ذكاء اصطناعي

أقوى انفجار راديوي في التاريخ… يضرب تلسكوبات أمريكا الشمالية

ملاذ المدني
ملاذ المدني

3 د

رصد العلماء أقوى انفجار راديوي سريع في التاريخ داخل مجرة قريبة.

الانفجار سطع أكثر من الشمس خلال أربعة أيام لكنه استمر لأجزاء من الثانية.

تم تحديد مصدر الانفجار بدقة بفضل تكنولوجيا التلسكوب الجديدة.

الاكتشاف يثير تساؤلات حول مصادر هذه الظواهر وطبيعتها.

التطور التقني يسمح بتحديد مواقع الانفجارات الكونية بدقة أكبر في المستقبل.

في حدث فلكي استثنائي، أعلن فريق من العلماء أنهم رصدوا ألمع وأقوى انفجار راديوي سريع – أو ما يعرف اختصارًا بـ«FRB» – تم تسجيله على الإطلاق، واستطاعوا لأول مرة تحديد مصدره بدقة مذهلة داخل مجرة قريبة من مجرتنا. هذه الظاهرة، التي شغلت الأوساط العلمية منذ سنوات بسبب غرابتها وطبيعتها العابرة، قد تقود أخيرًا إلى حل واحد من أكبر ألغاز الكون.

تخيل ومضة كونية من الطاقة أكثر سطوعًا من كل ما يصدره شمسنا خلال أربعة أيام، ولكنها تستمر لجزء من ألف من الثانية فقط. هذا بالضبط ما حدث في مارس الماضي، عندما رصد مرصد «تشايم» الكندي (CHIME) هذه الإشارة، والتي أطلق عليها العلماء رمزًا لافتًا: «RBFLOAT» أي «ألمع انفجار راديوي في كل الأوقات». وقد اجتازت هذه الدفقة الراديوية مسافات شاسعة في الفضاء، لتحط على تلسكوبات عبر أمريكا الشمالية.


كيف فتحت شبكة التلسكوبات نافذة جديدة على الكون

ما يجعل هذا الاكتشاف مميزًا ليس فقط الطاقة المتفجرة المرافقة له، بل قدرة العلماء أخيرًا على تتبع مسار الانفجار إلى «عنوانه الدقيق» في الفضاء. فبفضل الشبكة الجديدة من هوائيات تلسكوب تشايم الموسعة وصولاً من كندا وحتى وست فرجينيا، صار بالإمكان التقاط مواقع هذه الانفجارات الراديوية وتحديدها بدقة. يقارن العلماء هذا التطور بالانتقال من مكالمة هاتفية مجهولة المصدر، إلى معرفة الغرفة التي يتحدث منها المتصل داخل منزله! وباستخدام بيانات التلسكوب العملاق «كيك» في هاواي، تمكن الباحثون من فحص بيئة الانفجار وتكوين الغاز المحيط به داخل المجرة، بل وحتى معرفة وجود مناطق ولادة نجوم قريبة منه.

وهذا يسلط الضوء على كيف أن التعاون بين التلسكوبات والتقنيات الجديدة بدأ يعطي تساؤلاتنا القديمة حول الكون أجوبة ملموسة.


سر قوة الوميض: وحدة الكون وتنوع مصادره

ومن المثير، أن الانفجار الضخم «RBFLOAT» لم يكن متكررًا كما هو الحال في غالبية الانفجارات الراديوية السريعة، بل حدث دفعة واحدة فقط، ولم يعاود النشاط رغم رصد العلماء لمصدره لساعات طويلة بعد الواقعة. هذه السمة الفريدة فتحت باب الأسئلة على مصراعيه حول طبيعة الحدث. فقد نجح العلماء في حصر مصدر الانفجار المذهل في حيز لا يكاد يتجاوز 45 سنة ضوئية – وهي مساحة صغيرة جدًا بالنسبة للمقاييس الكونية – على أطراف مجرة على بعد نحو 130 مليون سنة ضوئية من الأرض، وبالقرب من ذراع حلزونية مليئة بمناطق تكوّن النجوم.

هذا الاكتشاف يثير حيرة العلماء: فغالبًا ما يربط الخبراء الانفجارات الراديوية السريعة بنجوم مغناطيسية جبارة تُدعى «ماغنيتار» (Magnetar)، وهي نجوم نيوترونية ذات حقول مغناطيسية هائلة تتولد إثر انفجارات السوبرنوفا. وجود الانفجار خارج منطقة تكوين النجوم هذا قد يعني أن النجم المُسبب ربما دُفع بعيدًا عن مكان ولادته، أو أنه نشأ بالفعل بعيدًا عن القلب النشيط للمجرة.

وهذا بدوره يعيد تحريك النقاش الدائم حول مصادر هذه الظواهر وطبيعتها، ويدفع الباحثين لإعادة النظر في نظريات تشكل الماغنيتار ومساراتها.


مستقبل رصد الانفجارات الكونية: بداية عصر الدقة

ومع التشغيل الكامل لشبكة التلسكوبات الجديدة، يأمل علماء الفلك أن يتمكنوا من تحديد مواقع مئات الانفجارات الراديوية السريعة في السنوات المقبلة، وهو ما يفتح الباب أمام اكتشافات أكثر حول مراحل حياة النجوم الضخمة وانفجارات السوبرنوفا وربما حتى فيزياء غير مكتشفة بعد. يؤكد أحد العلماء المشاركين أن هذا التحول يشكّل نقطة مفصلية: "لم نعد فقط نلتقط الومضات الغامضة، بل أصبحنا نشاهد فعلاً من أين تنطلق، وهذا قد يكشف لنا ما إذا كانت من نجوم تحتضر أو أشياء كونية غريبة لا يمكننا تخيلها اليوم."

ذو صلة

وهنا تتبين أهمية التطور التقني الذي يتيح لنا مراقبة الإشارات القادمة من أعماق الفضاء خلال زمن قصير للغاية.

في اقتناص ومضات بهذا الوضوح من مكان بهذا القرب النسبي، يقدم العلماء تجربة فريدة تضعنا بالقرب من الإجابة على لغز الانفجارات الراديوية السريعة، وتفتح أمامنا نافذة نادرة لفهم حياة النجوم العملاقة، وتحولاتها الدراماتيكية عبر المجرة. وبينما لا تزال بعض الأسئلة مطروحة حول سبب قوة وشذوذ هذا الانفجار بالتحديد، فإن الرصد الجديد يرسّخ الأمل بإمكانية كشف أسرار الكون الخفية واحدًا تلو الآخر.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة