هل سيكون الاقتصاد اللامركزي الثورة القادمة أم الفقاعة القادمة؟

تجتاح عالم العملات الرقمية وتقنية سلسة الكتل ( بلوكتشين) هذه الأيام بوادر ثورة أو فقاعة جديدة عن عالم الاقتصاد اللامركزي والتي يشار لها بالمصطلح DeFi وهي اختصار DeFi – Decentralized Finance.
كي نفهم فكرة الاقتصاد اللامركزي فلابد أن نشير للحالة التقليدية التي تهيمن على الاقتصاد وهي القروض المالية، في مختلف الدول، إذا أراد أي شخص الحصول على قرض مالي، فسيكون ذلك حصراً عن طريق جهة مركزية مثل البنك، حيث تقوم بتحصيل مجموعة من الأوراق لكي تتحقق الجهة المقرضة من خلالها من ملاءتك المالية، ومن ثمّ تدرس حالتك، ومن ثم تقرضك أو لا تٌقرضك، ومن ثم تأخذ سنوات لإيفاءه.
لا يمكنك في الاقتصاد المركزي أخذ قرض من فرد لانه لا يستطيع الحصول على ضمانة مقابل القرض، حتى إن رغب الناس بإقراض بعضهم بفائدة أو بدون فائدة فهم لا يستطيعون لأنهم لا يستطيعون الحصول على ضمانات لقروضهم يمكن بيعها اذا حصلت مشكلة ما، بينما تستطيع البنوك وحدها ذلك لأنها تستطيع الحجز على الراتب أو البيت أو راتب الكفيل، وبذلك فهي الوحيدة التي تستطيع اقراض القروض والتحكم بالمستفيدين ومقدار الفائدة!

في عالم القروض الحالي، لا يوجد ما يُسمّى ضمان أو رهن برمجي، يكون الضمان عادة عقار ما، أو الراتب الشهري او ضمانة كفيل آخر، لا يمكن مثلاً وضع ضمان مثل الذهب الذي لديك، لأنه لا يوجد طريقة برمجية لجعل ذلك ممكناً لا يوجد حالياً طريقة لذلك.
تختلف الأمور في عالم العملات المشفرة الرقمية، حيث أنّ كل عملة مشفرة لها طريقة للبرمجة، ومن ثم يمكن تطبيق كود برمجي، على سبيل المثال يمكن بواسطة العملات المبنية على شبكة الإيثيريوم برمجة العقود الذكية والتي تعني تحقيق شرط برمجي مؤتمت على شاكلة “إذا حدث ذلك فقم بذلك” وهو ما فتح الباب إلى عالم الاقتصاد اللامركزي.
هذه ثورة برمجية بحق، ان تضع شرطاً يمكن تحقيق ذاته برمجياً بدون تدخل البشر، أنت تثق هنا بالكود البرمجي الذي لا انحياز له. لنسقط ذلك في عالم القروض، إذا كان لديك رصيد من عملة رقمية مشفرة، يمكنك رهن رصيدك الذي يدل على ملاءتك المالية والحصول على قرض مقابل ذلك من شخص آخر، وسيقوم الكود بضمان ذلك، بحيث إذا لم ترد يتم بيعها، وإذا رددت القرض يعود ضمانك لك.
بعبارة أخرى إذا كان لديك 1 بيتكوين مثلاً وقيمتها الحالية حوالي 10 آلاف دولار، يمكن أن تستدين 5000 دولار من خلال وضعها كضمان، لأنها دليل أنّك تستطيع الإيفاء، أو سيتم بيعها إذا لم تقوم بإيفاء القرض ببساطة، وكل ذلك بشكل مبرمج دون تدخل بشري، وهذا أمرلا يوجد أبداً في حياتنا الحالية المركزية ! ويفتح الباب أمام ثورة هائلة تخيّل أن اي شخص يمكنه اقراض آخر بدون حدود، بدون خوف ويضع الفائدة التي يريد، تخيّل باباً للقروض بدون فائدة إذا رغب مجتمع ما بتبني ذلك الحل! تخيل بديلاً عالميًا ومفتوحًا لكل خدمة مالية تستخدمها اليوم ويمكن لأي شخص في العالم الوصول إليها، وكمثال توضيحي: إمكانية أخذ قروض دون وجود جهة مركزية بضمان الرصيد الرقمي بهدف تأمين السيولة لفترة محددة، تخيّل شخصاً في السويد يمكنه إقراض شخص في مصر دون ان يضطر للتعرف عليه اصلاً والضمانة كود برمجي يحكم بينهما.
يعني الاقتصاد اللامركزي أن يستطيع أفراد المجتمع بالقيام بالتعاملات المالية المتعلقة بالقروض دون الاعتماد على جهة مركزية للاحتكام بها، وأن يستطيعوا الاقتراض بضمانة مقتنياتهم من العملات الرقمية دون الحاجة لرهن فيزيائي من بنك تقليدي، وبالمقابل يستطيع أي شخص إقراض آخر لانه يعرف أن هناك ضمانة له ويأخذ فائدة مقابل ذلك. بعبارة أخرى اختفى دور الوسيط المركزي الذي يٌقرض الناس وتحول لوسيط يضمن أن كل مٌقرض لهم ضمانة وأصبح تابعاً برمجياً أو عملة مشفّرة تنظم ذلك لا أكثر.
يعتقد الكثر من المتحمسين في عالم العملات الرقمية أنّ القروض اللامركزية أو بعبارة أعم الإقتصاد والخدمات المالية اللامركزية ستفتح آفاقاً هائلة جداً للمجتمع ليصبح عالماً بدون حدود، وفيما يلي بعض الأمثلة عن تلك الإستخدامات.
القروض السريعة
يمكن للمستخدم استدانة قرض سريع لمدة قصيرة لتنفيذ عمليات أخرى، ثم سداد القرض في نهاية المعاملة الكاملة، أي يكون الشخص بحاجة سيولة لحظية، وبهذه الطريقة يؤمن السيولة بطريقة غير تقليدية حيث يقوم برهن رصيده ويأخذ قرض، ومن ثم يعيده بعد ساعات أو أيام ويدفع فائدة فقط عن تلك الأيام، وهذا الأمر غير متاح في عالم البنوك حسب معرفتي، ولا يوجد قرض بهذه السهولة سوى لكبار التجار. تخيل مثلاً أنّك وجدت فرصة استثمارية وبحاجة لقرض سريع للاستثمار، قبل ترتيب اوراقك المادية التي تحتاج ايام أو قبل نزول راتبك في البنك، يمكنك سحب قرض سريع واقتناص الفرصة ومن ثم ايفاءه بعد أيام بدل الانتظار وتفويت الفرصة.
السيولة غير خاضعة للضريبة
بالنسبة للمستثمرين أو حاملي الأصول الذين يرغبون في الاحتفاظ بأصولهم الرقمية في حساباتهم، فإن الحصول على قروض مقابل ضمان عملاتهم وأصولهم الرقمية هو أفضل حل للحصول على عملة ورقية دون بيعها، وهو أفضل طريقة لتجنب الضرائب على الأرباح جرّاء البيع. بمعنى آخر، إن شراء وبيع الأصول الرقمية يعني أخذ الربح ودفع ضرائب ذلك، أما سحب قرض وإعادته بعد فترة محددة فلا يترتب عليخ دفع ضرائب، مع الحفاظ على ماتملك أصول وتنميتها. لتقريب ذلك للذهن، تخيذل لديك ذهب في البيت أيهما أفضل أن تبيع جزء من الذهب كلما احتجت إلى سيولة ومن ثم اعادة شراء الذهب بسعر مختلف أم سحب قرض بضمانة الذهب ويبقى الذهب معك، وبعد ذلك تعيد القرض ويعود الذهب الخاص بك لك؟
القروض بدون فائدة
لا يخفى على أحد أن محرك الثورة الحالية هي موضوع الفائدة في القروض وفتح باب الارباح والفوائد للجميع حسب العرض والطلب، ولكن من وجهة نظر برمجية بحتة، لا يوجد ما يمنع أن تكون القروض بدون فائدة إذا أراد مجتمع ما تبني ذلك، وفتح باب الاقراض الحسن.
لا يمكن أن نكون واقعيين دون الحديث عن المخاطر والتحديات ولم قد تكون هذه التقنية فقاعة قد تنفجر فجأة واليكم أهم تلك المخاطر والتحديات في الاقتصاد اللامركزي.
التذبذب الشديد في سوق العملات الرقمية
تتميز سوق العملات الرقمية بالتذبذب الشديد، وبتغيير السعر بشكل هائل لحظياً ويومياً وحتى شهرياً، بسبب المضاربات الهائلة، وقلة السيولة، وكما أشرنا أنّ ضمانة القرض هي قيمة الأصول الرقمية. ماذا لو اخذت قرض بقيمة 500 دولار بضمانة أصل سعره 1000 دولار وفجأة انخفض سعر الأصل إلى 500 دولار، هنا عليك إمّا زيادة الضمان مباشرة، أو سيتم بيعه بسعر 500 دولار لايفاء القرض وهنا تكون خسارتك مضاعفة لأنه ان عاد لسعر 700 دولار مثلاً فهنا تم البيع بسعر قليل لايفاء القرض.
انهيار السوق المفاجئ وبيع الأصول الرقمية مباشرة
إذا حدث انهيار مفاجئ بالسوق كما حدث مرات عدة في عالم العملات الرقمية وآخرها آذار الماضي، فسيبدأ بيع الضمانات برمجياً لايفاء القروض وستباع أصول المقرضين بسعر أرخص من السوق بسبب ذلك الانهيار قبل عودة الاصول لسعرها المقبول، لنفرض أنّ سعر أصل هو 150 دولار وانهار السوق فأصبح سعر 70دولار للحظات فتم بيعه لتغطية القرض ثم عاد لسعر 110 دولار هنا خسر المقترض الأصل وخسر امكانية شراءه ايضاً بسعر البيع، وهي خسارة مضاعفة وقد تؤدي ألى انهيارات كبيرة اذا استمرت عملية البيع، يجب أن لا ننسى ان التابع البرمجي ينفذ نفسه بشكل مؤتمت وقد يستمر البيع بشكل جنوني وهذا تحدي واسع في الاقتصاد اللامركزي.
العرض والطلب
تختاج عملية تبادل المال والقروض لطرفين دوماً، شخص يٌقرض وآخر مقترض، يدفع المقترض فائدة للمقرض حسب العرض والطلب، ولكن إذا انهار العرض أو الطلب ستنهار أسعار الفائدة أو ترتفع، وفي الحالتين لا يوجد منظمون مركزيون للتحكم بذلك وسبقى رهناً للمجتمع الرقمي.
يبقى موضوع الاقتصاد اللامركزي وتقنيات سلسلة الكتل موضوعاً جديداً، ويتم بناء تلك التقنيات وتطوّرها بشكل بطيء هي تشبه أيام نظام التشغيل Dos الذي لم يفهمه الناس ولكنه كان نواة نظام وندوز لاحقاً، يستحق الأمر المتابعة.