تريند 🔥

🤖 AI

أن ترى الموسيقى والأحرفَ بالألوان: ماذا تعرفُ عن ظاهرة السينيستيزيا؟

السينيستيزيا
رُواء سيد
رُواء سيد

5 د


ما سيكون مُفاجئًا حقًا هو العثور على أنّ الصوت لا يُمكن أن يُشيرَ إلى لون، أو أن الألوانَ لا يُمكنها استحضار لحنٍ ما..

- الشاعر الفرنسيّ تشارلز بودلير

ما هو لونُ الأربعاء بالنسبة إليك؟ سؤالٌ غريب، أليس كذلك؟ ولكن ماذا لو أخبرتك أن هُناك من يرون الأربعاء باللون الأزرق كلما جاءت سيرته؟ 

هل سبق وأن وجدتَ نفسك تُعطي لكل حرفٍ من حروفِ الهجاءِ لونًا مُحددًا متى ما وقعت عيناك عليه؟ كأن ترى دومًا الواو مُلونةٌ بالبرتقاليّ أو الميم بالقرمزيّ. أو هل سبقَ وأن استمعت لسيمفونية من سيمفونيات بيتهوفن وإذ بمزيجٍ من الألوان المُتداخلة تراها أمامك؟ 

إن سبق وعشتَ تجرُبةً مُشابهة فلا داعي للقلق، عزيزي القارئ، فأنتَ لستَ وحدك ومرحبًا بكَ في عالمِ السينيستيزيا أو الحسّ المُرافق. 


ما هي ظاهرة السينيستيزيا؟

ظاهرة السينيستيزيا هي ظاهرةٌ إدراكيّة يؤثر فيها مسار حسيّ على آخر، وبكلماتٍ مُبسطّة أكثر؛ هي عندما يتمّ تنشيط إحساسٍ ما "كالسمع" في الدماغ البشريّ وفي نفسِ اللحظة يُنشّط إحساسًا آخر غير مُرتبط به، كالرؤية. ولكن السؤال الذي يلحّ في طرحِ نفسِه هُنا، هل يعدّ هذا نعمةً أم نقمة؟

تُشير الأبحاث أنّ هذه الظاهرة تُعزز قُدرة صاحبها على الإبداع والتذكر، فعلى سبيل المِثال يُمكنهم تذكّر أسماء الأشخاص والأماكن أكثر من غيرِهم. وأفاد بعض مُعايشي هذه الحالة أنهم لم يُدركوا أنّ تجاربهم تلك كانت غير مُعتادة حتى اكتشفوا أنّ من حولهم لا يختبرونها مثلهم، بينما قال آخرون أنهم أبقوا الأمرَ سرًا طُوال حياتهم وكأنهم يمتلكون قُوىً خارقة ولا يُريدون لأي شخص أن يعرفَ عنها.

ويؤكد طبيب الأمراض العصبيّة جيمي وارد أنّ ظاهرة السينيستيزيا تُعتبر سمةً جينية مثل أن تمتلكَ عيونًا زرقاء أو شعرًا أسود، وأنها تبعُد كل البُعد عن كونها مرضًا عصبيًّا. وهذا تحديدًا ما يأخذنا للتساؤل عن الأسبابِ الكامنة وراء هذه الظاهرة.

في بحثٍ نُشر في مجلة Healthline، يفترضُ العديد من الباحثين أنّ ظاهرة السينيستيزيا تتطور أثناء مرحلة الطفولة المُبكرة، عندما ينخرط الأطفال داخل المفاهيم المُجردة بمختلف أشكالها للمرّة الأولى، وهذا ما يجعل للجينات دورًا ضخمًا في اعتبارها من أحد أسباب تلك الظاهرة. إلا أنّ هذا لا يعني بالضرورة أنّه إن كانت الأم تربُط مثلًا بين اللون الأخضر وحرف الـ F أن ابنتها ستحبو على خُطاها تمامًا.


أنواع السينيستيزيا: بين الشُهرة والنُدرة

يقول الباحث في الأمراض العصبية ريتشارد سيتويك في كتابِه ”Wednesday is indigo Blue“ :


نظرًا لأن الكثيرين لم يسمعوا من قبل بظاهرة سينيستيزيا، فواحدٌ من أوائل الأسئلة التي تخطُر على بالهم هو ما مدى شيوع هذه الظاهرة؟

تُشير الإحصائيات أنّ ظاهرة السينيستيزيا أصبحت شائعةً بشكلٍ ملحوظ عن السابق، وأنّ حوالي 5% من البشريّة مُصابون أو بالأحرى مُنعَمون بها، ومن بينهم 16 مليون شخص في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها.

ونظرًا لأننا نتكلم عن ظاهرةٍ يُمكنها أن تجمع بين أكثر من حاسّة في الوقتِ نفسه، وبما أن هُناك العديد من الحواسّ، فهُناك في المُقابل أكثر من 60 نوعًا مُختلفًا لهذه الظاهرة، وسأستعرضُ معكُم الآن ثلاثةً منهم بالتفصيل:


 Grapheme-color-synethesia

يُعد هذا النوع من أكثر الأنواع شيوعًا، حيث ترتبطَ الأحرفَ والأرقام بألوانٍ مُعينة في كل مرةٍ يقرأ صاحبها كتابًا أو يقوم بحلّ مسألة حسابية. وعلى الرغم من أنّ هذه الظاهرة قد تختلفُ من شخصٍ لآخر إلا أنّهم يجتمعون مثلًا على أنّ حرف الـ A يبدو باللون الأحمر.

Synthesia

وفي مشروعٍ قامت به فتاتان مُصابتان بهذا النوع من السينيستيزا لنشرِ الوعيْ بهذه الظاهرة أكثر، برزت الأحرفَ بألوانها وأشكالها المميزة كما تنعكسُ في مرآة أعينهم وكما يرونها تمامًا.


 Chromesethia

ويأتي في المرتبة الثانية من حيث الشيوع نوع الـ Chromesethia حيث ترتبط هُنا الأصوات مع الألوان، سواءً أكانت أصواتٌ تسمعها بشكلٍ يوميّ، كنباح الكلب أو عندما يدق أحدهم على الباب، أو كانت تتمثل في نغماتٍ موسيقية، فإذ بصوتِ الجيتار لا يُداعب أذنيك فقط، بل وعينيك أيضًا، فتبدأ عيناك برؤية بطشاتٍ من الألوان المختلفة مع انسياب النغمات، وكأنها أطيافٌ ملونة تظهر مع علوّ الصوت وتتلاشى مع انتهائه.


 Ordinal-linguistic-synethesia 

وأخيرًا، يأتي الدور على أكثر أنواع الظاهرة نُدرةً، حيث ترتبط هذه المرّة التسلسلات عامةً؛ مثل أيام الأسبوع وأشهر السنة وفصولِها بسماتٍ شخصية مُحددة، وفي أكثرِ الأحيان من يمتلك هذا النوع يكون مُمتلكًا للنوعين اللذين ذكرناهما من عدّة أسطُر. وقد يجعلك هذا النوع ترى شهر ديسمبر على أنه رجلٌ مسنّ أو أن ترى يوم الإثنين كصبيٍ مُراوِغ.


Type of synthesia

الفنانون والسينيستيزيا: بين الإلهام والإبداع

والآن، لن يبدو غريبًـا إن أخبرتكم أنّ مُعظم الأشخاص المُصابين بهذه الظاهرة من الأدباء والفنانين، حيث ساعدتهم السينيستيزيا على تتويج مواهبهم وتعزيز إبداعاتهم، وخلق بوتـقة خاصةً بهم تنفجرُ من خلالها أحاسيسهم المختلطة بالألوان والنغمات بكل سلاسةٍ وانسيابيّة.


 فلادمير نابوكوف

يُعتبر الأديب الروسيّ نابوكوف من أوائل من ظهرت السينيستيزيا في أعمالِهم بشكلٍ واضحٍ على الرَغم من عدم ظهورِ الاسم العلميّ لها حينها، فيقول نابوكوف في روايته Lolita:


كل الألوان جعلتني سعيدًا، حتى الرماديّ، وكأن عينايْ تلتقطُ صورًا بطريقةٍ سحريّة وغير مفهومة لكل لونٍ يمرّ عليها..


كاندينسكي

ولن ينتقلَ بنا قطار المقال من محطّة روسيا بعد، فإذ بالرسّام الروسيّ كاندينسكي يُنادينا. في تجربةٍ استثنائية قدمتها Google Arts & Culture عام 2016 تحت عُنوان

Play a kandinsky“ أخذتنا في جولةٍ تفصيلية إلى لوحةِ ”Yellow-Red-Blue“ التي تألق فيها كاندينسكي، وتُوضح لنا السرّ وراء تألق هذه اللوحة وهو أنها رُسمت من خلال ربطه لكل نغمةٍ من نغمات الموسيقى المختلفة بلونٍ ما في عقله، ومن ثمّ وجد نفسه يعكسه على لوحته البيضاء الناصعة. ليُخرجَ لنا تُحفةً فنية مُمتدة الأطراف، تأسرك منذ اللحظة الأولى وتغوص بك في أعماقِها، ولعلّ هُنا تمامًا يقبع سحر السينيستيزيا.

*Yellow-Red-Blue*


بيلي آيليش

وننتقل هذه المرّة حقا من روسيا إلى ضواحي كاليفورنيا حيث أعلنت المُغنية الشابة بيلي آيليش أنها تحمل السينيستيزيا معها في كل مكانٍ منذ الصِغَر وتقول: 


كل شخص أعرفُه له لونُه وشكلُه ورقمُه الخاصّ في رأسي، ولكن هذا طبيعيّ بالنسبة لي.

وتحدثت آيليش بمزيدٍ من التفصيل في برنامج The Tonight show قائلة:


إنه أشبه بشيءٍ ما في عقلك يُمكّنك من ربط الأشياء العشوائية ببعضها البعض، على سبيل المثال، كل أغنية ألفتها تمتلك لونُها الخاصّ والمميز.


Billie eilish and synthesia

فهل كانت السينيستيزيا إذًا العامِل الخفيّ وراء نجاح كل من نابوكوف وكاندينسكي وآيليش وغيرهم الكثير والكثير من المُبدعين؟ وهل استطعت يا عزيزي القارئ أن تجدَ قطعتك المفقودة التي لطالما بحثت عنها؟ في المرّة القادمة عندما يخبرك صديقُك أنه يشعُر بأن هذه الأغنية تبدو له مزيجًا بين الأخضر والبنفسجيّ، تمهّل قبل أن تنعته بالمجنون فرُبما ما هو إلا كاندينسكي جديد!

المراجع:

ذو صلة

1، 2 ،3، 4، 5

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة