د. فادي عمروش
د. فادي عمروش

د

بين التعليم والتعلُّم

لعلّ أقبح ما في الأنظمة التعليمية البالية أنها جعلتنا نكره عملية التعلّم وجعلتنا نخلط بين التعليم والتعلُّم، فقد جعلت الطلاب يجعلون جلّ طموحهم التوقف عن التعلّم لحظة التخرج والتخلص من كابوس التعليم. وحتى حين نتعلم مستقبلاً نتعلم تحت وطأة الاكراه وبهدف حل مشكلة واجهتنا لا اكثر ونتعلم بنفس الطريقة البالية للحصول على علامات فحسب، ونسعى للتعلم بأقل قدر من الجهد لحل مشكلة ما، ومن ثمّ نسيان الحل، بدل تعلّم مهارة فعلاً.

تم التركيز سابقاً في العملية التعليمية على المدرّس فقط، فهو محور العملية التعليمية هو مصدرالمعلومات المطلق أمّا الطالب فهو المتلقي، وهكذا سيطرت كلمة التعليم ذات الاتجاه الواحد، وتم ترسيخها في أذهاننا من خلال تسميات الوزارات والمؤسسات والهيئات المسؤولة عن العملية التعليمية في مختلف أنحاء البلاد.

يناقش د.فادي الشلبي في مقدمة كتابه الصادر حديثاً “مفاهيم أساسية في التعلّم الالكتروني” الفرق بن التعليم والتعلّم، ويضيء شمعة مهمة لاعادة اصلاح المصطلحات المستخدمة والتي تقوم بالهيمنة على تفكيرنا وتقوده دون إنتباه، ود.فادي الشلبي هو رائد أعمال وباحث. مؤسس نيوفيرستي والمدير التنفيذي لها، وهو محاضر واستشاري في التعليم الإلكتروني وريادة الأعمال ودعم المشاريع والشركات الناشئة.

يشير د.الشلبي في كتابه إلى ضرورة تحقيق إصلاح الجذري في قطاع التعليم الذي لم يطرأ عليه أي تغيير في طرائق التوصيل خلال القرن الفائت، كما يشير إلى تنامي دور الطالب والحاجة إلى إحاطته ببيئة حاضنة للإبداع والابتكار، وبالتالي اعتماد طرق جديدة للتعليم تعتمد على التفاعل مع الطالب باعتباره جزءًا متفاعلًا مع المادة التعليمية وليس فقط متلقيًا لها، وبذلك يتغير المصطلح المُستخدم من التعليم إلى التعلُّم.


بين التعليم والتعلّم ( المصدر كتاب مفاهيم أساسية في التعلّم الالكتروني)

جاء العالم الرقمي ليعزز ذلك حيث أصبحت المعلومات متاحة للجميع وليست حكراً للمدرّس فقط، وبذلك تحوّل المدرس من الملقّن العارف إلى الموجه والمرشد والميسر. بعد تلك المقدمة الهامة من د. الشلبي ينتقل إلى إشكالية مهمة وهي ترجمة مصطلح E-Learning بالتعليم الالكتروني وهو ما يرفضه د. الشلبي بقوة ويشير أنّها ترجمة للمصطلح E-Teaching.

لقد أخطأنا بترجمة هذا المصطلح إلى اللغة العربية، فالترجمة الأكثر انتشارًا هي “التعليم الإلكتروني” مع أن المفروض أن ما يحصل من خلاله هو التعلُّم، أي إن الطالب هو في مركز العملية ومن يقودها.

كما تجدر الإشارة إلى أن مصطلح “التعليم الإلكتروني” (E-Teaching) وفق د.الشلبي هو مصطلح صحيح يختَصّ بتدريب الأساتذة على طرق التعليم بالوسائط الرقمية والإلكترونية.

لقد أضحى التعلّم مدى الحياة أمراً أساسياً لا مناص منه، فبحكم تعويض التكنولوجيا للعديد من مهام البشر، فقد خلقت البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والحياة الذكية أنظمة قوى عاملة جديدة وتتطلب مهارات حديثة. لذلك هناك حاجة ماسة لتصوُّر مهن جديدة، وبالتالي، تجديد طرق التعليم الراهنة التقليدية التي لن تكون نافعة بعد حين.

عندما يولد طفلك عليك التفكير بمستقبل المهن، وكيف سيتغير العالم بعد 20 سنة، والتفكير بالمهارات الواجب تعليمها له. إنّ العالم متسارع أكثر، فبينما كان الموظف يقضي جلّ حياته سابقاً في مهنة واحدة، وعمل واحد لعشرين عام مثلاً، أصبح اليوم يغيّر مهنته أو يغير وظيفته لعدة مرّات، قد تصل وسطياً 8 مرات خلال الحياة المهنية.

ليست القضية تغيير مصطلح وإنّما تغيير منهجية تفكير كاملة، فاستخدامنا دوماً لكلمة التعليم تعني أننا ننتظر شخصاً يعلّمنا، ولكن التعليم التقليدي لن ينفع بعد الآن، لعلّ المعادلة القادمة هي التعلّم مدى الحياة، يجب أن تركز العملية التعليمية على تعليم الطلاّب مهارات حلّ المشاكل والتركيز على الإنجازات، وليس التعلُّم لأجل التعلُّم، ليس التعلُّم من أجل الشهادرة، ليس التعلُّم من مصادر المعلّم فقط.

تشير دراسات عدّة أن الكلمات اللغوية تحكم طريقة تفكيرنا، وأعتقد أنّ أول مدخل لاصلاح العملية التعليمية هي البدء باستخدم مصطلح التعلُّم بدل التعليم.