم والعودة إلى العمل أكثر نشاطاً، وأثناء فترات الراحة هو ذو نفع كبير.
يجب أن يسعى الموظفون إلى عدم التفكير في وظائفهم أوالتحدث عنها، لكي تكون الاستراحة مفيدة لهم، يجب السماح للعقل بتنحية المسؤوليات الحالية جانبًا، وتناول القهوة مع صديق، أوقراءة فصل من كتاب مفضل، أوالمشي، ليقضي العامل يومًا مثمراً.
حارب ادمان الهواتف الذكية
لقد تم تصميم الهواتف الذكية وأجهزة الحواسيب الشخصية بحيث تسبب الإدمان، وصُممت لتكون أكثر تحفيزًا لعقل البشر، وأكثر من كونها مفيدة لإنتاجيتهم، فالتطبيقات والهواتف الذكية تلعب دور الغرائز والدوافع البشرية الأساسية، مثل الحاجة إلى الانتماء، والحاجة إلى المقارنة بالآخرين، والحاجة إلى التواصل مع الآخرين، حيث يتم منح المستخدمين فرصة للتفاعلات الجديدة وحتى الموافقة المحتملة من الاشخاص في كل مرة يقومون فيها بالتحديث. بكل بساطة عليك محاربة هذا الإدمان والتخلي عن الهاتف قدر الإمكان لكي لا تقع في هذا الفخ.
الخاتمة
في حين أن العمل الجاد هوبلا شك أحد عناصر النجاح المهني، فمن المهم أن يتذكر الموظف العادي أن الجهد الإضافي لا يضمن الثروة في نهاية المطاف، أوحتى العلاوات، ومن المهم أيضًا أن نضع في اعتبارنا أنه لا يمكن لأي مليونير أوملياردير أن ينسب ثروته إلى جهوده الشخصية فحسب أو إرهاقه في العمل، فغالباً ما تلقى جميع رواد الأعمال البارزين المساعدة أوالمشورة أوالتوجيه من أحد ما ، وغالبًا ما حالفهم الحظ بشكل أو بآخر، إما في شكل اقتناص الفرصة المناسبة أومن خلال عملية مقابلة مستثمر أو شريك مناسب في اللحظة المثالية، ولم يكن افراطهم بالعمل هو السبب.
وبكل بجاحة ليس الإرهاق في العمل أبداً طريق الثراء، فلا تنسى حصتك بالراحة في رحلتك.