حرب خفية تحت الجلد… والذكاء الاصطناعي هو السلاح الأخير!

4 د
طور معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مركبات جديدة تقضي على البكتيريا المقاومة للأدوية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
استخدم الباحثون خوارزميات لتصميم وفحص أكثر من ٣٦ مليون مركب نظري جديد.
تستهدف بعض المركبات الأغشية الخلوية للبكتيريا وتمنع بناء الغشاء الخارجي.
تم فتح آفاق جديدة في الطب الحيوي بفضل حرية الذكاء الاصطناعي في التصميم.
هل سمعت من قبل عن تأثير "السوبر بكتيريا" التي تقاوم معظم المضادات الحيوية وتسبب ملايين الوفيات سنويًا حول العالم؟ يبدو أن هذه المعادلة الصعبة بدأت تميل لصالح الإنسان، بعد أن أعلن باحثو معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عن إنجاز علمي كبير، بفضل الذكاء الاصطناعي، في تطوير مركبات جديدة قادرة على القضاء على نوعين من أكثر البكتيريا مقاومة للعلاج: جرثومة السيلان المقاومة للأدوية وجرثومة المكورة العنقودية الذهبية (MRSA).
في هذا التقرير، نضعك في قلب التطور العلمي المدهش، ونسلط الضوء على كيف غيّر الذكاء الاصطناعي قواعد اللعبة في البحث عن مضادات حيوية جديدة. ستتعرف معنا إلى آلية اكتشاف هذه المركبات، ولماذا يُعد هذا الخبر نقطة تحول في معركة الطب ضد العدوى المقاومة للأدوية.
البحث عن مضاد جديد: الذكاء الاصطناعي في المواجهة
تفاقمت أزمة مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية إلى مستوى بات يهدد الصحة العامة عالميًا، مع تقديرات تشير إلى وفاة نحو ٥ ملايين شخص سنويًا بسبب التهابات يصعب علاجها. لهذا السبب كان العلماء في MIT يبحثون عن حل جذري، فقرروا الاستعانة بالذكاء الاصطناعي، ليس فقط لاستكشاف مكتبات المواد الكيميائية الموجودة، بل للغوص أبعد في الفضاء الكيميائي عبر توليد مركبات جديدة بالكامل لم يسبق تصنيعها أو اكتشافها.
ومن خلال تدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي على مجموعة ضخمة من المعلومات الكيميائية والبيولوجية، تمكن الباحثون من تصميم وفحص أكثر من ٣٦ مليون مركب نظري. هكذا استطاعوا، بشكل افتراضي، اختبار قدرة هذه الجزيئات على مكافحة البكتيريا دون الحاجة لإجراء تجارب مكلفة على كل مركب فعليًا. هذا الربط بين علوم الحاسوب والبيولوجيا وفر الوقت وفتح آفاقًا كانت مغلقة تمامًا أمام الباحثين سابقًا.
مركبات غير مسبوقة تهاجم البكتيريا من قلب درعها!
وما يجعل هذا الإنجاز أكثر تميزًا، هو أن المركبات الواعدة التي رشحت من عملية الفرز ليست مجرد نسخ مطورة من مضادات حيوية سابقة، بل جزيئات جديدة تمامًا بهياكل كيميائية مختلفة. هذه المركبات استهدفت آليات خفية داخل البكتيريا، وخاصة الأغشية الخلوية التي تمثل درع الحماية للبكتيريا. تمكّن أحد المركبات والذي أطلق عليه اسم "NG1" من تثبيط بروتين حيوي مهم يُسمى LptA، وهو المسؤول عن بناء الغشاء الخارجي في جرثومة السيلان المقاومة، مما نتج عنه مقتل البكتيريا بشكل فعال. ومثل هذه الاستراتيجية تبشّر بقدرات علاجية عالية، إذ يقل احتمال تطور مقاومة جديدة لها في الوقت القريب.
وهذا يؤكد كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز قدرات البحث الدوائي ويوسّع من دائرة التركيز نحو أهداف بكتيرية لم تُختبر من قبل، ليصبح الأمل أكبر في مواجهة أنواع أخرى من البكتيريا العنيدة.
حرية الابتكار: جيل جديد من المضادات خارج القوالب المعتادة
لم يقتصر عمل الباحثين على مركبات مشروطة بجزء كيميائي محدد، بل منحوا الذكاء الاصطناعي حرية التصميم الكاملة، مستهدفين جرثومة المكورة العنقودية الذهبية (MRSA) بالذات. تم توليد أكثر من ٢٩ مليون مركب جديد، جرى اختيار مجموعة صغيرة منها لفحصها مخبريًا، لتظهر النتائج أن بعضها يتمتع بقدرة مدهشة على القضاء على البكتيريا المقاومة للأدوية، حتى في تجارب على نماذج حيوانية للعدوى الجلدية.
وجد فريق البحث أن هذه الجزيئات تهاجم الغشاء الخلوي للبكتيريا، ولكن بآليات أكثر تنوعًا من المركبات السابقة، ما يزيد من فرص نجاح هذه الاستراتيجية في مواجهة أنواع خمسة أو أكثر من العدوى البكتيرية بعيدة المنال بالمضادات التقليدية.
هذا التكامل المبتكر يربط بين خيال البرمجيات الذكية وحاجة الطب الحيوي الملحة، ويعد بنقلة واعدة لمجال الصيدلة والأمراض المعدية على السواء.
من المختبر إلى أرض الواقع: آفاق واعدة للجميع
وفي سياق دفع الابتكارات الجديدة نحو التجريب السريري، بدأ باحثو MIT بالتعاون مع مؤسسات غير ربحية مثل Phare Bio لتعديل المركبات المكتشفة وتطوير مكوناتها كي تكون أكثر أمانًا وفعالية للاستخدام البشري مستقبلاً. يبدي البروفيسور جيمس كولينز، كبير الفريق البحثي، حماسه للفرص الجديدة التي يفتحها الذكاء الاصطناعي أمام اكتشاف المضادات الحيوية، معربًا عن أمله في تطبيق المنهج نفسه على بكتيريا خطيرة أخرى كجرثومة السل و"الزوائف الزنجارية".
تلخيصًا للصورة، يظهر أن الذكاء الاصطناعي ليس فقط أداة قوية لتحليل البيانات، بل شريك حقيقي في الإبداع العلمي وصناعة الدواء. بعد عقود من الركود في اكتشاف المضادات الحيوية، ها هو العلم يخطو خطوة جريئة تعيد الأمل لملايين المرضى وللطب في صراعه الدائم ضد مقاومة البكتيريا المتفشية. إن هذه التجربة تثبت كيف يمكن للتقنيات الحديثة أن تغيّر المستقبل عندما تُوضع في خدمة أزمات الصحة العالمية.
من خلال هذا التقدم، نرى لمحة عن مستقبل تتوافر فيه خيارات علاجية ذكية وقابلة للتجديد، وربما دون الحاجة لانتظار أزمة صحية عالمية لكي يُدفع العلم إلى حدود جديدة.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.