تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

عندما نضطرُّ للتعامل مع حائط على هيئة إنسان: كيف نخوض معركة الحوار العقيم لنخرج رابحين أو دون خسائر؟

الحوار مع الشخص العنيد
روان سالم
روان سالم

9 د

عنيد، رأسه كالحائط، رأسه كالحجرة، ذو الرأس اليابس، إذا نطح الحائط يكسره، اجمع له الأمة بأكملها ولن يقتنع…… كلها صفات ننعَت بها الشخص متحجّر الرأي.

في لغة الحوار يمكن أن يتفق الطرفان في الرأي، ويمكن أن يختلفا، من الممكن أن يتفقا ويختلفا في آنٍ معًا في ذات موضوع الحوار، ولكن عمومًا، تبقى هناك آلية لبدء الحوار، الخوض فيه وبناء نقاش بنّاء فعّال من كِلا الطرفين، باحترام، وودّ وتقبّل للآراء المختلفة، وعلى ذلك، ينتهي الحوار إما بالإقناع أو عدمه. ولكن مع ذوي الرأس اليابس، للأسف أحيانًا ينتهي الحوار – إذا تمكنا من تسميته حوارًا – بالمشاجرة وقد يصل الأمر لحد التجريح بالكلمات النابية أو الضرب.

الحوار

أصعب ما يمكن تقمصه في عملية الحوار هو دور الإنسان الواعي المُقنع، محاولة إسقاط الحجج المنطقية على آذانٍ صمّاء، محاولة إجراء حديث بنّاء مع إنسانٍ عنيد، وما يجعل الموضوع في غاية الصعوبة هو احتمالية كونه جاهلًا بالإضافة إلى أنه عنيد، هنا أنت حقًا في مصيبة 💁‍♀️ تلتفت حولك، وتفكّر في صعوبة تغيير هذا العالم إلى الأفضل مع وجود نُسخ من هذا الكائن البشري الذي يجلس أمامك.

غالبًا، تستسلم أنت مع حججك المنطقية، وترفع له العشرة مداراةً لصحتك وسلامتك، تاركًا إياه مستمتعًا بلذّة الانتصار الوهمية، لأن أغلب العنيدين يعتقدون أن عدم الاستمرار في محاولة إقناعهم إشارة إلى تفوّق آرائهم، وإنما في حقيقة الأمر، يكون الطرف الآخر قد ضاق بهم ذرعًا، وتركهم مع سيل من الشتائم يجتاح عقله..

لا بدّ وأن لديك مثل هذا الشخص، واحدٌ على الأقل في حياتك، أحد أفراد عائلتك، أو زميلك في العمل المُجبر على التعامل معه “يوميًا”، عدا عن محاولات إقناعه بأفكارك الناجحة في العمل.. تحتاج بالتأكيد لمعرفة طريقة التعامل مع هؤلاء، حتى لا تقضي نصف عمرك في السجن.. إذن كيف نخوض الأحاديث العقيمة أو التي نسميها “المستحيلة”؟ هل يمكن أن نغيّر الآراء في عالمٍ منقسمٍ إلى أيمن وأيسر؟ مجرد فكرة محاولة إقناع شخص عنيد والنجاح في ذلك، ستكوّن لديك بذرة أمل في تغيير العالم. بدايةً، كيف نعرف أن هذا الحديث الذي نجريه، عقيمًا؟ أو هذا الشخص الذي نتعامل معه سيزعجنا بكونه “حائطًا” حقيقيًا؟

اقرأ أيضًا: قانون الطفل رواية عن حماية الأطفال وقوانين الدولة الإله

أنت تيس!

مفهوم الحوار العقيم أو المستحيل

يمكننا وصفه بالحديث عديم الجدوى، عديم الفائدة، لا يمكن الوصول به إلى رأي صحيح مُتَّفَق عليه في أي نقاش، سواء على الصعيد السياسي، أو الاقتصادي أو الاجتماعي، أو حتى على المستوى الشخصي لمصلحة الطّرف الآخر، وغالبًا يكون ذلك بسبب التفكير المتحجّر الحديدي لأحد الطرفين، أو كما يُقال عندنا في اللهجة السورية “راسو متل الحيط، الحديث معو ما بجيب ولا بودّي”، أي قساوة وتحجّر تفكيره كتحجّر الحائط، لا يمكنك التأثير عليه مهما فعلت.

سبب صعوبة خوض حوار مع البعض

قد نستغرب أحيانًا من تحجّر البعض لآرائهم، ونفكر: “كيف يمكنهم العيش بهذه الطريقة؟ كيف يمكن للمقرّبين منهم التعايش معهم؟ آه، لو أنني مضطر للتعامل معه يوميًا لقتلته..” حقيقة الأمر أن العناد هو سمة، قد يولد بها الشخص فعلًا، وقد تكون سمة تم تطويرها كآلية للتكيف مع المحيط.

أحيانًا يكون الأشخاص المقرّبون هم السبب في إنتاج قناعات متحجرة. الإنسان كائن عاطفي بطبعه، يميل إلى التفكير والتأمل وتصديق ما يُقال له ممن يحبهم ويثق بهم، قد يتبنّى آراءه نتيجة الثقة بآراء وأحكام شخصٍ ما من مقربيه، إضافة إلى كون شخصية البعض عنيدة أو متحجرة الرأي، وهذا ما يخلق إنسانًا مستحيل التفاوض، مستميت الدفاع عما يؤمن به، أصمّ تمامًا عن صوت المنطق.

كمثال صغير، جميعنا سمعنا- وربما نسمع حتى الآن – كيف أنّ البعض يعتبرون تمامًا أن فيروس كوفيد-19 هو مؤامرة كونية! ويعتبر البعض أن الأرض مسطحة وليست مدورة، يجادلون بآراءٍ سياسية وكأنهم هم الرؤساء، أو حتى يفسرون ظواهر كونية وكأنهم من اختلقها 🤦.

صفات واضحة على الأشخاص العنيدين

صفات الأشخاص العنيدين

وحتى نحدد كيف سنبدأ الحديث مع أي شخص، لا بدّ من تحديد شخصيته، هل هو عنيد بطبعه؟ مسالم؟ ليّن؟ عصبي؟  كي لا نتعب كثيرًا أو نستغرب من كمية الـ &%$*& التي هو عليها، فالبعض لا يتحمل أبدًا أنواع الناس العنيدة، وتراهم لا يناقشونهم أبدًا، لا يجربون إقناعهم حتى خوفًا من ارتفاع الضغط، فيتجنبونهم تمامًا.

ثق تمامًا أن العِناد لا يعني الثقة بالنفس أبدًا، فالشخص الواثق بنفسه يتقبل خطأه ويتعلم منه، إنما العِناد يصل إلى حد اسمه “الغطرسة”. أحيانًا، يوحي الشخص العنيد بمزيج من الصفات، مثل الصلابة، القسوة، عدم المرونة في التعامل، البرود.. وإذا كان يفتقر إلى التعاطف، فسلامٌ على قلبِ من ناقشه. عمومًا، هناك عنيدون أيضًا يمكن التعامل معهم، يلاطفون قليلًا ويحاولون تليين آرائهم بأنفسهم، أي يحاولون التغلب على طبعهم ولو بشكلٍ آني، ربما لأن من يتحاورون معه شريك حياتهم، أو مثلًا لتسوية مشروع العمل دون مشاكل، وهكذا..

عمومًا، حديثنا عن ذاك الذي يحمل بين كتفيه بطيخة بدلًا من المخ، ولا يرى أبعد من أنفه، يمكنك استشعار عناده من عدة صفات:

  • لديه خوف من معرفة كل جديد، يخاف التغيير: لا نقصد التغيير بمعنى أنهم لا يغيرون وجبة الغداء لديهم مثلًا، إنما مثلًا نمط الأكل، يخافون تغيير نمط معين قد يكون دوام اتباعه غير صحي، ولكنهم مقتنعون. أو مثلًا حقيقة علمية معروفة منذ زمن، وتمّ دحضها حديثًا وبالأدلة.. لن تتمكن من إقناعه.
  • المجادلة حول كل شيء: ضربة موجعة لغرورهم لو وافقوا على تغيير قناعاتهم، لذا يواجهون صعوبة في الاعتراف بالخطأ.
  • مهاجمة الطرف الآخر بانتقاده: أحيانًا يقومون بتوجيه انتقادات شخصية لاذعة ليس هناك من داعٍ لها، فقط لتشتيت موضوع الحوار، لأنه لا يمكنهم تقديم الدلائل لإثبات صحة كلامهم، فيلجؤون إلى الذم والكلام اللاذع.

اقرأ أيضًا: نابليون والقرد مجموعة قصصية من عوالم مختلفة وقلم واحد!

كيف نتعامل مع المحاور مستحيل الإقناع؟

دعني أقول لك بداية: استخدام أسلوب الإكراه هو أفشل طريقة يمكن استخدامها لإقناع شخص بما هو غير مقتنع به، لا أحد يغير معتقداته أو آراْه بعد أن يتلقى صفعة من الطرف الآخر لتمحو له كل ما عرفه أو آمن به، وبخاصة إذا كان الأسلوب فوقيًّا ويميل إلى الفرض أكثر ما هو مناقشة وتقبّل النقاش وطرح الأفكار، هنا، مهما كان ما تؤمن به صحيحًا، لن يظهر الطرف الآخر تقبّله لرأيك، وعلاوةً على ذلك، تصبح المهمة الرسمية للبعض هي اقتراح أماكن لغط لديك، لمحاولة الإطالة غير المجدية، الخروج عن هدف الحوار، وجعلك تضرب رأسك في الحائط. طبعًا نفترض هنا أنك أنت مَن على حق.

وهنا بعض النصائح لبداية حديث هادئ قادر على الوصول إلى نتيجة، بدون مشاكل أو إكراه ،ولكن قبل البدء بالحوار، تأكد من عدة أمور وخُذها بالحسبان، مثلًا، هل لديك الوقت الكافي للمحاورة؟ فربما يأخذ ذلك من وقتك ساعتين، هل الشخص الذي ستحاوره غاضب أصلًا؟ أو متوتر؟ جائع؟ فعادةً ما يؤثر الجوع على الحالة النفسية والتفكير، اختر الوقت المناسب عمومًا.

ابدأ في بناء علاقة ودّية مع المُحاوِر

بناء علاقة ودية

يجب أن يفهم هذا الشخص أنك لستَ عدوّه، لستما هنا لتتشاجرا، وحتى أن أي وجهة نظر مختلفة بينكما لن تقلل من الاحتباس الحراري على سطح الأرض، ولن تقدم للعالم لقاحًا فعالًا لكوفيد-19، لذا حاول كسر الحواجز وجعل الطرف الآخر أكثر قابلية للنقاش، لتتاح لك الفرصة فيما بعد بتهدئته وجعله يتذكر هذا البند، ويعيد النظر في رأيه دون الشعور بالحرج أو الإهانة. كما تعلم، سيكون متحجرًا لرأيه، لذا البدء بفرض ما تعرفه أنت ليس حلًا مناسبًا، يجب أن تقرّ بموقفه أولًا.

اطرح الأسئلة

لا يمكنك إدراج ما تريد قوله في قائمة على ورقة، وإملاءها على صاحب الرأس الحديدي، لا يمكنك إقناعه بفرض الرأي، وحقيقة الأمر أنه بمجرد بدء طرح قناعاتك، وحتى لو مع الأدلة الكافية، سيراك هو بعين المُعلّم الذي لا يحبذه، لذا ربما يتجاهل حتى بعض أدلتك وشرحك، لأنه تلقائيًا سيصبح أصمًّا من الداخل. لذا حاول تعليمه بالبدء بطرح الأسئلة وكأنك من تريد أن يتم إقناعك، واجعله هو يفكّر ويجيب، اطرح تدريجيًا الأسئلة وفكر في أجوبته بحيث يمكنك طرح أسئلة أخرى تلائمها لجعله يصل إلى بر الأمان، بأمان.

الإصغاء إلى رأيه باهتمام

الإصغاء باهتمام

محاولة إقناع العنيد ويابس الرأس ليست مقرونة في جعله يصمت، على العكس تمامًا، فكما قلنا في السابق، اطرح الأسئلة عليه، احعله يفصح عما يجول في خاطره كي تعرف كيف يفكر، وأخبره أنك تتفهم وجهة نظره: “حسنًا، أنا أفهمك، ولكن..”. حاول أن تهتم بما يقول، تعاطَف حتى لو كان على خطأ، بيّن له أنك تفكر فيما يقول لربما هو صحيح! سيجعله ذلك يثق بأنك تحاول الحوار وليس الإكراه.

ابدأ بتجميع نقاط الاتفاق بينكما

بعد طرح الأسئلة والإدلاء بالرأي من كِلا الطرفين، أظهر للطرف الآخر أنكما لستا بعيدين كثيرًا في وجهات النظر، بل أنتما من ذات الطينة. يُعتبر ذلك حافزًا لجعل الطرف الآخر يشعر بأن لديكما أرضية مشتركة، ومن الممكن أن تكون أنت على حق، هذا ربما سيكسر لديه حاجز التحجر للرأي.

إظهار التقبّل لوجهة النظر

من المهم جدًا إظهار تقدير وجهة نظر الطرف الآخر، وليس رفض رأيه بشكل كلي، على الأقل في بداية الحوار، أن تظهر أنك تتقبل وجهة نظره وتتفهمها تمامًا قبل أن تتطرّق إلى رأيك الخاص، وحاول تبيان أهميتها بالنسبة لك، كي يشعر أنه يمكن تقديره على أية حال.

والآن نبدأ بمرحلة الإقناع إن أمكن.

ابدأ بزرع بذور الشك لديه

الحوار

لا تفرض لا تفرض لا تفرض، تعامل معه وكأنه تلميذٌ لديك، وتريد أن تجعله يكتشف خطأه في المسألة بنفسه، “ماذا تفعل لو كان الأمر كذا؟” كما قلنا، بالتأكيد يجب طرح الأسئلة المنطقية، ولكن هذه المرة لجعل هذا التلميذ يفكّر فيها حتى يكتشف خطأه، وهكذا المحاور، ازرع لديه بذور الشك، اجعله هو مَن يحاول الوصول إلى النقاط التي أخطأ بها، ولا تجرحه بإملائها عليه أبدًا.

حاول أن تتصنّع الجهل

اطلب من الطرف الآخر أن يوضّح مواقفه، اعرف مواطن الضعف فيها واسأله عنها بالذات، وهكذا تفتح عينيه على مواطن أخطائه، وتساعده بذلك بدون إحراج أو إكراه وبمجهوده الشخصي، على الوصول إلى الصواب.

ابقَ هادئًا وصبورًا

اصبر، واصبر، وابقَ هادئًا، وسيطر على نفسك وانفعالاتك، وإذا اضطرك الأمر، استأذن وادخل إلى الحمام، فجر غضبك هناك، ثم عُد وأكمل ما بدأت.

لا أحد على الإطلاق يحب تلقين المعلومات، سواء كان عنيدًا أو شخصًا متقبلًا للرأي الآخر ويمكن إقناعه، لا أحد يفضّل أن تظهر له خطأه، وبخاصة إذا لم يطلب رأيك، لذا من الأفضل دائمًا تجربة هذه النصائح مع أي شخص، لتفادي كرهه لك أولًا، والتعاون معه لتوجيهه بدون إحراج ثانيًا.

أما في حال رأيت أن هذا الإنسان، وبعد جهدٍ جهيد من المكافحة والأدلة والشّد والرّخي، لم يتقدم ولو شبرًا واحدًا من المنطق في نقاشه، هنا يصبح الأمر إرهاقًا وإحباطًا، ويصل بك إلى إحداث مشكلة حقيقيّة، خاصّةً كما قلنا في حال كنت مضطرًا للتعامل مع هذا الشخص.

ستصل إلى هذه المرحلة التي لا نود أبدا أن يصل إليها أحد، لا سيما وأننا نتحدث عن الحوار📢

الحوار العقيم

🙂

هنا في الحقيقة، أول ما يجب عليك فعله هو فضّ النقاش، اعلم أنه لا يمكنك تغييره، حتى لو تمكّنت من إقناعه ولو لمرة واحدة، هذا لن ينفي وجود مشكلة كاملة متجذرة فيه، وهي امتلاك جدار مقاوم بين كتفيه بدلًا من العقل، لذا إذا كانت المشكلة مع زميل في العمل، راجع رئيس العمل ودعه يتصرف، إذا كانت مع أحد أفراد عائلتك، فحاول تقبّله كما هو.

ذو صلة

اقرأ أيضًا: الحوار السليم: خمسة مبادئ لفهمها يجب ترك عادات القبيلة جانبًا

في النهاية، لن تصنعا المعجزات باتفاقكما في الرأي، أنتما مجرد حيوانين منويين تطورا ليعيشا فترة قصيرة، ثم ستموتان. أهم نقطة في الموضوع هي بقاؤكما شخصين متحابين مهما اختلفت الآراء، فهذا جزء من مفهوم الإنسانية أولًا، وربما يتيح ذلك لك الفرصة في فتح باب النقاش مرة أخرى، وربما الإقناع.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة