د. فادي عمروش
د. فادي عمروش

د

النجاح والعشوائية والمستقبل

لا يعرف أحدٌ ما سيحصل في المستقبل بالطبع، ولكن هل تعرفون ما هي المشكلة؟ المشكلة هي أنّنا نقوم ببناء تصوّرات المستقبل حسب الماضي، وإقناع أنفسنا بأنّ ما صلح في الماضي، سَيصلُح للمستقبل. نعم هذا أسهل لأدمغتنا، وبذلك نتجاهل وبدون عمدْ – وربّما عن عمد – أنّ المستقبل متغيّر ولا يتعلق بأحداث الماضي دوماً، ونتجاهل أكثر العشوائية التي يمكن أن تحدث خلال حياتنا، والعوامل المجهولة التي لا يمكننا التحكّم به.

تحكمنا الحكمة التقليدية من جدّ وجد ومن سار على الدرب حصد، إلى أن نكتشف أنّنا نجدُّ في الاتجاه الخاطئ، وأنّ الحصاد يتعلّق بموسم الأمطار، وليس بمقدار جهد المزارع فحسب.

إذاً ما هو النجاح في خضم ذلك؟

أعتقد أنّ النجاح – ويحضرني هنا كتاب البجعة السوداء لنسيم طالب – هو الرّهان على حدوث سيناريو في المستقبل، ومن ثمّ العمل بجد على هذا الرهان، ومن ثمّ حدوث ذلك السيناريو فعلاً. وكي تنجح ببساطة لا يكفي أن تراهن لمرّة واحدة، وإلا تحوّل ذلك إلى قِمار قد ينجح بالصدفة لا أكثر. لكي تنجح عليك الرهان دوماً بشكل مستمر، والتعلّم من خسارتك في الرّهانات السابقة، ومن ثمّ توزيع جهدك وطاقتك ومالك لعدة رهانات أخرى، وعبر الوقت تبني الخبرة والمعرفة والحكمة الحصرية لك، والتي تزيد نسبة ربح رهانك مستقبلاً، والتي لن تحصل عليها من الآخرين على طبق من ذهب أبداً.

وبكل حال لا يوجد ضمانة أنّك ستنجح في رهان ما، لكنٌك ترفع الاحتمال فقط في لعبة الاحتمالات.

وحقيقة الأمر، أنٌنا نحن نقوم بذلك عادة خلال الحياة دون أن ندري، ولكننا نراهن ربّما في الجانب الخاطئ، ونراهن لمرة واحدة فقط، ولا نعيد الرهان إذا فشلنا.

 يراهن العديد أنّه سيبقى في وظيفته للأبد، ويبني خططه على هذا الرهان، ويراهن آخر أنّه لن يضطر لترك مكان إقامته حتى يضطر، ويراهن ثالث أنّه في مهنة لن تتضرر أبداً حتى يكتشف أمراً لا يمكنه التحكم به. بالمقابل يراهن البعض بكل ما لديه على أمر واحد فيخسر كل شيء فجأة، يراهن على وضع كل استثماراته مثلاً في شراء عقار ليكتشف انهيار أسعار العقارات، أو شراء سهم شركة ما ناجحة ولكن تؤدي أزمة عاصفة إلى إفلاسها.

بكل الحالات، هناك شرطين أساسين في هذه العجالة: الأول توقع سيناريو للمستقبل، الثاني المراهنة عليه مادياً أو جُهدياً. تكون المراهنة المادية بشراء أسهم أو الشراكة أو الاستثمار، أما المراهنة الجهدية في بالعمل بالجد لتحقيق هذا السيناريو أو التحضير لقدومه. والأهم والأخطر برأيي، حين ينجح رهان لديك، حينها عليك أن لا تطمئن ولا تركن أنّك أصبحت أكثر معرفة وحكمة، وتذكر أنّه كان مجرّد رهان. أن تحارب ذاكرتك الإنتقائية التي ستميل إلى إقناعك أنك تتخذ القرارات الصائبة فقط، والتي تدعوك لتكرار نفس القرارات ونفس الرهانات دوماً. قم دوماً بالتعديل على قرارتك حسب مُستجدات ما تتنبأ به، ادرس واقرأ بجد لتستقرئ المستقبل، وعدّل رهاناتك عبر الزمن.

والأهم راهن فمن لم يُراهن، سيبقى مكانه على أيّة حال في وهم الأمان، والأمان زائل للأسف، هل ما زال عندك شك هذه الأيام؟