أطول بطارية في التاريخ تُبنى في الوطن العربي… 240 متراً من الغموض والقوة

3 د
ارتفع برج البحرين وورلد تريد سنتر بارتفاع 240 متراً مع توربينات رياح مدمجة.
تهدف التوربينات لتوفير 15% من احتياجات البرج للطاقة سنوياً، مشيرة إلى اعتمادها على الرياح.
كشفت الدراسات أن تعديل موضع التوربينات يمكن أن يزيد الإنتاج بنسبة 31%.
تصميم البرج والتوربينات واجه تحديات تشغيلية وهندسية عالية التكلفة.
تجربة البرج قدمت درسًا في أهمية التخطيط الدقيق لتكامل الحلول الخضراء.
وسط سباق عالمي متسارع نحو مصادر الطاقة النظيفة، برزت البحرين بتجربة جريئة وفريدة في اعتماد هندسة مبتكرة لتوليد الكهرباء داخل أحد أكثر المباني تميزاً في المنطقة. فمع بدء الألفية الجديدة، توجهت الأنظار نحو برج “بحرين وورلد تريد سنتر” الذي ارتفع شامخاً في سماء المنامة بارتفاع يلامس 240 متراً، ليصبح أول ناطحة سحاب في العالم تدمج توربينات الرياح بقلب هيكلها المعماري—دون الاعتماد على الألواح الشمسية المعتادة. هذه الخطوة، رغم جرأتها، كشفت لاحقاً تحديات هندسية وفنية معقدة كان لها تأثير على كفاءة الإنتاج الكهربائي.
منذ البداية كان الرهان كبيراً على مزج التصميم العصري مع الحلول البيئية. المهندسون والمصممون أرادوا أن يكون البرج ليس فقط معمارياً مُذهلاً وإنما رائداً في الاعتماد على الطاقة المتجددة. فبدلاً من نشر صفوف الألواح الشمسية التقليدية، تم وضع ثلاث توربينات هواء ضخمة بطول 29 متراً كل واحدة، تثبتها جسور فولاذية بين برجي البرج التوأمين، وُجهت بعناية لاستغلال الرياح القادمة من الخليج العربي بهدف توفير ما يصل إلى 15% من حاجة البرج للطاقة سنوياً.
هذا الخيار الاستثنائي لم يكن خالياً من التحديات. فكما يؤكد البروفيسور بيرت بلوكين من جامعة آيندهوفن للتكنولوجيا، اعتمد التصميم على حدس عدد من المهندسين، دون دراسة ميدانية دقيقة توجه وضع التوربينات أو شكل الواجهة بالكامل. ومع تزايد صعوبة المعايير البيئية الدولية، كشفت الدراسات والمحاكاة الحاسوبية لاحقاً أن البرج لو كان قد دُوِّر باتجاه مختلف أو تم تغيير موضع التوربينات ولو قليلاً، لحقق إنتاجاً أكبر قد يصل إلى 31% زيادة سنوياً في الطاقة! هكذا تظهر لنا أهمية التوليف الذكي بين الشكل الهندسي والأداء الوظيفي في هياكل الطاقة العصرية. إذ يرتبط نجاح التجربة بمدى انسجام النواحي التقنية مثل الأنظمة الهوائية، والكهربائية، والهيكل العمراني مع بعضها البعض.
ومن هنا، تبرز إشكالية شائعة في مشاريع الطاقة البديلة: الاندماج بين النظريات الجذابة على الورق وصِدامها مع الواقع التنفيذي والمالي. ففي حالة برج البحرين، كان تغيير تصميم البرج لزيادة الإنتاج الكهربائي يتطلب تكاليف باهظة وحلولاً معمارية معقدة، وهو ما حال دون تعديل التصميم الأولي. وللتوضيح، مشاريع مشابهة حول العالم (مثل برج “ستراتا” في لندن) واجهت مشاكل تشغيلية، كضجيج التوربينات وتأثيرها على راحة المستخدمين داخل المبنى، في إشارة إلى أن الحلول الخضراء ليست بالبساطة التي تبدو عليها حين نسمع عنها لأول مرة.
هذه التجربة غيرت كثيراً من النظرة للأبنية المستقبلية. ففيما كانت الآمال معقودة على تعميم إدماج تقنيات الرياح داخل الأبراج الشاهقة، تطورت المشهد اليوم لتطبيق نهج أكثر مرونة؛ حيث تنتشر التوربينات المصغرة المنزلية في الأسواق وتتكيف مع الطابع الجمالي المعماري للمناطق. ويعكس ذلك اتجاهاً نحو “التكيّف الذكي” بين الابتكار الهندسي وتفاصيل بيئة كل بلد واحتياجه الحقيقي للطاقة المستدامة.
الحصيلة النهائية
تجربة برج “بحرين وورلد تريد سنتر” قدمت للمشهد الهندسي العربي والعالمي درساً عملياً بارزاً: الحماس للتكنولوجيا الخضراء يجب أن يصحبه تخطيط دقيق وتكامل بين التصميم المعماري والدراسات البيئية والهندسية والاقتصادية. فبينما يمثل البرج معلماً أيقونياً لطموح المنطقة في الاستدامة والقيادة البيئية، يكشف لنا أيضاً عن أهمية إعادة التفكير في تقديم الحلول المتجددة. بهذا، تبقى قصة هذا البرج مثالاً حياً على حيوية الابتكار وأولوية الموازنة بين التميز الشكلي وكفاءة الأداء في مشاريع الطاقة الضخمة مستقبلاً.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.