د. فادي عمروش
د. فادي عمروش

د

ملخّص كتاب الفشل بامتياز – نسف أساطير الفشل والنجاح

يقضي معظم الناس حياتهم في محاولة للتكيف مع الفشل، سواء كانوا أطفالًا أو بالغين. يتعمَّق الفشل في حياتنا وأذهاننا، ولا يمكن أن يمنعنا فقط من النجاح بل يمكن أن يمنعنا حتى من المحاولة. في هذا السياق يقترح كتاب الفشل بامتياز  للكاتب تشيلي دافيدو وبول ويليامز تحولاً جذرياً عن طريق محو كلمة ومفهوم الفشل من مجالات التعليم والأهداف التي يسعى إليها البشر واستبدالها بكلمات ومفاهيم جديدة ممَّا سيُغيِّر من مفهومنا ويُعيد تشكيل تعريفنا للنجاح.

لا أحد يريد أن يفشل، ولا أحد يريد أن يُنظر إليه على أنه أقل من غيره وقصة نجاحه أقل من قصة نجاح غيره. نحتاج إلى تطوير مقولة أن الفشل جزء من التعلم، وأنه من دون الفشل لا يمكن للمرء أن يكتشف الأخطاء ويجعل الأمور أفضل، لذلك ربَّما يكون كتاب الفشل بامتياز هو الطريق لخلق نظرة جديدة في مفهوم الفشل.

لا يتحدَّث الكتاب عن تبنِّي الفشل بكونه أحد أجزاء العملية أو تجاهل الفشل تماماً لخلق نظرة عالمية متفائلة، لكن بدلاً من ذلك يوضح هذا الكتاب أنواعاً مختلفة من الفشل ويشرح كيفية التعامل معها، ومن ثم إعادة صياغة مفهوم الفشل. وبذلك لا يساعد الكتاب في معالجة المشكلة وحسب بل يساعد أيضاً على تطوير المهارات لتقديم حلول أفضل في المستقبل. والمهم بعد فهم معنى الفشل وآلية التعامل معه تقييم الحياة بطريقةٍ صحيحةٍ بدلاً من الاعتماد فقط على النجاح أو الفشل.

أثر المفهوم الخاطئ للفشل

نعيش في عالمٍ من النجاح والفشل ولعل كثيراً منَّا لا يعتقدون أنهم على الطريق الصحيح إذ يواجهون الشدائد والمصاعب ويبذلون جهدهم لتحقيق أفضل النتائج، وغالباً ما يرون أنفسهم في إطار النجاح والإخفاق ولكنهم يظلون حبيسي تخيلاتهم.

يُعلِّمنا المجتمع كل يوم أن نقيس حياتنا وفق توقُّعاتنا وتوقعات الآخرين ويسبب ذلك لنا الألم دائماً منذ أن وضعنا قدمنا لأول مرَّة في غرفة الصفِّ في المدرسة، حتى  إخفاقنا في نيل الوظيفة بعد إجراء المقابلة الخاصَّة بها، وصولاً إلى خسارة أموالنا في سوق الأوراق المالية المتهاوي، وهكذا نقضي وقتنا نَجلد أنفسنا على قراراتنا البائسة وعلى عدم نجاحنا كما تمنَّى لنا زملاؤنا وشركاء حياتنا وأولادنا. إننا نعيش حبيسي مفهوم الفشل الخاطئ لذا علينا التحرر منه بالرؤية الحقيقية له.

لمَ نخاف من الفشل؟

إنَّ أدمغتنا مضبوطة على النجاح، فنحن نعشق النجاح بغض النظر عن تفاصيله سواءً كان في الحصول على الدرجات العالية في المدرسة أو المال أو الحصول على كثير من الأشياء أو الطعام، ونعتبر كل ذلك شكلاً من أشكال النجاح.

تبدأ المشكلة للأسف من خلال رفع سقف التَّوقعات بأن الأمور سوف تتغيَّر للأفضل دائماً، فمثلاً عندما نتوقع أن يجتاز أولادنا اختبار قيادة السيارة ولا يفعلون، نشعر أنّنا فشلنا في أبوَّتنا، أو أن أبناءنا فشلوا، مع أن الفشل في هذا الاختبار هو أمر متوقَّع وعادي وغير مفاجئ إطلاقاً، ونفس الأمر بالنسبة لأمور أخرى كلعبة كرة القدم إذ يعامل كثيرون أولادهم على أنها لعبة حياة أو موت ويرتبط الفوز بها بتقدير الذات ارتباطاً قوياً، على سبيل المثال، إن خسر الأبناء فإن والديهم يجعلونهم يشعرون بأنهم فاشلون أو يواصل الآباء والأمَّهات بالشعور بأنَّهم فاشلون لأن أولادهم لم ينجحوا، بعبارة أُخرى يربط الآباء غريزة الحب بالنجاح أو الإخفاق.

آلية استقبال الفشل

تكمن مشكلة فهمنا للفشل في أن شعورنا بأنَّنا قد فشلنا هو أمر سلبي جدَّاً في حياتنا يمكن لشعورنا بالفشل أن يسبب لنا الكرب. تولِّد طريقة تفكيرنا في حيواتنا والسياق الذي نخلقه لأنفسنا تصرُّفاتنا ومواقفنا تجاه النتائج غير المتوقَّعة فعندما نخسر أشياء نحتاج إليها أو نريدها تتشكل لدينا في الحال مشكلات فيزيولوجية وعاطفية ونفسية تجاه الخسارة أو الافتقار للإنجاز، وتحدد أفكارنا المتعلِّقة بالحصول على ما نريد مشاعرنا تبعاً لذلك.

درجات الفشل أو الإخفاق

إن إحدى المشكلات المهمَّة أننا نستخدم مصطلح الفشل بالمعنى العام والواسع والذي يمكن أن يكون مربكاً للغاية، فأنواع الفشل ليست على حدّ سواء، ويفضّل الكاتب استخدام كلمة إخفاق عوضاً عن الفشل. ولا تتشابه أنواع الإخفاقات في الحياة، إنّ نتيجة الفشل في اختبار أو في مخاطرة أو في سوق مالي ليست كنتيجة الفشل في تدخل طبِّي أو إخفاق طائرة في بلوغ وجهتها، لذلك علينا أن نميِّز بين أنواع الفشل المختلفة، إذ يمكن تقسيم درجات الإخفاقات -وهي كلمة أقل وطأة من الفشل- إلى ثلاثة أنواع:

أولاً إخفاقات الدرجة الاولى، والتي تؤدي إلى مصائب شاملة في الحياة مثل فقدان الحياة أو أخطاء لا يمكن تجاوزها.

ثانياً إخفاقات الدرجة الثانية، وهي الإخفاقات التي تحدث عند تحديد أهداف سامية ثم الفشل في تحقيقها.

ثالثاً إخفاقات الدرجة الثالثة، وهي التي تتعلَّق بأهدافنا الشخصية والتي نفشل في تحقيقها مثل الفشل في دخول الفرع الجامعي الذي نريده، أو الفشل في مقابلة عمل، أو الفشل في النجاح بمهمة اخترناها لأنفسنا.

علينا الانتباه إلى أي نوع نقع من ضمن هذه الأنواع الثلاث من الاخفاقات، وإلى أهميَّة كل نوع.

إخفاقات الدرجة الأولى

هي الإخفاقات التي تؤدِّي إلى خطرٍ هائلٍ في الحياة والتي يجب أن ننتبه عليها بشدَّة. تدعو جميع الكتب إلى تقبُّل الفشل ولكنَّها تتجاهل عن قصد إخفاقات الدرجة الأولى. على سبيل المثال، الإهمال الذي يؤدي إلى حادثة طيران ليس أمراً من أنواع الفشل الذي يمكن التصالح معه، ليس الإهمال أو الفشل في قيادة السيارة والذي يؤدي إلى حادث مميت نوعاً من أنواع الفشل الذي يمكن التسامح معه.

لذلك عندما يتحدَّث شخصٌ ما عن الفشل وتقبُّل الفشل يجب أن ينتبه أولاً إلى نوع الفشل الذي يتحدَّث عنه وألا يكون فشلاً أو إخفاقاً من الدرجة الأولى، لأن أخطاء الدرجة الأولى هي أخطاء نهائية لا مجال للتسامح معها وكما يقول تيم فيرس: “غامر أو خاطر بما يمكنك تحمل عواقبه، أما الذي لا يمكنك تحمل عواقبه فهو ليس شكلاً من أشكال المغامرة أو المخاطرة”.

إخفاقات الدرجة الثانية

وهي الإخفاقات التي تتعلَّق بأهداف سامية كبيرة وضعناها لأنفسنا ولكنَّنا فشلنا في تحقيقها، ويقع ضمن هذه الأهداف ما يضعه المستكشفون ورجال الأعمال، وكثيراً ما سمعنا عبارة الفشل بشرف في هذا النوع من الإخفاقات. لنحدِّد أنَّنا في إخفاقات الدرجة الثانية لا نتحدَّث عن نهايات كارثية للحياة وإنَّما عن الإخفاق في ابتكار أو استكشاف في الرحلات والأعمال والتكنولوجيا والفنون والعلوم، وبهذا المعنى يبدو الفشل مفهوماً لا يتعلَّق بنهاية كارثية وإنما بهدفٍ سامٍ ولم يستطع صاحبه تحقيقه أو التنبؤ بنتيجته.

لذلك علينا التفكير أولاً “هل يمكن اعتبار إخفاقات الدرجة الثانية إخفاقات أصلاً” وخاصة أن كثيراً من نتائجها غير المتوقعة قد تفضي إلى أمور وأفكار جديدة ومتطورة، وعلينا التساؤل: “هل هو فشل بمعنى الفشل أم لا”.

لعلّ إحدى الأمثلة على ذلك شركة فايزر التي كانت تعد دواءً من شأنه توسيع الأوعية الدومة لتخفيف أعراض الخناق الصدري ولكن في نهاية المطاف فشل هذا الدواء ولم يكن فعَّالاً.يعرف الجميع أن تلك القصة قادت إلى اكتشاف آخر، لذا قد تكون إخفاقات الدرجة الثانية مدخلاً لنجاحات في مكانٍ آخر. لقد اكتُشِفت اختراعات أخرى مثل المايكرويف وأشعة X وغيرها بالمصادفة عندما كانوا بصدد القيام بأمور أخرى ولكنهم فشلوا بها. يجب أن نعي أن الحياة مليئة بالعقبات التي تعترض طريقنا وأن الفشل والإخفاق في هدف ما سيكون مدخلاً للنجاح في مكان آخر.

إخفاقات الدرجة الثالثة

هي إخفاقات في أمور تنفيذية مرحلية في الحياة نحمِّلها أكثر ممَّا تحتمل، يحضر الفشل دائماً في عالم محكوم بشكلٍ جنونيٍّ بهوس النجاح ليصورنا كأنَّنا الخاسر المطلق.

الشخص الذي لا يكسب المال متَّهم بأنه فاشل، والكاتب الذي لا يبيع نسخاً من رواياته متَّهم بأنه فاشل، أي شخص لا يستطيع تحقيق نسب هائلة من المشاهدات متَّهم بأنه شخص فاشل.

يستمر ذلك بكثرة ليشمل جميع أنواع الإخفاقات البسيطة التي تعتبر فشلاً سواء الفشل في تعلُّم قيادة السيارة للمرَّة الاولى أو الفشل في الجامعة وغير ذلك بشكلٍ أو بآخر.

الشيء الوحيد الذي نستنتجه أنَّنا لا نحب الفشل ولا نريد تكرار التجربة وهذه مشكلة كبيرة لأن رغبتنا أو قرارنا في عدم تكرار تجربة ما بسبب فشلنا بها يعني أننا لن نتطوَّر.

الفشل نسبي ويعمِّمه المحيط

تواجهنا فرص عديدة للإخفاق في كل يوم والمجتمع هو من يجعل من الصعب علينا أن نمحو فكرة الفشل الشخصي من حياتنا ولكن بالرغم من أن تجربة الفشل حقيقية يبقى هذا الفشل نسبيَّاً. إن إحساسنا بالفشل يرتبط على نحوٍ معقَّدٍ بالسياق والتصوُّر، حين نربح مبلغاً مادياً نشعر بالسعادة ولكن حين نعلم أنَّ شخصاً آخر ربح مبلغاً أكبر نشعر بأنَّنا فاشلون لأنَّنا لم نربح مثله.

إنَّ شعورنا بالفشل والخسارة نابع عن تغير تصوُّراتنا عن الفشل والخسارة وهو محكوم بالظروف ولا يرتبط بالحقائق للأسف، ففي حالة ربح مبلغ معيَّن دون معرفة ربح شخص آخر سيعتبر انتصاراً ولكن وضع الربح في مقارنة مع شخص آخر سيتحوَّل إلى فشل.

بعبارة أخرى إن تصورنا عن الفشل هو أمر شخصي بحت، إذا كانت لديك قناعة أو كان الناس يخبروك أن معدَّل النجاح في اختبار قيادة السيارات هو بعد ثلاث محاولات فستشعر بشعورٍ عاديٍّ حين تنجح في المرَّة الثالثة، ولكن إذا كنت في محيطٍ أو تصوُّرٍ مجتمعيٍّ أو في قناعة تخبرك أنه يجب أن تنجح في امتحان قيادة السيارات من المرة الأولى ستشعر أنَّك فاشل جداً إذا لم تنجح من المرَّة الأولى، في الحالتين سيتغيَّر الوضع حسب السياق وجملة المقارنة لديك. على سبيل المثال: يمشي أحدهم عشرة كيلو متر ويعتبر نفسه ناجحاً لأنه قطع مسافة طويلة، ويمشي آخر عشرة كيلو متر ويعتبر نفسه فاشلاً لأنَّه لم يستطع إكمال خمسة عشر كيلو متر، فحالات الفشل ليست أشياء موضوعية، نحن نربط ونقارن أنفسنا بالآخرين وبرغباتنا وتوقعاتنا، والحقيقة أن الحياة لن تستجيب لتوقُّعاتنا وأنَّنا لا نستطيع ضبط جملة المقارنة.

تتعلَّق إخفاقات الدرجة الثالثة بتوقُّعاتنا الشخصيَّة، حين طُرِح السؤال التالي على ٢٢ طالباً وكاتباً “متى يمكن أن تعتبر نفسك كاتباً ناجحاً” جاءت الإجابات على النحو التالي:

عندما أنتهي من كتابة المسودة الموجودة بين يدي، عندما تُقبل روايتي، عندما أرى كتابي مطبوعاً، وعندما أبيع نسخاً كثيرة من كتابي.

يختلف تعريف كل شخص أو كل كاتب للنجاح، عندما كان الفشل بالنسبة للشخص الأول هو عدم تمكُّنه من إنهاء مسودَّته فكان الفشل لشخص آخر هو عدم قبول روايته، بينما لشخص ثالث عدم مشاهدة كتابه مطبوعاً على الرفّ.

خاتمة

لا يمثل الفشل مفهوماً خاصَّاً يستوجب الخوف والسعي لتجنُّبه بأي ثمن، عليك التمييز بين أنواع الاخفاقات بالحياة حين يكون هناك احتمالية لحدوثها، فإخفاقات الدرجة الأولى هي إخفاقات كارثية يجب التفكير بشدَّة قبل احتمال حدوثها ويجب استيعابها حين تقع والتعايش مع نتائجها، أمّا إخفاقات الدرجة الثانية هي تحديات يمكن مواجهتها إذا توقَّفنا عن النظر إليها على أنَّها إخفاقات، وأخيراً إخفاقات الدرجة الثالثة هي اعتباطية مفروضة من قِبلنا ومبنيَّة من توقَّعاتنا الخاصَّة ويمكن إزالة الإحساس باستحقاق الخسارة من نتائجها. وفي جميع هذه الفئات الثلاثة هنالك ما يسمَّى فشلاً. يمكن لفلسفاتنا وخطاباتنا ومقارباتنا ومقارناتنا أن تُغير بعمق الطريقة التي تؤثِّر بها علينا.

تذكَّر أن الفشل مفهوم بسيط نطلقه على جزء من حياتنا وهو ليس حقيقة مطلقة، ولا تقارن حياتك مع الآخرين وإنَّما قارن حياتك بالحياة التي تطمح إليها، واستبدل الخوف بالحب، والكذب بالصدق، وتمسَّك بحياتك بيديك، وعندما لا تسير الحياة وفق ما هو مخطَّط له، لا تنس أنك ما تزال نفس الشخص المتألِّق، وتوقَّف على أيِّ حال عن لوم الآخرين وتحمَّل مسؤولية قراراتك وحياتك.

لعل تمرين “ماذا لو؟” يساعدك في فهم الفشل بشكلٍ واضحٍ، وتخيل ماذا لو حدث سيناريو أسوأ ممَّا تخيَّلته أو مما وقع، فكيف ستكون حياتك، هل ستعتبر نفسك فاشلاً في ظل حدوث هذا الخيار؟