د. فادي عمروش
د. فادي عمروش

د

مفتاح النجاح: المنافسة غير العادلة

نعم سأكون صريحاً كالعادة، أزعم أنّ أحد المفاتيح الرئيسية للنجاح – والتي لا يتم الحديث عنها وإنما يتم الكلام دوماً عن الإجتهاد و الحظ فقط – هو أن تكون المنافسة غير عادلة، نعم الحياة غير عادلة، وهذا ما بدأنا التصالح معه شيئاً فشيئاً، ولكن الأهم برأيي أن نفهم ان المنافسة أيضاً نادراً ما تكون عادلة أيضاً.

لا أقصد بغير عادلة بأنّك بحاجة لرشوة أو وساطة أو ما إلى ذلك .. أبداً .. ما أقصده أنّه هناك دوماً أشخاص يسبقونك ولديهم أفضلية عنك عند بدء السباق وعليه فإن بذل جهدٍ مساوٍ لهم مع أفضليتهم يجعلك خاسراً، والحل الوحيد هو أن تبذل جهداً مضاعفاً لتعويض أفضليتهم، وهذا صعب في أكثر الأحيان أو أن تمتلك ميزة إضافية عنهم.

قد تكون تلك الأفضلية مثلاً بالجينات، معدل الذكاء IQ، ميزات جسمانية، ميزات عائلية و قد يكون صعباً اكتساب مثلها، وقد تكون في أحيان أخرى تحضيراً مسبقاً من الشخص بحيث لديه ميزات اضافية عند بدء المنافسة. مثلاً تخيّل بدء المنافسة بين شخصين على منحة دراسية ما، وقد تعلّم أحدهم الانلكيزية سابقاً ولديه شهادة توفل، أو أن أحدهم لديه خبرات برمجية وهو طالب في قسم لا يتطلب البرمجة، يمكنك توقع نتيجة المنافسة لوحدك.

الآن لعلّ السؤال الذي يدور ببالك بالتأكيد، ماذا أفعل بعد أن عرفت ذلك؟

الجواب هو أن تكون ذو أفضلية في السباق ببساطة، أن لا تكون منافساً عادياً، وإنّما منافساً له أسبقية وأفضلية بين المتسابقين، وبذلك يكون ذلك أسهل عليك نسبياً أن تسبقهم بشرط بذل نفس جهدهم بالطبع.

وكيف يحدث ذلك؟

يحدث ذلك بإحدى حالتين: إمّا التحضير مسبقاً أو التنبؤ بالمستقبل والتحضير له

كي تنال تلك الأفضلية عن الآخرين لتدخل السباق بشكل غير عادل وليكون لصالحك عليك إمّأ أن تسبق الآخرين بالتحضير المسبق كما يفعل ذلك الطالب المجتهد الذي يقوم بتحضير الدرس قبل المحاضرة، وحين يسأل الأستاذ سؤالاً ينبري ذلك الطالب ليسبق أصدقاءه الذين يسمعون الموضوع لأول مرة، وينال الإطراء على ذكاءه (بينما كل ما في الأمر أنه استيقظ قبل ساعة من الآخرين ليحضّر الدرس). الحالة الثانية هي أن تتنبأ بالمستقبل وتحضّر له فتكون جاهزاً، مثلاً تتعلم البرمجة بلغة ما أو تحليل البيانات، أو لغة أجنبية اضافية ، أو برنامجاً ما، وحين تدخل السباق مع الآخرين لديك أمر يسبقهم بسنتنين، ولا يستطيعون الوصول لمستواك بين ليلة وضحاها !

حين يتخرج الطلاب من الجامعة مثلاً يكون 95 % متنافسين بميزات متشابهة يتنافسون بنفس الميزات في سوق العمل، ويتصارعون على المنح الدراسية بصعوبة بسبب تشابههم بكل الميزات، ولكن 5% تنجح بسهولة نسبياً لأنها ببساطة تكون قد سبقت الآخرين بخطوة للأمام، لا أكثر. لقد درسوا اللغة الإنكليزية مسبقاً مثلاً، طوروا مهاراتهم، نالوا شهادة التوفل قبل الآخرين، قاموا بمراسلة الجامعات وحصلوا على قبول جامعي، وبالتالي حين يبدؤون المنافسة على المنح الدراسية لديهم أفضلية على الآخرين، لا بسبب علاماتهم وإنما بسبب ما لديهم من ميزات أكثر، وهكذا هم يسبقون الآخرين ببساطة، وبذلك سينجحون أسرع إذا بذلوا جهداً مساوياً للمنافسين.

هذا لا يعني أنّ النجاح للأفضلية فقط أبداً، وإنما ذلك يسرّع النجاح، مثلاً لقد تخرجت ولم يخبرني أحد بذلك، و لذلك عوضاً أن أجد منحة مثلاً مباشرة تأخرت 4 سنوات،لأنه استغرق مني الامر 4 سنوات للوصول لمستوى من يسبقني كي أصبح منافساً له ببساطة ! وذو افضلية عن غيري بالطبع.

هنا أجد عليّ أن أعيد مرة أخرى الجملة، إذا بذلوا جهداً مساوياً للمنافسين، لأنها ليست خلطة نجاح بدون جهد، في النهاية، يجب بذل الجهد طبعاً وبشكل متساوي، وطبعاً يمكن لمنافسك أن يسبقك إذا بذل جهداً أكثر بحيث يتجاوز أفضليتك.

يمكن تصوّر ذلك بالمعادلة التالية: النجاح = الأسبقية أو الأفضلية + الجهد المبذول

إذا تنافس شخصان بنفس مقدار الجهد المبذول فالناجح هو صاحب الأسبقية والأفضلية، بالمقابل صاحب الأفضلية لا عزاء له إذا لم يبذل الجهد المطلوب بعد ذلك.

لاحظوا أنا لا اتكلم عن افضلية لها علاقة بالجينات أو البيئة هنا وانا أتقصد ذلك كي لا نخرج بالموضوع، ولكنها أيضاً مهمة لتوظيفها في سباق مع الناس التي لا تمتلكها، فالأفضلية المتعلقة بالبيئة أو الجينات أيضاً مهم توظيفها. إذا كنت تحب الرياضيات وتبدع به فمن الذكاء توظيفه في السباق مع أناس لا يحبونه وليس دخول السباق مع مبدعي الرياضيات بدون أفضلية.

اختر البيئة التي لك فيها أفضلية!

اذا كنت ناطق باللغة العربية وتعيش في اوربا فأن تنافس في التقدّم إلى عمل له يتطلب اللغة العربية،هو أفضلية لك، مقارنة مع الأوربي الذي يعرف العربية! هذه ميزة جينية لك ولكن قد توظفها بشكل صحيح.

إنّ أحد أهم المقاييس لتحليل واكتشاف الشخصية المهنية في هذه العجالة، هو مقياس هولاند لتحليل واكتشاف الشخصية المهنية قد تم ابتكاره بواسطة العالم أمريكي الجنسية الذي يُدعى (جون هولاند)، وأصبح يُعرف باسم النظرية المهنية.

حسب مقياس هولاند هناك عدة أنواع للشخصيات ولن أدخل بتفاصيلها الآن ولكن تخيل أن تكون ميولك واقعية مثلاً حسب المقياس ويعني ذلك الميول نحو المهن التي تتطلب العمل مع الأشياء، والآلات، والأدوات، و/أو العمل مع النباتات، والحيوانات. من يمتلك هذا الميول يجب النزول إلى ساحة العمل والعمل بيده، ومتابعة الأعمال على أرض الواقع، ولا يفضل الأعمال المكتبية أو الأعمال التي تتطلب التعامل مع عامة الناس. ولكن تخيل أن تكون ميولك كذلك وتدخل اختصاصاً تقليدياً يتطلب العمل مع البيانات والأرقام، والأعمال المكتبية، والتنظيمية، وتلك التي تسير وفق نمط محدد من الإجراءات والعمليات و”خطوة بخطوة”، لن أعقب هنا فواضح مقصدي. بكل بساطة من كانت ميوله وجيناته ومواهبه تتوافق مع العمل مع البيانات والأرقام سيسبققك، دورك المهم هنا أن تعرف ميولك وإمكاناتك فعلاً (لم أقل شغف هنا فهذا أمر مختلف).

نعم إنّها منافسة غير عادلة، اللطم بأنّها كذلك لا طائل منه، عليك ان تدخل اللعبة أيضاً وتوظف ذلك “الظلم” إلى صالحك ولا عزاء للمنتظرين.