لا تؤمن بـ “بديهية” ومن ثم تنتظر تحققّها !

لعلّ أصعب ما قد نواجهه في هذه الحياة هي أن نؤمن بحدوث أمر ما على أنّه بديهي ومسلّم به، ومن ثم ننتظر حدوثه دون تدخّل منّا، أن نعتقد أن حدوث أمر ما هو بديهي فلا نتحرك بسبب تلك البديهية حتى نكتشف بعد فوات الأوان أنّ ذلك غير بديهي البتة، ولم يحدث كما زرعوا في عقولنا.
يؤمن الكثير بما يعتبرونه بديهياً، ولا يبذلون أدنى جُهد لاختبار وتشكيك تلك البديهيات، ويفترض أحدهم مثلاً أنّه من البديهي أن يجد عملاً بعد التخرّج، وبسبب تلك البديهية لديه فهو يُهمل بناء علاقات عامة مع الآخرين، ويُهمل تطوير سيرته الذاتية، وُيهمل تطوير لغته الانكليزية، وهلمٌ جراً. تخلُق تلك البديهية لديه شعوراً زائفاً بالاطمئان، فهو يستشهد بتاريخ ماضٍ لا يتعلق بالحاض وهو أنّ كل مُتخرج يجد وظيفة مباشرة، ويكتشف لاحقاً أنه ليس من البديهي أنّ كل متخرج سيجد عملاً فهو شرطٌ لازم غير كافي، ويدفع سنواتٍ كثيرةٍ من عمره ثمناً لتلك البديهية التي آمن بها.
يؤمن آخرون ببديهية أنّ الغد أفضل من اليوم وببنون خيارتهم أنّ “بكرا أحلى”، ليتفاجؤوا أنّ ذلك ليش شرطاً من شروط الحياة، وإنّما مجرّد وهم آمنوا به، والغد قد يكون أفضل وقد لا يكون، ونحن لا نستطيع التحكّم بالحروب والمجاعات والأوبئة.
آخرون مثلاً وضعوا بديهيةَ أنّ الحِجر الصحي في بداية كورونا هو مجرّد أياماً معدودة، واكتشفوا أنّها طالت أشهر حتى الآن، وآخرون أعتقدوا أنه من المستحيل أن يتوقف الاقتصاد بسبب وباء، وتوقف مثلاً، وتابع الكثيرون بالايمان ببديهية أنّ اللقاح موجود لكورونا، والأمر مجرّد أسابيع وخاب ظنهم أيضاً. قبلَهم كثيرون اعتقدوا أن الحرب في بلد من البلدان هي مجرد وقت قصير وبعدها تعود الأمور على ما هوعليه حتى طالت 10 سنوات، وكثيرون اعتقدوا أن نَزوحهم أمرٌ مؤقت، ومن البديهي أنّهم سيعودون ولم يعودوا بعد، وعل الهامش هل تعلم أنّ وسطي مدة بقاء اللاجئ مثلاً في المخيّم تصل إلى 17 عام ؟
على صعيد آخر، مهنياً نعتقد ببديهية أنّ رب العمل لن يتخلى عننا، وأنّ الزبون سيتستمر بالعمل معنا لأننا مميزون، وبديهية أنّ الأرباح تزيد عبر الوقت، وبديهية أنّ الاسهم يرتفع سعرها، وأنّ العقار ملاذ آمن دون اختبار ذلك بالتشكيك به على الأقل.
إذا كان هناك ثمّة نصيحة أخاطب بها نفسي لأذكرها دوماً فسأقول: لا تلاحق السرّاب، حتى ولو شعرت بلذّة الانتظار ونشوة السكون، وراحة الإطمئنان، والسعادة في ترقّب حُدوث ذلك الوهم، وحماساً في أنّ معجزة قد تحدث فجأة ليتحول السرّاب إلى حقيقة.
لربّما عليك أن تحوّل تلك اللذة والسعادة والحماس إلى ما يتعلقّ بك، بك أنت، أنت وحدك، ما ستنجزه أنت، ما ستحققه أنت، وليس ما تنتظره من الآخرين، ليس ما تترقبه من المجتمع، ليس ما تتحمس لحدوثه كمعجزة من الحكومات عربية كانت أم اجنبية.
أنت وحدك المٌلام في نهاية المطاف، قم يالتشكيك ببديهياتك وتحضير نفسك للواقع قبل فوات الأوان.
وتذكّر أنّ لكلّ شيءٍ إذا ما زاد نقصان و انبته هل أنت في قمة المنحني الذي يليه انهيار، أم أنّك في طريق تصاعدي يتخلله مطبات، واسأل نفسك بصراحة:ما هوأسوء سيناريو قد يحدث؟ هل قمت بالتحضير له؟ هل يمكنني أن أنجو، هل علي التزامات قد تؤدي لإفلاسي؟ وبناءً على تلك الإجابات وعلى أولوياتك: خاطر أوتنحى جانباً.