ذكاء اصطناعي

حين يختلف العلماء على مصيرنا: NASA ترصد شذوذًا مغناطيسيًا عالميًا… والصين تتهمها بالتضليل

ملاذ المدني
ملاذ المدني

5 د

يُعرف شذوذ جنوب الأطلسي بتسبب هذه المنطقة في أعطال للأجهزة الفضائية.

تشهد المنطقة ضعفًا في الغلاف المغناطيسي، ما يسمح للجسيمات الشمسية بالاقتراب أكثر.

شذوذ جنوب الأطلسي يمثل تحدياً إضافياً لتكنولوجيا الأقمار الصناعية ومخططيها.

تُظهر الدراسات أن الشذوذ لا يعني اقتراب انقلاب الأقطاب المغناطيسية.

هل سبق أن سمعت عن منطقة في السماء تصاب فيها أجهزة الفضاء بالعطل المفاجئ؟ في قلب المحيط الأطلسي الجنوبي، يجتمع الخيال العلمي بالحقائق العلمية في ظاهرة تُثير حيرة العلماء وتستدعي انتباه وكالات الفضاء حول العالم. إنها "شذوذ جنوب الأطلسي"، المنطقة التي يُطلق عليها أحيانا اسم "ثقب الدرع المغناطيسي" للأرض، والتي أصبحت مؤخرا محط جدل عالمي واسع بعد اكتشاف تطورات مقلقة ورصد تحركات غريبة لها، تزامنًا مع رفض الصين لنتائج الأبحاث الغربية وتصاعد المواجهة حول تفسيرها وتأثيرها المستقبلي.


معركة بين الأرض والفضاء: ما هو شذوذ جنوب الأطلسي؟

البداية تكمن في ظاهرة جيولوجية معقدة يُطلق عليها شذوذ جنوب الأطلسي. ببساطة، هي منطقة فوق أمريكا الجنوبية والمحيط الأطلسي حيث يتعرّض الغلاف المغناطيسي للأرض لضعف شديد. هذا المجال المغناطيسي، الذي يعمل عادة كدرع واقٍ يبعد الجسيمات الشمسية الضارة والأشعة الكونية، يُصبح في هذه الرقعة تحديدًا أكثر هشاشة، ما يسمح للأشعة عالية الطاقة أن تقترب من الأرض بشكل غير مألوف. ويتسبب هذا الضعف في تعطيل الأجهزة الإلكترونية للأقمار الصناعية وتسجيل أعطال وبيانات غير دقيقة. هنا، تظهر العلاقة بين الدوران المتواصل للحديد السائل في نواة الأرض السفلى، وبين تشكّل هذه المنطقة الشاذة، إذ أن تحركات هذه المواد المعدنية، إلى جانب وجود بنية كثيفة تحت قارة أفريقيا تُعرف علميا باسم "مقاطعة السرعة المنخفضة الكبيرة"، تقود مجتمعة إلى اضطرابات في القوى المغناطيسية، وترسم سيناريو غير مألوف في قلب كوكبنا. وهذا الارتباط بين باطن الأرض وهذا الشذوذ، يدفع العلماء للبحث عن إجابات في عمق 1800 ميل تحت سطح أفريقيا.

وهذا ما دفع وكالات الفضاء العالمية مثل ناسا إلى دق ناقوس الخطر واعتبار الشذوذ الجنوبي منطقة رصد حيوي ودراسة معمقة.


تهديد متزايد للتكنولوجيا الفضائية والبشر في المدار

بالتأكيد، قد تسأل: ما الذي يجعل هذا الشذوذ خطيرا جدا؟ الجواب يتمثل في قوته التخريبية على الإلكترونيات الدقيقة. فكلما عبر قمر صناعي أو محطة فضاء دولية هذه المنطقة، يتعرّض لمستويات مرتفعة من البروتونات عالية الطاقة. هذه الجسيمات يمكن أن تتسبب فيما يُعرف بـ"الاضطرابات الفردية"، حيث تتوقف أجهزة أو يحدث خلل مؤقت أو حتى يتلف جزء من أنظمة التحكم والاتصال. ولتجنّب هذه المخاطر، غالبا تُوقف وظائف غير ضرورية أثناء العبور، ويظل رواد الفضاء في المحطة الدولية محميين نسبيًا بفضل الدروع، فيما تبقى الأجهزة العلمية المعرضة في الخارج أكثر هشاشة. يشير بريان بلير، أحد المسؤولين في مشروع محطة الفضاء الدولية، إلى تسجيل أعطال متكررة وخسارة بيانات علمية قيّمة بسبب هذه الظاهرة. وما يزيد الطين بلة، أن مهام مثل المستكشف الأيوني (ICON) تبقى في حالة استنفار ومراقبة دقيقة في كل مرة تقترب فيها من حواف هذا الشذوذ.

ولعل ما يدعو للقلق أكثر هو أن المنطقة لاتزال تتغير بشكل غير مسبوق.


تحولات مستمرة: شذوذ يتوسع ويتكاثر

تحمل الأخبار الأخيرة إشارات مثيرة للقلق بشأن مستقبل الفضاء القريب من الأرض. البيانات الجديدة التي حصلت عليها وكالة الفضاء الأوروبية (إيسا) عبر كوكبة أقمار "سوارم" وأرشيف ناسا التاريخي، تكشف أن الشذوذ ليس فقط يتحرك تدريجا نحو الشمال الغربي، بل يتوسع بشكل ملحوظ منذ عام 2020. الأهم من ذلك أن المنطقة الشاذة بدأت بالانقسام إلى شطرين، أو ما يشبه فصين منفصلين لكل منهما أدنى درجة شدة مغناطيسية. هذا الانقسام يضاعف من المناطق الخطرة للأجهزة الفضائية ويزيد من عبء التنبؤ بظروف المجال المغناطيسي بالمدار القريب، الأمر الذي يفرض ضغطا متجددا على مخططي الأقمار الصناعية والموارد التقنية. ويؤكد خبراء كالفيزيائي تيري ساباكا ضرورة الرصد المستمر وضبط استراتيجيات العمل في الفضاء لمواجهة مثل هذه التغييرات السريعة.

وهذا يدفع كثيرين للتساؤل: ما مدى قدرة العلم اليوم على التنبؤ بتحولات هذه الظاهرة، وكيف تساعدنا النماذج الرقمية في التصدي لخطرها؟


النظر إلى الأعماق والنمذجة الرقمية: سلاح العلم في وجه الشذوذ

لمواجهة هذه الأزمة، جمعت ناسا ما بين بيانات الأقمار الاصطناعية وأقوى عمليات المحاكاة الرقميّة لنواة الأرض. تُسهم كل هذه المعلومات في تحديث نموذج مرجعي عالمي يُعرف باسم الحقل المغناطيسي الدولي، والذي يمكن بفضله تتبع التغيرات الزمنية في قوة الحماية المغناطيسية للأرض. هذه العملية تشبه في جوهرها التنبؤ بالأحوال الجوية، لكنها تتعلق بآفاق زمنية أطول بكثير وتغييرات تدريجية يعرفها العلماء باسم "التغير العلماني". ومع أن الشذوذ الحالي غير مسبوق منذ بدأت عمليات الرصد الفضائي قبل عقود، إلا أن الأدلة الجيولوجية تشير إلى أن مثل هذه الظواهر حدثت مرارًا خلال آلاف السنين. والأهم – يؤكد أغلب العلماء – أن الشذوذ الجنوبي الحالي لا يعني أن انقلاب الأقطاب المغناطيسية وشيك الحدوث، بل يندرج ضمن دورة طبيعية طويلة جدا.

وهنا يتضح أن دراسة هذا الشذوذ أصبحت بمثابة خط دفاع حاسم لحماية التكنولوجيا الفضائية وتعزيز فهمنا للعمليات العميقة التي تشكل كوكبنا.


ختام الحلقة: ما الذي يحمله المستقبل؟

كلما اتسعت رقعة شذوذ جنوب الأطلسي وتأزمت تداعياته التقنية والعلمية، يواصل الباحثون في مختلف أنحاء العالم مراقبته عن كثب، طامحين لفك خباياه وتفادي أخطار تضاعف تأثيره. من حماية الأقمار الصناعية إلى الفهم الأكثر عمقًا لنواة الأرض وحركتها، يظل هذا الشذوذ تذكيرًا حيًا بأن عالمنا لا يخلو من الألغاز العلمية الكبرى التي يمكن أن تغيّر مجريات التكنولوجيا والمعرفة في السنوات القادمة. ترى، إلى أيّ مدى ستظل تحديات هذه الظاهرة تسابق قدراتنا على الرصد والتوقع والتكيف؟

ذو صلة

بهذا المشهد المشوق، تستمر قضية شذوذ جنوب الأطلسي بالتصدر في تقارير العلم وعناوين الإعلام، مع وعود باكتشافات جديدة قد تعيد رسم فهمنا لكوكب الأرض وحدود الفضاء المحيط به.

**مصطلحات دلالية وظيفية داخل النص: شذوذ مغناطيسي، الأقمار الصناعية، المجال المغناطيسي، الجسيمات الشمسية، الأشعة الكونية، الأعطال التقنية، مسبار الفضاء، الذراع العلمية، محطة الفضاء الدولية، مقياس شدة المجال، نموذج الحقل المرجعي، نواة الأرض، دورة الدفع العلمانية، انقلاب الأقطاب، علم الجيولوجيا الفيزيائية.**

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة