ذكاء اصطناعي

وداعاً للأسلاك… الكهرباء اللاسلكية تقترب من تغيير حياتنا

ملاذ المدني
ملاذ المدني

4 د

تتحول الكهرباء اللاسلكية من خيال علمي إلى واقع بفضل التكنولوجيا الحديثة.

بدأت الثورة التكنولوجية تسهم في استغلال الموجات الكهرومغناطيسية لنقل الطاقة بدون أسلاك.

الشركات الناشئة تحقق إنجازات كبيرة في كفاءة نقل الطاقة اللاسلكية.

تواجه هذه التقنية تحديات في الفاقد أثناء النقل والسلامة الصحية طويلة الأمد.

قد تسهم الكهرباء اللاسلكية في تحقيق توزيع عادل ومستدام للطاقة عالميًا.

تخيل عالماً لا تحتاج فيه للأسلاك الكهربائية في الجدران، ولا تبحث فيه عن شاحن ضائع أو مأخذ كهرباء في الزاوية! يبدو أن هذا المشهد بدأ يتحول من خيال علمي إلى جزء من واقعنا بفضل ثورة تكنولوجية جديدة تعيد تعريف علاقتنا بالطاقة: الكهرباء اللاسلكية. اليوم، بات نقل الطاقة الكهربائية بدون أسلاك حقيقة علمية عملية يمكنها أن تغيّر طريقة إمداد منازلنا ومصانعنا وكل الأجهزة من حولنا بالطاقة، بل وتفتح آفاقاً واسعة نحو حلول مستدامة لمشكلات الطاقة في المناطق النائية والبيئة عموماً.

في البداية، لا بد من العودة إلى الوراء قليلاً لاستعراض قصة هذا الحلم. في مطلع القرن العشرين، تحديداً عام 1901، اشتهر العالم العبقري نيكولا تسلا بتجربته الطموحة لنقل الكهرباء عبر الهواء من خلال موجات كهرومغناطيسية، إذ أراد أن ينقل الطاقة للأرض كلها من غير الحاجة لأي خطوط توصيل. ورغم أن مشروعه واجه عراقيل كبرى انتهت بإيقاف تمويله، إلا أنه ألهم أجيالاً من العلماء والمهندسين. بعد ذلك بعقود، وتحديداً عام 1964، استطاع المهندس ويليام براون أن يُشغّل مروحية صغيرة باستخدام الموجات الدقيقة (الميكروويف)، ثم نجح بالإشتراك مع وكالة ناسا عام 1975 في نقل 30 كيلوواط لمسافة ميل واحد، رغم أن الكفاءة لم تتجاوز النصف. هذا الإرث العلمي بقي لفترة طويلة محصوراً ضمن الأبحاث والنظريات، حتى انفجرت طفرة تكنولوجية حديثة جعلت حلم “نقل الطاقة لاسلكياً” على مشارف التحقق.

ولكي نفهم كيف انتقلنا من الحلم إلى الواقع، لا بد أن نعرف ما هي التكنولوجيا التي تقف وراء ذلك. ابتكر العلماء أنظمة حديثة تستغل الموجات الكهرومغناطيسية، مثل الموجات الراديوية أو أشعة الليزر، لنقل الكهرباء بدون أي توصيل مباشر. الفكرة ببساطة تشبه إرسال البيانات عبر الأثير كما في أجهزة الواي فاي، لكن بدلاً من المعلومات تنتقل الطاقة نفسها. وقد يصل حجم الطاقة الممكن نقلها إلى مستوى ضخم جداً، حتى أن بعض الأفكار تقترح بناء محطات ضخمة في الفضاء تجمع الطاقة الشمسية وترسلها إلى الأرض بقوة تعادل محطة نووية (واحد جيجاواط). أي أننا أمام مزيج من العلم القديم والتقنيات الجديدة في عصر الذكاء الاصطناعي والنانو تكنولوجي.

هذه التقنيات فتحت شهية الشركات الناشئة حول العالم، فدخلت على الخط شركات واعدة مثل إم رود في نيوزيلندا وريتش باور في أمريكا، وحققت نتائج وصلت إلى 95% من كفاءة نقل الطاقة مع طموحات لبلوغ 99%. وهذا تطوّر مذهل، لكنه لا يعني أننا تجاوزنا كل التحديات، فمشكلة الفاقد أثناء النقل تحتاج حلول إضافية حتى تصبح العملية مجدية اقتصادياً وبيئياً؛ أضف إلى ذلك الحاجة لوجود هوائيات استقبال ضخمة تضمن جذب ما يكفي من الموجات الكهربائية. وهنا يستحضرنا سؤال مهم حول سلامة الإنسان عند التعرض الدائم للمجالات الكهرومغناطيسية، بالإضافة إلى مخاطر التداخل مع المعدات الإلكترونية، وهي قضايا يحذر منها بعض العلماء ويطالبون بتشديد بروتوكولات السلامة وفحص التأثيرات الصحية على الأمد البعيد.

وفي ظل هذه الطفرة، لم تعد الكهرباء اللاسلكية مجرد فكرة نظرية أو عنصر جذب في المعارض المستقبلية. على العكس، نجد اليوم مشاريع تطبيقية رائدة، فبعض الشركات بدأت فعلاً باختبار منتجاتها في الإضاءة الذكية والمستشعرات في المتاجر، بينما تسعى وكالة الفضاء اليابانية “جاكسا” إلى تشغيل أول محطة للطاقة الشمسية الفضائية ترسل طاقة تصل إلى واحد جيجاواط بحلول عام 2030. يضاف إلى ذلك اهتمام وكالة ناسا الكبير بالمجال، ما يُعزز فكرة أن الشبكات الكهربائية اللاسلكية قد تدخل حيز الاستخدام واسع النطاق قبل منتصف القرن الحالي.

ذو صلة

ومع كل هذه الإنجازات، يزداد النقاش بين الخبراء ورواد الأعمال حول مستقبل الطاقة. فانتشار الكهرباء اللاسلكية قد يغيّر مفاهيم توزيع الطاقة جذرياً، ويعزز فرص وصول الكهرباء إلى مناطق محرومة بلا حاجة لإنشاء بنية تحتية مكلفة. ومن جهة أخرى، يعد بمساهمة كبيرة في التخفيف من الانبعاثات الضارة من المولدات الاحتياطية وإتاحة حلول صديقة للبيئة يمكن أن تدعم أهداف التنمية المستدامة وتوسيع الاعتماد على الطاقات المتجددة. وهذا يربط بين التقنية الجديدة والطموحات العالمية في مواجهة تحديات المناخ والطاقة.

في النهاية، ما نشهده اليوم هو حدث تاريخي لمجال الطاقة، إذ أصبح بوسعنا فعلاً تخيُّل منازل بلا أسلاك أو مأخذ كهرباء ظاهر. وبينما تواصل الأبحاث تطوير الكفاءة ومعالجة مخاوف الصحة والسلامة، تبقى الكهرباء اللاسلكية مثالاً على كيف يمكن للعلم أن ينقل فكرة وُلِدت قبل أكثر من قرن إلى واقع يعيد رسم مستقبلنا دون حدود أو قيود. هل ستكون هذه التقنية الجسر الذي يعبر بنا نحو عصر جديد من الاستدامة والعدالة في توزيع الطاقة؟ هذا ما سنراقبه ونتطلع إليه بشغف في السنوات المقبلة.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة