فقرٌ من خيال الخوارزمية: منظمات إغاثة تستخدم صورًا مزيفة لإثارة التعاطف

أراجيك
أراجيك

3 د

تواجه المنظمات الدولية نقدًا لتحولها لاستخدام صور الذكاء الاصطناعي في حملاتها الإعلانية.

يعتبر الخبراء أن التكلفة والتوجيهات القانونية تقلصان ضرورة استخدام الصور الواقعية.

مدى الاعتماد على الصور المصطنعة يثير تساؤلات حول النمطية والعدالة الرقمية.

تسعى المنصات التجارية لتحقيق التوازن بين الطلب والوعي بالمحتوى المصطنع.

تظهر التحديات مدى تأثير التكنولوجيا على الثقة في القضايا الإنسانية.

في مشهدٍ قد يعيد تعريف مفهوم “التمثيل الإنساني” في الإعلام، تواجه المنظمات الدولية موجة انتقادات متصاعدة بعدما بدأت صور مولّدة بالذكاء الاصطناعي تجتاح حملاتها الدعائية، مصوّرة مشاهد فقر وجوع ومعاناة بشرية بأسلوب واقعي مذهل، لكنه غير حقيقي. وبينما يدور الجدل حول مسألة “التمثيل الأخلاقي” وحق الأفراد في الموافقة، يعبّر خبراء عن خشيتهم من ولادة ما يُعرف بـ “إباحية الفقر 2.0”.

هذا التطور لا يأتي من فراغ، إذ يرى ناشطون في مجال التنمية أن تقليص الميزانيات وارتفاع تكاليف التصوير دفعت المؤسسات نحو المحتوى الاصطناعي. لكنهم يحذّرون في الوقت نفسه من أن استخدام صور “مصطنعة” لمعاناة الناس يُفرغ الرسالة الإنسانية من صدقها ويكرّس صوراً نمطية عن الشعوب الفقيرة.

يؤكد نوح أرنولد، الخبير في مجال التصوير الأخلاقي، أن “اندفاع المؤسسات إلى تبنّي الصور المولدة رقمياً سببه الرغبة في تقليص التكاليف وتجنّب الإجراءات القانونية الخاصة بالموافقة أو بحقوق الأشخاص المصوَّرين”. ويرى أن هذا التوجه لا يعكس مجرد تغير في أدوات التواصل، بل تحوّلاً أعمق في الوعي الإنساني تجاه الفقر والعدالة الاجتماعية.
وهذا يربط بين أزمة التمويل الحالية في المنظمات غير الحكومية والتفكير في الابتعاد عن التصوير الواقعي والاكتفاء بالصور الاصطناعية، وهو ما يثير قلقاً أخلاقياً واسعاً.

الباحث أرسيني ألينيتشيف من معهد الطب الاستوائي في أنتويرب جمع أكثر من مئة صورة من هذا النوع، تُظهر وجوهاً سوداء أو آسيوية في أوضاع بائسة، وتقدّم مشاهد “مفبركة” لأطفال جائعين أو فتيات في مآسٍ إنسانية. ويصف الباحث هذه الصور بأنها “إعادة إنتاج مضخّمة لنحو بصري قديم في الإعلام الإنساني: الفقر كفولكلور”.

ويمتد النقاش اليوم إلى فكرة “التحيز الخوارزمي”، إذ إن أدوات التوليد الاصطناعي كثيراً ما تتغذى على بيانات تحمل تصورات عنصرية عن العالم، مما ينذر بجيل من النماذج الرقمية يُعيد إنتاج عدم المساواة الثقافية بأشكال جديدة.
وهذا يقود إلى تساؤل أكبر: كيف يمكن ضبط أدوات الذكاء الاصطناعي حتى لا تتحول إلى آلية لتكريس الصور النمطية بدل مكافحتها؟

على مواقع مثل “أدوب ستوك” و“فريبيك”، تنتشر هذه الصور بالعشرات تحت عناوين جذابة مثل “طفل لاجئ في مخيم” أو “أطفال آسيويون يسبحون في نهر ملوث”. وبحسب الرئيس التنفيذي لفريبيك، فإن المنصة “لا تتحكم في تفضيلات المستخدمين العالميين”، معلّلاً أن الطلب نفسه هو ما يدفع هذا النوع من المحتوى إلى الانتشار. لكنه يشير إلى محاولات “حقن التنوع” في مكتبة الصور لتقليل التحيز، ولو أن السيطرة الكاملة تبدو “كمن يحاول تجفيف المحيط بيديه”، على حد تعبيره.
ومن هنا تتضح المعضلة المعقدة بين حرية الإبداع والمسؤولية الأخلاقية في بيئة الاقتصاد الرقمي الحديث.

حتى هيئات كبرى مثل الأمم المتحدة وجمعيات معروفة استخدمت هذه التقنية في حملاتها لرفع الوعي حول العنف الجنسي وزواج القاصرات، قبل أن تتراجع لاحقاً بعد انتقادات إعلامية حادة. فوفق متحدث باسم الأمم المتحدة، “تبيّن أن التوظيف السريع للأدوات الجديدة قد يخلّط بين الحقيقة والمحتوى الاصطناعي”، ما دفع المؤسسة إلى حذف أحد الفيديوهات التي تضمّنت شهادات رقمية لضحايا الحرب.
ويأتي هذا ليبرز الإشكالية الأعمق: هل يمكن للنيات الجيدة أن تبرّر استخدام مشاهد ليس لها وجود واقعي؟ أم أنّها تمسّ جوهر الثقة التي يبني عليها الجمهور تعاطفه مع القضايا الإنسانية؟

تختم الاستشارية الإعلامية كايت كاردول حديثها بقولها إن “المعركة من أجل تمثيل عادل لمن يعيشون الفقر لم تعد مع الصور الواقعية فحسب، بل مع الوهم الرقمي الذي يحلّ محلهم”. وتؤكد أن على القطاع الإنساني صياغة معايير شفافة تُحدّد ما يجوز وما لا يجوز في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي.
فالمسألة، في جوهرها، لا تتعلق فقط بتقنيات التصميم أو خفض التكاليف، بل بالكرامة الإنسانية ذاتها. وبينما يسابق الذكاء الاصطناعي الزمن في اقتحام كل مجالات الحياة، يبدو أن امتحانه الحقيقي سيكون في قدرته على احترام الإنسان، لا مجرد محاكاته.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.