ذكاء اصطناعي

دواء واحد، حالتان عصبيتان: هل نقترب من علاج مزدوج للتوحد والصرع معًا؟

ملاذ المدني
ملاذ المدني

3 د

اكتشف علماء من جامعة ستانفورد طريقة جديدة لتخفيف أعراض التوحد عبر استهداف النواة الشبكية المهادية.

فرط النشاط في هذه المنطقة الدماغية يرتبط بالعزلة الاجتماعية والسلوكيات المتكررة والنوبات الصرعية.

عقار Z944 التجريبي، المستخدم لعلاج الصرع، يحسن الأعراض الاجتماعية والسلوكيات لدى الفئران.

تؤكد هذه الدراسة على العلاقة بين التوحد والصرع وتمهد الطريق للعلاجات المستقبلية.

في خبر علمي قد يفتح آفاقاً واسعة لعلاج اضطراب طيف التوحد، أعلن باحثون من جامعة ستانفورد توصلهم إلى طريقة جديدة يمكنها الحد من الأعراض الشائعة للتوحد، وذلك عبر استهداف منطقة دماغية صغيرة تُدعى النواة الشبكية المهادية Reticular Thalamic Nucleus. الدراسة التي أجريت على فئران معدَّلة وراثياً، كشفت أن فرط النشاط في هذه المنطقة قد يكون مسؤولاً عن بعض أبرز سمات التوحد، بما في ذلك الانعزال الاجتماعي، والسلوكيات المتكررة، وفرط الاستجابة للمثيرات الخارجية وحتى قابلية الإصابة بالنوبات الصرعية.

وربما تفكر الآن: ما الذي يجعل هذه المنطقة الدماغية محوراً لهذا الاكتشاف؟ فما يحدث بداخل النواة الشبكية المهادية أنها تعمل كحاجز أو "بوابة أمنية" بين المعلومات الحسية الواردة من المهاد إلى القشرة الدماغية، أي أنها أشبه بمحطة تحكم تمهّد الطريقة أمام الدماغ لاستقبال وإدراك العالم الخارجي، أو تحجبه جزئياً.

وهذا يوضح سر الاهتمام العلمي الكبير بهذه المنطقة حين لاحظوا أن النشاط الكهربائي الزائد فيها لدى الفئران المصابة بأعراض توحدية، ترافق مع مظاهر معقدة مثل الحساسية الزائدة للأصوات والضوء، والسلوك النمطي المتكرر مثل الدوران، وتراجع التفاعل مع فئران أخرى، بل وحتى التعرّض المفاجئ لنوبات كهربائية أقرب ما تكون للصرع. يعزز ذلك ما عرفناه من قبل عن ارتباط التوحد باضطرابات كهربية في وصلات الدماغ، لكنه يكشف الآن عن "العقدة" العصبية التي تبدأ منها مشاكل التصفية الحسية والسلوك.


تجارب واعدة: أدوية الصرع تعالج التوحد في الفئران

ومن هنا جاءت القفزة الثانية في هذه الدراسة؛ إذ جرب الباحثون معالجة هذه الفئران المصابة بعقار تجريبي يُستخدم حالياً في دراسة علاج الصرع واسمه Z944، ويعمل على خفض نشاط قنوات الكالسيوم في الخلايا العصبية. النتيجة كانت مذهلة: عند إعطاء الدواء هدأت النوبات، وقلّت السلوكيات المتكررة، وتحسنت التفاعلات الاجتماعية لدي الفئران، أي تم عكس معظم الأعراض والسلوكيات المشابهة للتوحد بشكل واضح وملموس.

ومن زاوية علمية، يؤيد هذا الاكتشاف ما لاحظه الأطباء لسنوات، وهو انتشار الصرع بين أطفال التوحد أكثر بكثير من باقي الأطفال (يصل حتى 30% من الحالات)، ويوحي بوجود رابط في ضعف الشبكات العصبية بين الحالتين. هكذا أصبح الطريق ممهداً لاستهداف الدائرة الكهربائية ذاتها في الدماغ، سواء لعلاج التوحد أو الصرع، عبر أدوية مستقبلية.

ومع ثبات نتائج الأدوية الكيميائية، أجرى فريق البحث تجربة أخرى استخدموا فيها طريقة أشبه بـ"مفتاح الجينات": عدّلوا جينات الخلايا العصبية بالنواة الشبكية المهادية لتستجيب لمواد مصممة (اعتماداً على تقنية DREADDs)، ومتى أعطيت هذه المادة هدأ فرط النشاط العصبي تحسنت بدوره السلوكيات، بينما تضاعفت المشكلات لو حفزوا النشاط الزائد. وهكذا تم التأكد بحسم من دور هذه العقدة العصبية كعامل مشترك وأساسي في ظهور أعراض اضطراب طيف التوحد.

وفي ضوء كل ذلك، تبدو النواة الشبكية المهادية وكأنها "موزع كهربائي" أساسي يتحكم في أنماط الاتصال بين المهاد والقشرة المخية، وليس مجرد حلقة في السلسلة العصبية. واستهدافها دوائياً لم يعد حلماً بعيداً مع الأدوية العصرية وتقنيات التعديل الجيني الحديثة.

ذو صلة

هذا يربط مباشرة بين الآفاق العلاجية الجديدة لطيف التوحد، ويفتح الباب أمام أبحاث أكثر طموحاً ستجمع علماء الأعصاب، وأطباء النفس، وأسر المصابين على أمل مستقبلي لم يكن متخيلاً قبل أعوام قليلة فقط.

في النهاية، يبقى الطريق طويلاً بين التجارب الحيوانية وتطبيق هذه النتائج على البشر، لكن هذا الإنجاز العلمي يعزز الأمل بأن الصلة العميقة بين عمل الدماغ وسلوكيات التوحد قد أصبحت مفهومة بشكل غير مسبوق، وأن العلاجات المستقبلية ربما لن تتعامل مع الأعراض "الخارجية" فقط، بل ستصل إلى قلب الدوائر العصبية التي تولدها. هذه الخطوة لم تعد مجرد فرضية، بل تجربة علمية تبشر بعصر جديد لعلاج التوحد وغيره من اضطرابات الدماغ.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة