ذكاء اصطناعي

قناديل بحر سيبورغ… كائنات نصف آلية لمراقبة كوكبنا الأزرق

ملاذ المدني
ملاذ المدني

3 د

تسعى جامعة كولورادو بولدر لتطوير قناديل بحر "سيبورغ" لمراقبة تغيّر المناخ في المحيطات.

تركيب أجهزة إلكترونية تتحكم بحركة القناديل وتجمع البيانات عن درجات الحرارة والحموضة.

القناديل تُظهر تأقلماً لافتاً مع الأجهزة، مما يسمح بمزيد من الأبحاث دون إضرار.

البحث يوازن بين التطور التكنولوجي وأخلاقيات التعامل مع الحياة البحرية.

في رحلة بحث لا تهدأ عن أدوات أكثر ذكاءً لحماية كوكبنا الأزرق، تسلّط جامعة كولورادو بولدر الضوء على فكرة قد تبدو للوهلة الأولى ضرباً من الخيال العلمي: قناديل بحر نصف آلية أو "سيبورغ" تسبح في أعماق المحيطات، لجمع البيانات حول تغيّرات المناخ العالمي. هذه القناديل المعدّلة توفّر نافذة جديدة لدراسة مناطق يصعب الوصول إليها، وتعد بثورة في رصد ظواهر ارتفاع درجة حرارة المياه وتغيّر نسبة الحموضة في البحار.

انطلق الاهتمام العالمي بأعماق البحار نتيجة دورها المحوري في تنظيم مناخ الأرض، فهي تُخزّن كميات هائلة من الحرارة وثاني أكسيد الكربون وتؤثر بشكل ملموس على الطقس. لكن استكشاف هذه المناطق ظلّ مكلفاً ومعقداً، خاصة مع محدودية التقنيات الحالية وصعوبة إرسال بشر أو حتى روبوتات إلى مناطق مثل خندق ماريانا الشهير. ولهذا السبب، يشكّل توظيف قناديل البحر القادرة على السباحة بسهولة وفعالية في الأعماق خياراً ذكياً وصديقاً للبيئة.

وهنا يأتي الربط بين التطور التكنولوجي والحياة البحرية: فقد أبدعت المهندسة نيكول شو بتركيب أجهزة إلكترونية دقيقة تشبه جهاز تنظيم ضربات القلب، توضع على جسم قنديل البحر الشفاف، لتوجيه حركته عبر تحفيز عضلاته للسباحة. تقول شو إن طموحها لا يتوقف عند التحكم، بل تريد تزويد القناديل بمستشعرات تقيس درجات الحرارة ونسب الحموضة في البحر، وهو أمر بالغ الأهمية في ظل تسارع وتيرة التغيرات المناخية.


لماذا قنديل البحر؟

اختيار قنديل البحر لم يأتِ من فراغ؛ فهذه الكائنات الرخوة تُعرف بقدرتها الهائلة على التأقلم وتوفير الطاقة، ويمكنها التواجد في محيطات العالم كافة، وصولاً لأعماق سحيقة في المحيط الهادئ. وقد أثبتت التجارب الأولية أن هذه القناديل، حين إضافتها للأجهزة الإلكترونية، لا تظهر مؤشرات توتر مثل إفراز مخاط زائد أو توقف التكاثر، ما يمنح العلماء هامشاً آمناً لتطوير الأبحاث.

ومن هذه النقطة تحديداً، تبرز مسألة أخلاقية قد تشغل المهتمين بالبيئة وحماية الحياة البحرية. فالعمل على كائنات بحرية عديمة العمود الفقري مثل قنديل البحر كان يُعد سابقاً أقل حساسية من الجانب الأخلاقي مقارنة بالتجارب على الثدييات، إلا أن بحوثاً حديثة بدأت بمراجعة هذا التصنيف. قناديل البحر لا تمتلك دماغاً ولا مستقبلات للألم كما نعرفها، لكن العلماء، ومنهم شو، يدعون إلى وضع إرشادات واضحة لتعزيز أخلاقيات التعامل مع هذه الكائنات في المستقبل.

وبالعودة للبُعد التقني، فإن توظيف القناديل لتتبع التيارات البحرية وجمع عينات من المحيط ربما يكون أقل تكلفة وأثر بيئي من المعدات الصناعية أو عمليات الغوص البشرية. لتعزيز فهمهم لكيفية تنقل القناديل بهذا الكفاءة، اعتمد فريق شو على تقنيات بصرية جديدة، مثل إرسال شعاع ليزر عبر جزيئات نشا الذرة القابلة للتحلل، لتتبع حركة المياه دون الإضرار بالنظام البيئي المحيط.


تقاطع التكنولوجيا الحيوية والعلوم البحرية

ولعلنا إذا استعرضنا مشهد الابتكارات الحديثة سنجد أن الكهرباء الحيوية أو التقنية البيولوجية ليست فكرة جديدة كلياً. ففي 2018 طوّر باحثون يابانيون روبوتات تحرّكها أنسجة عضلات الفئران، ومؤخراً كشف علماء في اليابان عن طائرات دون طيار تعتمد على مستشعرات شم من يرقات دودة القز. هذه التطورات تعطي أملًا بأن تزاوج تكنولوجيا الإلكترونيات والكائنات الحية سيُحدث نقلة نوعية في تقنيات الاستكشاف ورصد الكوكب.

في الختام، تجسد تجربة قناديل البحر السيبورغ خطوة جريئة نحو مستقبل من المراقبة البيئية الذكية والبسيطة، حيث تندمج صداقة الإنسان مع الطبيعة والتكنولوجيا المتقدمة في فريق عمل واحد. وإذا نجحت هذه المبادرات، فمن يدري، ربما تتحول قناديل البحر من مجرد كائنات تجوب المحيطات بلا كلل، إلى علماء أعماق يرسلون لنا أسرار الأزرق العميق، خطوة بخطوة، للرد على تحديات تغيّر المناخ المتسارعة.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.