د. فادي عمروش
د. فادي عمروش

د

ابحث عن المغزى وليس الشغف

يطالعنا الشغف كثيراً هذه الأيام، وكثيراً ما وقعت بفخ ذلك سابقاً، وخاصة عبارات حماسية مثل اعمل ما تُحب، اتبع شغفك، اتبع قلبك، الحياة أقصر من أن تعمل في مهنة لا تحبّها، اترك عملك وتحوّل ليوتيوبر ! اترك عملك وتحوّل إلى مدوّن .. الخ

لم أسمع أحدهم يقول تركت عملي وتحوّلت لدراسة الطب، ونادراً ما رأيك شخصاً حوّل مهنته من الاقتصاد للصيدلة مثلاً، أو أنّ شخص قرر ترك عمله لإكمال الدكتوراه مثلاً، رغم وجود الأمثلة السابقة التي أعرفها شخصياً، ولكنها لا تعلن عن ذلك لأنها لا تريد جمع اعجابات وهمية، ولا تعتبر نفسها قصة نجاح ربّما.

على أيّة حال، أعتقد أنّ ربط النجاح بالمرح والتسلية والشغف هو أمر مبالغ به، ومن الضار أيضاً التركيز دوماً على أنّ النجاح يتعلق فقط بالطموح والشغف فحسب، وأن الحل سحري وبسيط وهو أن نعمل ما نحب ، فذلك برأيي تبسيط هائل، إذ يتطّلب النجاح قبل كل شيء في أي مجال (الدراسي، المهني ..) عملاً هائلاً، وبذل جهدٍ هائلٍ، وهذا يتطلب تعباً وألماً وليس فرحاً وسروراً.

لا يكفي أن تحبّ اللغة الصينية مثلاً وأن تعشق دراستك في الترجمة كي تتعلم اللغة الصينية، بل عليك أن تبذل جهداً مستمراً مثابراً لسنواتٍ حتى تصل لاتقانها، ولو ركزنا فقط على توزيع الابتسامات وتبسيط الأمور فنحن نقدم حبوباً مخدرة للشباب.لا يكفي أن يكون حلمك أن تكون باحثاً علمياً، وشغفك بأن تكون مدرّساً جامعياُ لاجتياز مرحلة الدكتوراه مثلاً.

وهنا يحضرني مغالطة التحيّز للنجاة أو انحياز البقاء، وهي مغالطة منطقية تقوم بالتركيز الأشخاص أو الأشياء التي “نَجت” من عملية ما والتغاضي سهوًا عن التي لم تنجُ بسبب قِلَّة وضوحها. يؤدي ذلك إلى التركيز على النماذج الناجحة فقط، مما يؤدِّي إلى عدم الدقة في الحُكم على الأمور، فقد تظن أن القيام بعملٍ ما هو أمر سهل للغاية فقط لأنك لم تسمع بكل أولئك الذين فشلوا فيه.

أن تعمل ما تحب، وأن يكون لديك شغف، وأن يكون لديك الإمكانيات والقدرة على تنفيذ ما تحب، أن تتوفر الجينات اللازمة والمواهب الطبيعية هي أمور هامة طبعاً، ولكن التركيز عليها فحسب، وجعلها الأساس وتجاهل ضرورة بذل جهد هائل وعمل مثابر لن يقود إلى شيء في نهاية المطاف.

يجب ربّما أن يكون هناك موازنة بين الشغف والإمكانات و الجهد المطلوب، وربّما يجب استبدال الشغف بالمغزى أو الهدف، مغزى ما تقوم به أصلاً. المغزى هو الذي يجعلك تضحي أو تعاني في سبيل الوصول لما تريد وليس الشفف والحب، المغزى هو الذي يجعلك تتقبل التعب والألم ، وليس الشغف.

الشغف مفيد ولكن من الضار جعله الاساس لانك لا تستطيع التحكم به، خذ على سبيل المثال ممارسة الرياضة من أجل الصحة، اذا كنت شغفاً بالرياضة فستمارس الرياضة كل يوم، ولكن اذا لم يكن لديك الشغف فلن تمارس الرياضة وعليه سيضرّ ذلك صحتك.

اذا حوّلت الموضوع للمغزى والهدف، فاللعبة تغيّرت، لا تحتاج للشغف وحب نادي الرياضة لكي تلعب الرياضة، تحتاج لمغزى وهدف ، انت تلعب الرياضة لانك تريد المحافظة على حياتك الصحية ولكي تقلل الامراض قدر الامكان في المستقبل، هذا المغزى بعيد المنال، وهو الذي يدفعك لايجاد مكان للرياضة والتألم حين الذهاب، وليس من الضروري أن تحب الرياضة اصلا ولكن وجود مغزى هو الذي يجب ان يدفعك لممارستها.

يمكنك اسقاط ذلك على أي شيء آخر، فقد تضطر للعمل في مهنة لا تحبها لأنّه لديك هدفاً ومغزىً للانتقال لمشروع آخر تعمل عليه، ولكنك بحاجة لغطاء مادي،فأنت تتألم في سبيل هدفك، وليس تعمل على ما تحبّه فحسب.

وكما قال وليام جيمس:

الألم هو مفتاح الإبداع وطريق العبقرية