
ما هو تعريف السلام
في عالمنا هذا، عالم البشر الذي يضجُّ بالمثاليات والعقائد والرغبات، نرى صراعًا أزليًّا يشتعل في كل زمانٍ ومكان، تهتف فيه جهات وحضارات بأنها وصلت للسلام المنشود...، ولكن كيف لنا أن نعترف بوجود سلام الذي لم يمضِ عليه سنين قليلة حتى اندثر مع تلك الأمم؟ قد تتساءل ما هو السلام.. السلام مفهومٌ نسبيٌّ ليس له منحى واضح حتى يومنا هذا، على الرغم أن عناصره وتداعياته وأسباب تأسيسه حقيقية موجودة وواضحة للجميع، وهو في الواقع محور مقالنا هذا، الذي سنتحدث فيه عن مفهوم السلام، وأهميّته وأنواعه، كما سنستعرض أبرز الخطوات التي من شأنها أن تساعدنا على ترسيخ دعائم سلامٍ طويل الأمد، وواقعي.
مفهوم السلام
كما ذكرنا سابقًا، فإن مفهوم السلام هو مزيجٌ من المعاني، وليس مصطلحًا يحمل تعريفًا رسميًّا أو مُقتبسًا، ومن المفاهيم الفلسفية العميقة التي تبحّر العديد من الفلاسفة في محاولةٍ منهم لإيجاد معنى ثابت لهذا المفهوم. لفهم المعنى العام للسلام، يجب علينا الإلمام بمختلف المعاني المعروفة لهذا المفهوم، ومن أبرز هذه المعاني:
- السلام بمعنى السِّلم، وهو ضدُّ الحرب أو القتل، أي الحياة من غير حروبٍ ولا صراعات، أو سفك دماء أو انتهاكٍ لحقوق الإنسان، وهذا أشمل مفهومٍ للسلام عمومًا.
- بمعنى العدل، وهو أن تسود العدالة جميع الأمم فلا تعلو واحدة على أخرى ولا يثور بعضها على بعض، بالإضافة إلى إضفاء أسس الإنصاف المجتمعي، ومحو الطبقات الاجتماعية والفروقات العرقية، وهذا سيمنحنا مجتمعًا مُتآخيًّا ومتآلفًا بلا ضغائنَ ولا أحقادٍ ولا نزاعاتٍ، أي مجتمعًا يعمّه سلامٌ شاملٌ.
- بمعنى السَّكِينَةِ، وذلك يصف أي حالةٍ تدفع بالمرء للشعور بالسلام الداخلي في النفس والراحة، كما نشعر عندما نختلي بأنفسنا ونسرح في تفكيرنا بعيدًا عن هموم الدنيا، وهو نتيجةٌ من نتائج التأمّل الداخلي.
- بمعنى التفاهم، وهو أن يعمَّ التفاهم والانسجام بين أجزاء ومكوّنات المجتمع نفسه، وبين المجتمعات الأخرى.
كما رأينا، فإن للسلام مفاهيمَ ومعانٍ ومدلولاتٍ عديدة، وذلك تبعًا للسياق الذي يُطرح فيه هذا المفهوم، ولكن وبصورةٍ عامّةٍ شاملة، فإن كلمة سلام تجعل أذهاننا تسافر ليس بعيدًا، فقط أن نكون ضد الحرب، وضد الظلم وضد القتل، أو العُنف..
أنواع السلام
- الفردي الداخلي: وهو كما ذكرنا يشير إلى السلام الذهني والعقلي للمرء مع نفسه.
- الفردي البينيّ: الذي يسود بين الفرد وأقرانه ومن حوله، فلا صراع شخصيّ بين الأفراد.
- سلام المجموعات الداخلي: وهو السلام الذي يعمُّ أجزاء المجموعة الواحدة.
- سلام المجموعات البينيّ: ويكون بين المجموعات المختلفة ضمن المجتمع.
- العرقيّ الداخلي: الذي يحلُّ ضمن مجموعةٍ عرقيّةٍ واحدة، فلا نزاع بين أفراد العِرق الواحد.
- العرقي البينيّ: وهو سلامٌ يُحقّق بين المجموعات العرقيّة المختلفة، فلا تعصّب أو تحيّزات عرقيّة.
- الدّولي الداخليّ: ويسود بين أجزاء وأطرف الأمة نفسها.
- الدّولي البينيّ: وهو السلام بين الأمم المتجاورة.
- السلام العالمي: وهو النوع الأسمى، يشير إلى عموم السلام بين أجزاء العالم بأسره..
أهميّة السلام
السلام هو محور الحياة، وعلى الرغم من أن ليس هناك سلامٌ مطلق في عالمنا، عالم البشر والأطماع والرغبات التي لا تشبع، إلا أن هناك مقوّماتٍ عديدة تدلّ على وجوده، وإلا لما نعِمنا بساعةٍ واحدةٍ بلا حروب أو نزاعات عالميّة، وحتى فردية. تبرز أهمية السلام بالنسبة للفرد والمجتمع على حدٍّ سواء:
الأهمية الفردية
يؤرق القلق والصراع النفسي الكثيرين، ولا أحد يُنكر مدى التأثير السلبي الكبير للقلق والتوتّر على صحّة الفرد، ومن هنا تأتي أهميّة السلام الداخلي للفرد، فهي تمنحه شعورًا بالقناعة والرضا الداخلي. في الواقع إن السلام على مستوى الفرد هو اللّبنة الأساسية للسلام العام على مستوى المجتمعات، فلو وضع الجميع كبرياءهم وغرورهم وطمعهم جانبًا، وساهموا نحو المصلحة البشرية والإنسانية، لساد السلام العالم، وربما لما وقعت الحرب العالمية الأولى والثانية.
الأهمية الاجتماعية
كما ذكرنا، أينما حلّ السلام في مجتمعٍ ما، وجدنا التقدّم والازدهار في هذا المجتمع، فبدلًا من أن تُستنزف الموارد الطبيعية والبشريّة في الصراعات والحروب التي لا طائلة منها، بإمكان المجتمعات تسخير تلك الموارد في تطوير بنيتها والنهوض بعلومها، بمعنى آخر، السلام هو الركن الأساسي لأي ازدهارٍ أو تطوّرٍ مستدام، في أي دولةٍ أو مجتمعٍ بشريٍّ..
الخطوات نحو تحقيق سلام شامل
- تحقيق العدالة بين الرجال والنساء: في الواقع، يُعدُّ ظُلم المرأة واضطهادها أحد أسباب انتشار الحقد والضغائن في المجتمع، وإن تحقيق التوازن بين واجبات وحقوق كلا الجِنسين، من شأنه أن يدعم السلام في المجتمع بشكلٍ كبيرٍ.
- تقسيم الثروات بعدلٍ وإنصاف: كلنا يعلم أن الفقر لا يجرُّ وراءه إلا التفكير بأفعال السوء والشر، وإنّ تمركز الثروات في أيدي الأغنياء من أفراد المجتمع، من شأنه أن يشكّل فجوةً نفسيّةً كبيرةً بينهم وبين الفقراء، ما يجرُّ أحقادًا ومشاعر كراهيّةٍ لا يُحمد عُقباها.
- ضبط صفقات بيع الأسلحة: طبعًا لولا الأسلحة، لما وجدت الحروب، فالأسلحة والمعدّات الحربيّة هي وقود الحرب، وتعتبر عمليات كبح تجارة الأسلحة ومنعها أو ضبطها، من الأساليب الفعّالة في إخماد نار الحروب وإحلال السلام، خصوصًا في المجتمعات الفقيرة أو النامية..