ملخص كتاب: العمل عن بعد Remote

ما أحوجنا مع اضطرارنا للعمل عن بعد هذه الأيام أن نراجع أفكار كتاب العمل عن بعد والذي يقدم عبر قراءة سريعة دروساً تمكينية للعمل من أي مكان دون الاضطرار للعمل من مكتب معين.
في الكتاب الثاني الرائع للثنائي جايسون فرايد ، ديفيد هاينماير هانسون بعد كتابهم rewrok يتابع الثنائي تقديم دروس سريعة لاقناع القارئ بفتح انتاجية جديدة من خلال منظور جديد، وكيف يمكنهم زيادة انتاجيتهم من خلال العمل عن بعد وفتح آفاق جديدة للشركات، ولعلّ من أهم النقاط أن هذا الكتاب كسابقه يعتمد على الخبرة العملية الواقعية للمؤلفين والتي يتم تطبيقها خلال إدارة شركتهم وليس مجرد أفكار نظرية.
لا يخفى علي أنّني من المناصرين للعمل عن بعد والعمل المستقل أيضاً، مع ضرورة التمييز بينهما، وتحدثت كثيراً ومازلت عن الفرص التي يفتحها العمل عن بعد للناس وخاصة في الوطن العربي في ظل ضعف القوة الشرائية وندرة فرص العمل، والمهارات اللازمة لدخول ذلك السوق وليس الأمر مجرد سراب فهناك أعداد هائلة تعمل عن بعد بصمت وقليلون من يتحدثون عن تجاربهم.
تشير الاحصائيات أن عدد من يعملون عن بعد ازداد عددهم بين عامي 2005 و 2011 بنسبة %73 حيث ساهمت التقنيات الجديدة مثل منصات محادثات الفيديو بجعل العمل عن بعد أكثر سهولة وفعاليّة، لكنّ عملاق الانترنت شركة ياهو قررت عام 2013 إنهاء برنامج العمل عن بعد الأمر الذي يناقشه جايسون فرايد ليوضح كيف أن ياهو قد ارتكبت خطأً بهذا القرار بإضاعتها لفرصة استقطاب ألمع العقول حول العالم وابتعادها عن نمط العمل الجديد الذي سيتفوق على النمط التقليدي خلال عقد من الزمن، وهنا يجب أن ننوه إلى سياق الأحداث حيث أنّ الكتاب صدر آواخر عام 2013 وعليه فالاحصاءات والمقاربات حتى ذلك العام وتحتاج لتحديث طبعاً.
من خلال كتاب العمل عن بعد Remote سنتعرف على فوائد العمل عن بعد والتي تزيد بمراحل عن مساوئه، وما هي الأدوات والنصائح التي سيتمكن من خلالها الموظف وصاحب العمل الاستفادة الكاملة من فرصة العمل من المنزل، وهاكم الأفكار الرئيسية في الكتاب.
لا يحدث الإنجاز في المكتب
يتحدث الكاتب أن الكثير منا يذهب للعمل إلى المكتب لكن يومه في نهاية المطاف ينقسم إلى أجزاء من 20 دقيقة تتوزع هنا وهناك على المكالمات الهاتفية، الاجتماعات المتكررة، الإجابة على الرسائل البريدية وغيرها من الأعمال الغير مثمرة. لقد أضحى التركيز ثميناً للغاية وأصبح صعب المنال لإنجاز الأعمال الإبداعية التي تتطلب صفاء الذهن والابتعاد عن المشتتات، وهنا تكمن أحد أهم فوائد العمل عن بعد وهي القدرة على إيجاد الزاوية المريحة الذي نستطيع فيها إيجاد انفسنا والإنجاز بحرية وراحة.
المواصلات وإضاعة الوقت
لا يخفى على عاقل دور المواصلات واضاعة الوقت والجهد، فالوظيفة الاعتيادية تضيع ما مجموعه 300-400 ساعة سنوياً، عدا عن الأضرار النفسية والعاطفية والتوتر بسبب الزحام وقلة وقت الراحة والنوم. يوفر العمل عن بعد الجهد والوقت الضائع في المواصلات والذي يمكن استبداله بوقت للتركيز والانجاز.
تركز فرص العمل في المدن الكبيرة
تتحكم الرأسمالية بالأعمال والأموال، إذ تتركز الفرص في المدن الكبرى بعكس المدن والبلدات الأصغر، ومن جهة أخرى يتوجب على الشركات دفع رواتب أضخم لمواكبة مصاريف الحياة الضخمة في تلك المدن الكبيرة. يعتقد الكاتب أنه مع اعتماد الشركة على نمط العمل عن بعد فلا حاجة الآن لهذه القيود في عملية التوظيف حيث يمكن للشركات توظيف المبدعين دون التقيد بمكانهم ويمكن للموظف أن يعمل من أي مكان دون الحاجة إلى الانتقال إلى المدن الكبرى وتحمل تكاليفها الباهظة. ويشير الكاتب أنّ الفخامة الحقيقة ليست في العيش وسط زحام مدينة ضخمة بل هو القدرة على اختيار المكان الذي يرغب الانسان بالعيش فيه.
تقدير الموظفين عن بعد
ليس الهدف من العمل عن بعد تقليص النفقات فقط، فالكثير من الشركات وبسبب ممارساتها أكسبت التوظيف عن بعد سمعة سيئة على أنه تقليل من قيمة الموظف الذي يمكن استبداله في أي وقت مقابل موظف أقل كلفة من بلد ذي عمالة رخيصة. لكن في جوهر الأمر يتوجب على المؤسسات تحديد أولوياتها:إما التوظيف عن بعد وبالتالي شعور بالراحة والرضى وإنتاجية أكبر. أو مراقبة الموظف وزيادة الضغط وبالتالي ضعف في الإنتاجية. لا يجب أن تقل قيمة الموظف عن بعد بسبب بعده الفيزيائي ولا تقل مكانته عن الموظف الاعتيادي الجالس في مقر الشركة فالرواتب والتعويضات يجب أن تكون متماثلة.
لم نقاوم العمل عن بعد؟
تحدث الكاتب عن بعض الأفكار الإدارية البالية التي تقاوم ثقافة العمل عن بعد، من هذه الأفكار أن الموظف سيضيع وقته إذا عمل في منزله، الكثير من الشركات تجد أن موظفيها يقضون 30% من وقتهم في تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، كما أنّ الموظف الذي يفتقد للتحدي والإلهام لن يتغيّر بتغيير مكان العمل، فالثقة التي تمنحها الشركة للموظفين بإنقاص الرقابة الإدارية ستزيد من الإنتاجية والكفاءة وتقلل من هروب العقول المبدعة. على صعيد آخر هناك من يعترض على العمل عن بعد بقوله أن الأفكار الإبداعية قد تظهر إثناء الاجتماعات الشخصية وجهاً لوجه، لكن الحقيقة أن كثرة هذه الاجتماعات تصيب بالإحباط لكثرتها وقلة فائدتها. الاجتماعات المثمرة يجب أن تكون قصيرة المدة ونادرة الحدوث.
واقع العمل عن بعد
نحن نعمل عن بعد دون أن ندري، فثقافة العمل الحالية جعلت معظم علاقاتنا افتراضية تعتمد على إرسال واستقبال الرسائل أو تنسيق المشاريع ضمن منصة برمجية حتى لو كان فريق العمل في البناء نفسه، مما يعني أن قرار الانتقال لثقافة العمل عن بعد يُعد أمراً أسهل مما تتصور.
من ناحية أخرى يظن بعض المدراء في المؤسسات الصغيرة أن الشركات الكبيرة لا تعتمد على ثقافة العمل عن بعد لاعتمادها على دراسات واحصائيات، لكن هذا غير صحيح فالعديد من الشركات الضخمة تعتمد على العمل عن بعد مثل Atena والتي يعمل عشرات الآلاف من موظفيها في منازلهم، و86% من موظفي عملاق التدقيق المحاسبي العالمي Deloitte يعملون عن بعد بنسبة 20% من دوامهم ( تذكروا هذه الاحصاءات عام 2013)
إنّ أحد أهم الأسباب التي تجعل هذه الشركات الكبيرة تعتمد على العمل عن بعد هو أن الشركة ستتمتع بمرونة أكبر عند تشغيلها انطلاقا من أكثر من موقع جغرافي واحد فلا يوجد احتمالية لتوقف الخدمة لأسباب طارئة مثل انقطاع الاتصال أو التيار الكهربائي في مقر الشركة.
الخلاصة
من جمالية الكتابة انّه قد صدر عام 2013 اي قبل سنوات كثيرة ولعل قراءته الآن بعد جائحة كورونا يعطي افكارها انطباعاً آخر مختلفاً عن التاريخ الذي صدر به، ولعلّه من المثير للاهتمام إذا ما زلت ممانعاً لفكرة العمل عن بعد أن تتذكر أن كتاباً تحدث عنها منذ 7 سنوات فقط !