هل تجرؤ واشنطن على حظر تيك توك؟ أم تكتفي بانتصار شكلي؟
3 د
الصين تنتقد الحساب الرسمي الجديد للبيت الأبيض على تيك توك بسبب التوترات التقنية.
تواصل بكين منع بيع خوارزمية "For You" لضمان حماية تقنياتها.
تعمل تيك توك على تطوير خوارزمية خاصة بالولايات المتحدة كرد على القيود.
أمريكا تواجه خيارين صعبين: استمرار تيك توك الصيني أو حظره.
تظل معركة تيك توك تعكس الصراع العالمي حول الريادة في الذكاء الاصطناعي.
في أجواء مشحونة بالتوترات التقنية والسياسية بين واشنطن وبكين، جاء رد الصين الحاد والمعلن على فتح إدارة ترامب حسابًا رسميًا على منصة تيك توك ليعيد النقاش حول مستقبل التطبيق الشعبي و"خوارزمية التوصية" التي تقف وراء نجاحه. فما سر هذا التصعيد غير المسبوق؟ ولماذا تصر الصين على وضع خطوط حمراء أمام أي محاولة لنقل التقنية خارج حدودها؟
لم يكن إعلان البيت الأبيض عن حسابه الرسمي على تيك توك عابرًا في خضم حرب التصريحات والإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأميركية سابقًا بحق التطبيق الصيني ذائع الصيت. استخدمت وسائل الإعلام الحكومية الصينية هذا الحدث كفرصة لتسليط الضوء على ما وصفته بـ"التناقض الأميركي"، ففي الوقت الذي يُتهم فيه تيك توك بتهديد الأمن القومي، لجأت أعلى سلطة في الولايات المتحدة إلى استخدام المنصة لتحقيق التواصل الجماهيري، في تناقض واضح مع المساعي السابقة لحظر التطبيق أو إجبار الشركة الأم "بايت دانس" على بيعه لجهة أميركية.
وهنا يبرز سؤال جوهري: لماذا تصر الصين على منع بيع خوارزمية "For You" الجوهرية التي تميز تيك توك وتحتكر سر الجذب والإدمان للمنصة؟ الإجابة تكمن في تشديد بكين لقوانين تصدير التقنيات الحساسة، إذ كررت الحكومة الصينية عبر افتتاحية رسمية أن أي صفقة رسمية لبيع الخوارزمية ممنوعة بموجب التنظيمات المحلية التي تحظر نقل التقنيات الأساسية، وتؤكد بأن شركاتها ملزمة بالامتثال لهذه القوانين الصارمة. هذا الموقف الحازم ليس منعزلاً عن سياسة بكين الأشمل في حماية الأسرار التجارية والقدرات الذكية الاصطناعية الهامة ومنع منافسيها من الوصول إلى "وصفات النجاح" الرقمية الصينية.
وفي محاولة للالتفاف على هذا الاشتباك، ووسط مهلة قانونية أميركية تتجدد للمرة الثالثة قبل سريان الحظر، شرعت تيك توك في تطوير نسخة أميركية من خوارزمية التوصية، سعياً للفصل بين تجربة المستخدم في الولايات المتحدة وبين النسخة العالمية التي تتحكم فيها بايت دانس.
وبحسب ما كشفته تسريبات وتقارير، يجري العمل على بناء تطبيق مستقل مخصص للأميركيين، بحيث لا يستند إلى تقنيات الشركة الأم في الصين بشكل مباشر. غير أن هذه الخطوة المحفوفة بالتعقيدات القانونية والتقنية لا تزال محل جدل، فهل سترضى بكين بذلك فعلاً أم تعده "تحايلاً" جديداً على الضوابط؟
ولا يبدو أن إدارة ترامب لديها كثير من الأوراق لتغيير واقع الحال، ففي ظل موقف بكين الرافض ووعدها بعدم التهاون في ملف "حقوق الملكية الفكرية"، يبقى أمام واشنطن خياران أحلاهما مر: إما الموافقة على تمديد جديد يسمح باستمرار عمل تيك توك تحت الإدارة الصينية بما يخالف روح القانون الأميركي الصادر العام الماضي، وإما فرض حظر فعلي ينهي تجربة التطبيق بشكل جذري على الأراضي الأميركية. الأغرب أن هناك احتمالا ثالثاً يجري التلويح به في الكواليس، ويتمثل في إقرار "صفقة شكلية" تمنح ترامب مظهراً بالنجاح السياسي دون تغيير حقيقي لملكية التطبيق.
مستقبل تيك توك الأميركي بين شد وجذب
كل هذه التطورات ترسم صورة معقدة لعلاقة تيك توك بالإدارة الأميركية، إذ يخشى مراقبون أن تُسفر المواجهة عن فقدان التطبيق أبرز عناصر قوته—أي التوصيات الذكية والخوارزمية التنبؤية التي ضمنت انتشاره الواسع. وفي الوقت نفسه، يعكس هذا الشد والجذب وجهاً أعمق لصراع عالمي حول ريادة الذكاء الاصطناعي وحوكمة البيانات واتجاهات الرأي العام الرقمي.
ومع اقتراب نهاية المهلة الثالثة التي حددها البيت الأبيض، يبقى السؤال معلقًا: هل ستجرؤ واشنطن على المضي في حظر منصة بملايين المستخدمين المحليين، أم ستستسلم لمنطق "تحقيق مكاسب سياسية شكلية" وتستمر تيك توك تحت هيمنة بايت دانس وبتقنية صينية خالصة؟ وفي كل السيناريوهات، يبدو أن كفة التكنولوجيا والسيادة الرقمية ما زالت تميل تجاه بكين، على الأقل في معركة تيك توك الجارية.
بهذا المشهد المتقلب، يظل تيك توك نقطة تماس بين مصالح الأمن القومي الأميركي وجموح الابتكار الصيني، وسط معركة تدور على أكثر من جبهة... عنوانها: من يملك سر الخوارزمية يهيمن على عقول الجيل الجديد.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.