د. فادي عمروش
د. فادي عمروش

د

خُذ قِسطاً من الراحة تُنجز أَكثر

لطالما تم الربط بين نسبة الإنتاجية في العمل وقلة ساعات الراحة والنوم، لكن ما مدى صحة الأمر؟ وهل هناك فعلياً علاقة بين الانشغال الدائم والعمل المتواصل مع زيادة الإنتاجية ؟!

في كتابه الممتع “استرح :لماذا تنجز المزيد عندما تعمل أقل ” والذي قامت بتلخيصه بشكل رائع قناة خير جليس – ومنها تم اقتباس هذه التدوينة بتصرف- يجيبنا أليكس بانغ بأنّ ما سبق خاطئ، بل وعلى العكس تماماً، تتناسب نسب الإبداع والإنتاجية طرداً مع الراحة والعمل بشكل مُركز ضمن ساعات أقل.

ينطلق الكاتب من فكرة أنّ العمل لا يتناقض أبداً مع أخذ قسط من الراحة، ويشبّهما بنقطتين مختلفتين على موجة الحياة، حيث لا يمكن وجود ارتفاعات دون انخفاضات ترتكز عليها، وبذات الشكل لا يمكن أن تكون الإنتاجية جيدة دون الحصول على الراحة بشكل جيد.

يعتقد الكاتب أنّ فكرة تناقض العمل والراحة تعود إلى فترة الثورة الصناعية في القرنين الثامن والتاسع عشر، حيث تمّ استنساخ نموذج العمل الصناعي لمختلف القطاعات الأخرى، حيث انتشرت الثقافة التي تقول: العمل المفرط أكثر ارتباطاً مع مختلف القطاعات، وهويؤدي لمزيد من الانتاجية، كما ترافق ذلك مع انتشار التنافسية بين القطاعات وتناقص الأمان الوظيفي لدى الموظفين.

مما زاد الطين بلّة انتشار الكتب التي تتناول قصص المبدعين والمشاهير والإنجاز بشكل عام، والتي تركّز على العمل بجد وتتناسى أهمية الراحة وتضعها في مرتبة ثانوية، إضافةً إلى أنّ تعامل أغلب القادة المعاصرين مع الضغط والعمل المفرط على أّنه وسام شرف، وأصبح التفاخر بمن يعمل أكثر وينام أقل وتنافس الناس بالتباهي بمن ترك إجازاته مكدّسة لأعوام دون استخدامها.

 يؤكد الكاتب أنّ أخذ قسط من الراحة ليست ترفاً تنتظره بعد أن يتم الانتهاء من كافة الأعمال والمهام، سواءً على الصعيد المهني أوالشخصي، ويجب على الإنسان الذي يرغب في الحصول على الراحة، أن يأخذها مع تجاهل كافة الرغبات الدائمة بالإنشغال، ويتم ذلك عن طريق تخصيص وقت محدد للراحة وأخذه على محمل الجد.

يضرب لنا الكاتب عدة أمثلة على شخصيات تاريخية مثل: تشارلز ديكنز، موهنري بوكاري، تشارلز داروين وغيرهم، وهي شخصيات مُنجزة في حياتها في مجالات مختلفة وأزمنة مختلفة، لكنهم لم يقضُوا وقتاً طويلاً في العمل، وكان لديهم طريقة للعمل بعمق وبأسلوب مركز يحافظ على التوازن بين الراحة وبذل المجهود بمعدل 5 ساعات عمل مركزة يومياً مع عدة أوقات راحة مدروسة.

لقد أظهرت العديد من الدراسات أن العلماء الذين يقضون 35 ساعة عمل في الأسبوع كانوا مُنتجين بمقدار النصف عن زملائهم الذين يقضون 20 ساعة عمل أسبوعياً. بعبارةٍ أُخرى عليك التمييز بين الإنتاجية الحقيقية وبين وعم الانشغال بدون انتاجية، هل تقضي 35 ساعة يذهب نصفها مقاطعات وتشتت وإنتاجية قليلة أم 20 ساعة مركزة بإنتاجية حقاً، فالفكرة هنا أن الراحة الفعلية هي ليست شيء يمنحك إياه العالم، وإنما أمرٌ يجب أن تجدوله خلال عملك.

يؤكد الكاتب على أن الراحة هي مهارة تحتاج إلى فهمها بصورتها المناسبة لكل شخص، بحسب احتياجاته والجهد الذي يبذله، ويناقش هذا المنطلق الجوانب الثلاثة المتعلقة بالراحة، وهي الجوانب الجسدية والعقلية والنفسية، مع التركيز على عمق وجودها وجودتها أكثر من المدة المخطط لها، وهذا ما يلخصه أليكس بأن الأشخاص الطموحين والمدعين يتبعون نهجَ حياةٍ أكثر سكوناً وتوازناً وعقلانية.