ذكاء اصطناعي

هل حاول الفراعنة إخفاءه؟ تابوت عملاق يثير جنون علماء الآثار

ملاذ المدني
ملاذ المدني

3 د

كُشف عن تابوت ملك مجهول في مقبرة ملكية بمدينة أبيدوس المصرية.

الملك المدفون يمثل فترة ضبابية تاريخياً تُعرف بعصر الأسرة الأبدوسية.

الكنوز أثبتت أهمية مدينة أبيدوس كمركز ديني وسياسي للفراعنة.

جهود العلماء مستمرة لكشف هوية الملك الغامض المدفون وصراعاته السياسية.

الكشف يسلط الضوء على ثراء الحضارة المصرية القديمة وأسرارها المدفونة.

صحراء مصر مازالت تأبى أن تبوح بكل أسرارها دفعة واحدة، وهذه المرة تكشف لنا مفاجأة من العيار الثقيل: مومياء ملك مجهول داخل تابوت ضخم ظل مخفياً عن العيون آلاف السنين، في موقع يعد من أقدم وأهم المقابر الفرعونية بالعالم.

في اكتشاف وصفه علماء الآثار بأنه قد يعيد رسم خريطة التاريخ المصري القديم، أعلنت بعثة تنقيب أمريكية بقيادة الدكتور يوسف فيغنر من جامعة بنسلفانيا عن العثور في يناير الماضي على تابوت جرانيت ضخم مُخبأ على عمق يقل عن سبعة أمتار داخل مقبرة ملكية بمدينة أبيدوس الشهيرة، جنوبي مصر، على سفح جبل أنوبيس ذي المكانة الدينية الخاصة لدى المصريين القدماء.

هذه المفاجأة قُدمت حديثاً في بيان علمي مفصل نُشر أواخر مارس، وأكد الباحثون أن التابوت العملاق هو الأضخم من نوعه حتى الآن بين مقابر الملوك الذين حكمو مصر العليا في فترة غامضة تُعرف بعصر "الأسرة الأبدوسية" أو الحقبة الانتقالية الثانية، وهي سنوات كانت فيها البلاد منقسمة وضعيفة. وهو ما يجعل الاكتشاف ثروة أثرية هائلة، فلطالما أثارت هذه المرحلة الفضول بسبب شُحّ النصوص المعاصرة وكثرة الفجوات في تسلسل السلالات الملكية.

ننتقل الآن للغموض الأكثر إثارة: المدفون داخل التابوت الضخم مجهول تماماً حتى اللحظة. فاللصوص القدامى، على ما يبدو، سبقتهم أيديهم إلى المقبرة وطمسوا النقوش الهيروغليفية عند المدخل، ما كان له أكبر الأثر في طمس اسم الملك نهائياً، الأمر الذي ربما كان متعمداً ضمن الصراعات على السلطة آنذاك. وفي استمرارٍ للمفاجآت، لم يعثر العلماء على أي بقايا هيكلية مميزة تؤكد الهوية، ليبقى الغموض سيد الموقف.

ومع غياب اسم الملك، تشير قرائن أثرية هشة إلى احتمال أن يكون المدفون أحد الشخصيات الغامضة مثل الملك سنايب أو الملك باينتجيني، المعروفين فقط في سجلات مكسورة ومكملة بصعوبة من البرديات والقطع الأثرية المبعثرة. لكن الباب يبقى مفتوحاً على احتمال أكثر خطورة: أن صاحبه ملك غير مدون في أي قائمة رسمية مصرية، وربما يكون مؤسس هذه السلالة المفقودة.

تكمن أهمية الاكتشاف أيضاً في عمق الدلالة على قيمة موقع أبيدوس نفسه، أحد أقدم عواصم الملوك في تاريخ وادي النيل. اعتبر المصريون القدماء هذه المدينة مقبرة مقدسة مرتبطة بأسطورة الإله أوزيريس، حتى تحولت إلى "مدينة الموتى" التي دفن فيها حكام دول عدة عصور، من الأسرات الأولى إلى العصور المتأخرة.

إذاً، من المتوقع أن يعيد هذا الاكتشاف رسم حدود أسر حاكمة كاملة، إذ تدل هندسة المقبرة واللوحات الملونة التي بقيت في الرسم أنها تعود إلى أوائل عصر الأسر الأبدوسية، وربما تسبق مقبرة الملك سينيب كاي التي كانت حتى وقت قريب الوحيدة المعروفة باسم صاحبها من هذه الأسرة.

ولا يمكن تجاوز حقيقة مدهشة: أن الملك المدفون هنا، كما معظم ملوك أبيدوس، لم يرد ذكره قط على القوائم الرسمية للملوك التي دونتها الدولة المركزية لاحقاً في عهد توحيد البلاد من جديد، لأسباب سياسية أنتجها المنتصرون آنذاك. ويؤكد هذا ما يشدد عليه علماء المصريات اليوم – مثل البروفيسور لوريل بيستوك من جامعة براون د – بأن السجلات التاريخية الرسمية بعيدة كل البعد عن الحياد، فهي ببساطة كُتبت لخدمة رواية المنتصر.

ذو صلة

ينقلنا كل هذا إلى مغزى الاكتشاف الممتد: فكل تابوت أو مقبرة يرجع تاريخها إلى حقبة الأسر التي طُمست عمداً، يفتح نافذة جديدة لفهم الطقوس الجنائزية، وتنوع الهندسة الجنائزية، والتسلسل الحقيقي للأسر الحاكمة، ويحفز الباحثين على إعادة استكشاف أكثر من 100 ألف متر مربع من رمال أبيدوس باستخدام تقنيات كشف حديثة مثل الرادار الأرضي والمجسات المغناطيسية، بحثاً عن عشرات القبور الملكية الجديدة التي يظن أنها مدفونة بلا أثر ومرئية فقط على خرائط المستقبل الأثرية.

وهكذا، مع كل كشف أثري جديد تحت رمال أبيدوس، تزداد خيوط قصة مصر القديمة تعقيداً وتشويقاً. سواء بدأ العلماء في كشف هوية هذا الملك الغامض أم بقي اسمه مطموساً في الصخر، يبقى الأكيد أن ما حدث يضيء عهداً غامضاً من تاريخ وادي النيل ويثبت أن الأسر الفرعونية التي حاول التاريخ الرسمي تعتيمها لا تزال قادرة على العودة بقوة إلى دائرة الضوء والتحقيق.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة