د. فادي عمروش
د. فادي عمروش

د

لم يَعشق الناس تصديق المؤامرات

لا نستطيع معشر البشر تقبّل أن تجري الأمور دون معرفة أسبابها، وعوضاً عن الاعتراف بأنّ ما يجري قد جرى لسبب لا نعرفه أو بالصدفة أو العشوائية، نميل لاختلاق أسباب ليرتاح الدماغ، وفي خضمّ ذلك تكون نظرية المؤامرة من أسهل الإختلاقات لأنها تفسر الأمور بشكل مريح نفسياً جداً.

إذا تأخر شخص على موعد بالصدفة البحتة بسبب تأخر الباص مثلاً، لا يمكننا أن تقبل بذلك مرور الكرام، سنفكّر مباشرة أنّه قد تعمّد التأخر لإظهار قلة الاحترام لنا، أو أّنّه خطط لذلك مسبقاً، أو أنّ هناك رسالة ودافع خفي لذلك، وسنختلق مسببّات تتناسب مع ما نؤمن به، وسنجد كل ما يؤيد ذلك لأننا سنتجاهل عن عمد كلّ المعلومات الأخرى.

هناك تجربة رائعة في هذا السياق، تم الطلب من مشاركين ارتداء قميص مميز ومن ثمّ يدخل لقاعة بها عشرات الطلاب، سألوا كل مشارك قبل التجربة، هل تعتقد أن الناس سيلاحظون قميصك المميز اللافت؟ فأجابهم بثقة نعم سيلاحظ الجميع ذلك وسيركزون على ما ألبسه، وعلى الصورة عليه، واقتنع بذلك ولربّما تأثر أداؤه بسبب ذلك، بعد المحاضرة تم سؤال الحضورعمّا اذا لاحظوا شيئاً ما مختلف فكانت النتيجة أنّهم لا ينتبهوا للقميص ولصورته، ولم يعيروه أي اهتمام كما تخيّل الشخص.

تخيّل كم مرة أخبرت نفسك ان الناس ستنتيه لقميصك غير المكوي مثلاً، وبنيت ردّات فعل على ذلك، وحقيقة الأمر انّهم لم ينتبهوا .. ؟

بالعودة لنظرية المؤامرة، فهي موجودة عند كل الشعوب، وتزداد كلما قلّت الحقائق والمعلومات الصحيحة عند الشخص، و كلّما زاد الضعف وفقدان السلطة والسيطرة في حياته، وكلّما ضعفت الثقة مع الآخرين، وطبعاً كلّما قلّ العلم. إذا كنت عالماً فسيكون بديهياً لك أن الإنسان قد وصل للقمر، ولكن إذا لم تكن عالماً فسيكون من الصعب تصديق ذلك، والأسهل طبعاً تصديق أنّ ذلك الفلم قد تم تصويره في الصحراء.

لا يستطيع الانسان تقبل الأحداث العشوائية على أيّة حال، إذا أرسلت السيرة الذاتية لعشرة شركات، وتمّ دعوتك بالصدفة لمرة واحدة، ستقوم بتحليل أسباب ذلك، ولن تقبل أبداً أنّ الصدفة سبب ذلك. لا يتقبل الشخص الاقتناع أنّ طفرة أدت إلى نشوء فيروس رغماً أنّ ذلك بديهي لدى الأطباء، لذلك يريد آلية سهلة لربط الأسباب بالنتائج، من الأسهل الاقتناع أنه تم تصميمه في مختبر، او أنّه مؤامرة من الصين إذا استفادت الصين، أو من أمريكا إذا استفادت أمريكا، وأنّه وسيلة حرب فهذا أكثر راحة نفسياً، وخاصة إذا كان أول مرة يسمع بكلمة طفرة أصلاً.

إنّ عدم تقبّل الأحداث العشوائية وعدم تقبّل أنني لا اعرف السبب، يجعلني أخلق علاقة سببية فاشلة لأنه لا أتجرأ على قول لا أعرف، لا أدري، قد تكون مجرّد صدفة وعشوائية!

في نهاية المطاف، تمنح نظريات المؤامرة الأمان للناس فهم يرتاحون بأنّهم يعرفون تفسير كل شيء، وبأنّهم مستهدفون فهم ضحية لكل مصيبة وحادثة، وهذا يريحهم من عناء العمل والإنجاز والأهم من عناء تحمّل مسؤولية عمّا يحدث، كلّما ركنت لنظريات المؤامرة تذكّر أنّها مخدّر لكي لا تنجز المهام المطلوبة منك ولكي تؤجل العمل ربّما.

هذه التدوينة لا تنفي وجود المؤامرات على أيّة حال فهي ليست مؤامرة مني لنفي المؤامرة فاقتضى التنويه.