القصة الكاملة حول القردة الرقمية: من وراء هذه الفكرة وكيف تم جني الملايين من تلك الرسومات البسيطة؟!

ناصر داخل
ناصر داخل

5 د

في اليوم الرابع من شهر فبراير الماضي، تم الكشف عن هوية مؤسّسي القردة الرقمية، أو كما تعرف بالقردة الضجرة "Bored Apes" وهي مجموعة من الصور الكرتونية لقردة والتي يتم بيعها في صيغة رموز غير قابلة للاستبدال (NFTs). فرأينا المشاهير وأصحاب الثروات يقومون بإنفاق ملايين الدولارات على تلك القردة، فلا بد أنك قد رأيت صورهم في مكان ما على الإنترنت إذ أصبحت هذه الصيحة في كل مكان وانفجرت بشكل مفاجئ، فما هي قصة هذه القردة وماذا يستفيد منها مالكوها؟


بدايات ظهور القردة الرقمية

تم إطلاق عشرة آلاف رمز غير قابل للاستبدال على شبكة إيثيريوم في شهر أبريل من عام 2021 من قبل مجموعة من الأشخاص تعرف باسم Yuga Labs، وكانت هذه الرموز صور كرتونية لقردة بأشكال مختلفة تمّ توليدها عشوائيًّا، وتشكلت هذه المجموعة في البداية من أربع أشخاص مجهولي الهوية ويعرف هؤلاء الأشخاص بأسماء مستعار، وهي: غارغاميل وجوردن جونر وإمبيرور تومايتو كاتشاب ونو ساس.

الفكرة من هذه الرموز كانت واضحة للغاية، اشترِ صورة لقرد بقيمة 0.08 إيثر (ما قيمته 160$ آنذاك)، وكن عضوًا في نادي يخوت القردة الضجرة Bored Apes Yacht Club اختصارًا BAYC -الاسم طويل بعض الشيء، لذا سندعوها بالقردة الرقمية في مقالنا- وكونك عضوًا في هذا النادي يمنحك بعض الميزات بالإضافة للملكية الكاملة على حقوق هذه الصورة.

تم تصميم القردة الرقمية عن طريق رسم أجزاء الصورة بشكل منفصل عن بعضها كمكونات (شكل الفم والإكسسوارات والملابس ولون الخلفية) وتوليد عشرة آلاف صورة فريدة منها عن طريق المزج العشوائي فيما بينها. رأى المستثمرون في هذه الفكرة إمكانيات كبيرة مشابهة لفكرة CryptoPunks التي تم إطلاقها في عام 2017، لذا سرعان ما بدأت هذه القردة بالنفاذ وتمّ شراء كامل الكمية (بسعر 0.08 إيثر للرمز الواحد) ويقدر عدد مالكي القردة الرقمية بستة آلاف عضو تقريبًا (إذ يمتلك البعض العشرات منها)، وبدأت المزايدات عليها ضمن منصة OpenSea.


صورة لبعض من القردة الرقمية واسعارها

شهرة القردة الرقمية والتبني الواسع لها

الآن وبعد فهمك للموضوع، قد تتساءل مستغربًا لمَ تُباع إذًا هذه القرود بأسعار فلكية إن كان السعر المبدئي لها 0.08 إيثر فقط! في الحقيقة نستطيع اختصار السبب بكلمتين فقط "حلقة مُفرغة" إذ بعد نفاذ كمية القردة مبدئيًّا، بدأ مالكوها الجدد بزيادة أسعارها، تم شراء هذه القردة بالسعر الجديد وزيادتها مجددًا، وهكذا دواليك إلى إن انتهى بنا المطاف هنا، بالإضافة إلى أن القردة الرقمية متفاوتة الندرة.

لك أن تتخيل أرباحك وقيمة ما تملكه الآن إن قمت بشراء قرد رقمي واحد عند الإطلاق (160$ تقريبًا)، إذ إن أقل القرود تكلفة الآن ثمنها 4,460 دولارًا وأكثرها ثمنًا 109 مليون دولار تقريبًا. كنتيجة لذلك، سرعان ما أصبحت هذه القرود دلالة على ثراء الشخص على الإنترنت، وأصبحنا نلاحظ عشرات المشاهير يشترونها بأسعار غير معقولة.

تضمنت قائمة مالكي القردة الشهيرين جاستن بيبر وجيمي فالون وبوست مالون ونيمار وإيمنم وسنوب دوغ وغيرهم الكثير، مما استدعى انتباه كبرى الشركات بكون هذه الصيحة مربحة تجاريًّا إذ تعاون مطوّروا القردة الرقمية مع العديد من الشركات الشهيرة مثل أديداس ومجلة Rolling Stone وغيرها.


بعض المشاهير بجوار قردتهم الرقمية

بعد أن لاحظ مطوّرو القردة الرقمية نجاحها تم إصدار مجموعة جديدة من القردة (10 آلاف) مبنية على القردة الرقمية الأصلية وسميت بالقردة الضجرة المتحوّلة Mutant Bored Apes، وتم منحها بالمجان لمالكي القردة الأصلية الموافقة لها.

صورة لأحد القردة الرقمية المتحولة

ليست مجرد صورة لقرد، بل عضوية لنادي!

يعتقد معظم الأشخاص أن شراء الرمز غير القابل للاستبدال هو لمجرد الحصول على حقوق الصورة، بينما الأمر في الحقيقة أكبر من ذلك. إذ بامتلاكك قردًا واحدًا على الأقل تصبح عضوًا في نادي القردة الرقمية هذه وتكسب الوصول إلى العديد من المزايا والتجمعات المميزة بالمجان.

إحدى هذه المزايا هي السماحية بالوصول لدورة المياه الخاصة بالنادي، وهي عبارة عن لوحة رسم تفاعلية تمكّن كل عضو من أعضاء النادي بوضع بيكسل واحد على اللوحة كل 15 دقيقة، بشكل مشابه للوحة رسم ريديت التفاعلية.


لوحة الرسم التفاعلية الخاصة بأعضاء نادي القردة الرقمية

لا تقتصر مزايا عضوية هذا النادي العجيب على الإنترنت والحياة الافتراضية بل تمتد إلى الحياة الواقعية، إذ يوجد تجمع لأعضاء النادي ضمن مكان مخصص في مدينة ميامي الأمريكية ولكن لم يتم إطلاق النادي بعد، وهو جزء من خطة تحتوي على الكثير من الفعاليات والمزايا للأعضاء وتم نشرها على شكل خريطة من الحساب الرسمي للمطورين باسم Roadmap 2.0.

نلاحظ الكثير من الخطط المستقبلية القادمة، وتجدر الإشارة هنا إلى أن التفاصيل ما زالت محدودة بخصوص هذه الخريطة إلا أن المرحلة الأولى من الخريطة تم تنفيذها وهي احتفال بالمجان لمالكي القردة الرقمية في مدينة نيويورك. وما زال هناك المزيد قادمًا مثل لعبة فيديو مبنية على الرموز غير القابلة للاستبدال، ومجسمات ثلاثية الأبعاد متوافقة مع تطبيقات الواقع الافتراضي (مثل الميتافيرس) بالمجان لكل عضو من النادي.


احتفال لمالكي القردة الرقمية في نيويورك

هوية المؤسسين

سواءً أحببت هذه الصيحة وتظن أنها عبقرية أو تكرهها وتنظر إليها بكونها ضربًا من الجنون، فلا يمكنك إنكار أنها حققت نجاحًا باهرًا سواءً بخصوص تبنيها واسع النطاق أو مرابحها الاستثمارية، مما يطرح السؤال: من هم الأشخاص خلف هذه الرموز؟ كان الجواب لهذا السؤال سابقًا "لا نعلم عنهم أي شيء، سوى أسمائهم المستعارة الطفولية!".

لكن هذا الأمر تغيّر مؤخرًا إذ تم الكشف عن هوية مؤسسَين من مؤسسي القردة الرقمية ألا وهما غريغ سولانو باسمه المستعار جوردن غونر وويلي أرونو باسمه المستعار جارجاميل، وهما في بدايات الثلاثينيات. أكد الأشخاص المذكورون هويتهم كمؤسسي الحركة هذه عبر تغريد القرد الرقمي الخاص بهم بجانب صورتهم الحقيقية. 


مؤسسين القردة الرقمية
ذو صلة

ووضح المؤسسون لاحقًا في مقابلة مع CoinDesk أن كلاهما (أرونو وسولانو) كانا مهتمين بمجال البلوكشين والرموز غير القابلة للاستبدال وأرادا إنشاء مجموعة وبيعها، ووظفا رسامًا مستقلًا لرسم الشخصيات ومن ثم تشارك الاثنان مع مهندسَين بصفتهما مؤسسين مساعدين لإطلاق هذه الرموز. وهما الشخصان المجهولان حتى اللحظة باسم نو ساس وإمبيرور تومايتو كاتشاب.

ما رأيك بصيحة القردة الرقمية؟ هل تعتقد أنها ضربٌ من الجنون ووسيلة لغسيل الأموال كما يعتقد البعض أم أنها صيحة ذكية وبداية لطريق طويل يحتوي على الكثير من التطبيقات في مجال البلوكشين والرموز الرقمية غير القابلة للاستبدال؟ شاركنا برأيك!

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّة واحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة
متعلقات

الكشف عن أسرار مصدر نهر النيل الذي كان لغزاً لآلاف السنين!

ظلّ مصدر نهر النيل لغزاً لآلاف السنين.

لنهر النيل مصدران رئيسيان: النيل الأزرق من إثيوبيا والنيل الأبيض من البحيرات الأفريقية الكبرى وما وراءها.

حاولت العديد من الحضارات البحث عن مصدر النيل، لكن نظام النهر المعقّد يجعل من الصعب تحديد أصل واحد.


يعتبر نهر النّيل من أطول الأنهار في العالم وأحد أهم الأنهار في مصر والمنطقة العربية. ومنذ القدم، كان مصدر المياه الذي ينبعث منه النّيل يثير اهتمام المصريّين القدماء، وحتى الآن لا يزال هذا السؤال غامضاً ولا يحمل إجابة واضحة. على الرّغم من التقدّم التكنولوجي والمعرفة الجيوفيزيائية، لا يزال أصل النّيل لغزاً حتّى يومنا هذا.

في حين أنّ الإجابة البسيطة هي أنّ للنيل مصدرين رئيسيّين -النّيل الأزرق من إثيوبيا والنّيل الأبيض من البحيرات الأفريقيّة الكُبرى وما وراءها- فإنّ منشأ النّيل أكثر تعقيداً ممّا يبدو.

حاول الرّومان القدماء العثور على منبع النّيل، وبمساعدة المرشدين الإثيوبيين، توجّهوا عبر إفريقيا على طول نهر النيل إلى المجهول. على الرغم من أنّهم وصلوا إلى كتلة كبيرة من المياه كانوا يعتقدون أنّها المصدر، إلا أنّهم فشلوا في النّهاية في حلّ اللغز.

قبل الرّومان، حرص المصريّون القدماء معرفة أصل النّيل لأسباب ليس أقلّها أنّ حضارتهم كانت تعتمد على مياهه لتغذية ترابهم وتكون بمثابة طريق مواصلات. فتتبّعوا النهر حتّى الخرطوم في السّودان، واعتقدوا أنّ النّيل الأزرق من بحيرة تانا، إثيوبيا، هو المصدر. وقد كانت رؤية النيل الأزرق على المسار الصحيح، ولكن لا يوجد دليل على أنّ المصريين القدماء اكتشفوا القطعة الرئيسية الأخرى في هذا اللغز؛ النيل الأبيض.

واليوم، تمّ الاتّفاق على أنّ للنيل مصدرين: النّيل الأزرق والنّيل الأبيض، يلتقيان في العاصمة السّودانية الخرطوم قبل أن يتّجه شمالاً إلى مصر. يظهر النّيل الأزرق من الشّرق في بحيرة تانا الإثيوبيّة، بينما يظهر النّيل الأبيض من حول بحيرة فيكتوريا يخرج من جينجا، أوغندا. ومع ذلك، حتى هذه المصادر هي أكثر تعقيداً ممّا تبدو عليه لأول مرة.

يوضّح المغامر الشهير السير كريستوفر أونداتجي أنّ بحيرة فيكتوريا نفسها عبارة عن خزّان تغذّيها أنهار أخرى، وأنّ النّيل الأبيض لا يتدفّق مباشرة من بحيرة ألبرت ولكن من نهر كاجيرا ونهر سيمليكي، اللّذان ينبعان من جبال روينزوري في الجمهورية الكونغو الديمقراطية. في نهاية المطاف، كما يجادل، يمكن تتبّع النّيل الأبيض مباشرة إلى نهر كاجيرا ونهر سيمليكي.

في الختام، ليس لنهر النّيل مصدر واحد، بل يتغذّى من خلال نظام معقّد من الأنهار والمسطّحات المائية الأخرى. في حين أنّ الفكرة اللّطيفة القائلة بإمكانيّة تحديد المصدر بدقّة على الخريطة هي فكرة جذابة، إلّا أنّ الحقيقة نادراً ما تكون بهذه البساطة.

حتى اليوم، لا يزال مصدر النيل لغزاً يثير إعجاب النّاس في جميع أنحاء العالم.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّة واحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

متعلقات