ذكاء اصطناعي

أكبر وادٍ في النظام الشمسي…مفاجأة فضائية من رصد ناسا

ملاذ المدني
ملاذ المدني

3 د

كشفت ناسا عن صور جديدة لوادي مارينر، أكبر أخدود في المجموعة الشمسية على المريخ.

أظهرت الصور طبقات رسوبية معقدة تشير إلى بيئة مريخية نشطة سابقاً.

يمتد وادي مارينر 4000 كيلومتر وعمقه يصل إلى 11 كيلومتراً، مما يجعله أسطوريًا.

تشير الدلائل إلى وجود مياه مجمدة داخل الوادي، مما يعزز احتمالية الحياة القديمة.

الحركات الأرضية القديمة مستمرة على المريخ، تؤثر في تشكل الوادي وتلفت الانتباه العلمي.

صور جديدة مذهلة كشفت عنها وكالة ناسا مؤخراً وضعت وادي مارينر، أكبر أخدود في المجموعة الشمسية على سطح المريخ، تحت عدسات البحث والتساؤل من جديد.

من قلب الكوكب الأحمر، التقطت مركبة الاستطلاع المداري للمريخ التابعة لناسا (Mars Reconnaissance Orbiter أو اختصاراً MRO) صوراً دقيقة لوادي كاندور، أحد أكثر أجزاء وادي مارينر إثارة للاهتمام. وقد أظهرت هذه الصور التي قامت بتحليلها جامعة أريزونا طبقات رسوبية معقدة وتحولات جيولوجية بالغة الدلالة. المثير هنا، أن تلك التكوينات تشير إلى بيئة مريخية كانت أكثر حيوية وتقلباً مما كنا نعتقد في السابق، لتعيد صياغة صورة المريخ القديمة في أذهان الباحثين.


وادي مارينر: عملاق يفوق التصور

عندما نتحدث عن وادي مارينر، فنحن أمام أكبر أخدود عرفته مجموعتنا الشمسية. هذا الوادي يمتد لمسافة 4000 كيلومتر على خط استواء المريخ، ويصل عرضه في بعض المناطق إلى 600 كيلومتر، بينما يبلغ عمقه حتى 11 كيلومتراً—أي أعمق بعشرة أضعاف من غراند كانيون الشهير في أريزونا! هذه الأرقام تضع أخدود المريخ في مرتبة أسطورية أمام أي ميزة جيولوجية على الأرض، وتجعل منه محور اهتمام علماء الكواكب والأرض على حد سواء.

وبالعودة إلى الصور الأخيرة التي تلقاها العلماء، نجد أنّها عرضت لنا طبقات رسوبية واضحة في شرق وادي كاندور، تُبرز مدى التغيرات والعوامل الجيولوجية التي مرت فوق هذا المكان على مدى ملايين السنين. الكلمات مثل "تكتونيات"، "ترسيب"، و"تعرية" (erosion) تصبح هنا ليست مجرد مصطلحات علمية، بل مفاتيح لتفسير هذا التاريخ الطويل والمدفون في صخور المريخ. ومن هنا، تنتقل الأسئلة مباشرة نحو نشأة هذا الأخدود العملاق، وتأثير العوامل البركانية والتكتونية على تكوينه.

وفي هذا السياق، فإن العلماء يعتقدون أن تشكل وادي مارينر مرتبط بعوامل بركانية وضغوط هائلة في قشرة المريخ، حيث أدت حركة البراكين وتبريد الكوكب إلى حدوث شقوق وكسورٍ ضخمة تلتها عمليات تعرية بالجريان المائي والانهيارات الأرضية. هذا الربط بين البراكين والتغيرات التكتونية يرسم صورة جديدة للكوكب الأحمر: لا مجرد سطح خامل، بل عالم عرف الزلازل والبراكين والتحولات الكبرى.


أسرار المياه والطبقات الرسوبية

وهذا يقودنا لاكتشاف ثانٍ لا يقل أهمية، حيث كشفت أدوات الاستشعار، وعلى رأسها كاميرا HiRISE عالية الدقة، عن طيات وتجاعيد رسوبية تشير إلى أن المريخ لم يكن صحراء قاحلة طوال تاريخه. بل هناك أدلة على أن الماء—ذلك العنصر الذي لا غنى عنه للحياة—كان حاضراً على سطحه وربما داخل أخاديده.

فمنذ سنوات قليلة، أعلنت وكالة الفضاء الأوروبية عن رصد مياه مجمدة داخل وادي كاندور، محتبسة في التربة كالجليد تحت سطح الأرض، على غرار المناطق القطبية في كوكبنا.

وإذا صحت هذه الفرضيات، فقد يكون ما يصل إلى حوالي 40% من المواد القريبة من سطح وادي مارينر يتكون من مياه متجمدة. مثل هذا الاكتشاف يحمل بين طياته أخباراً مشوقة حول إمكانية الحياة القديمة على المريخ وفرص استغلال الماء كمورد أساسي للرحلات البشرية المستقبلية.


ارتباط بين التغيرات التكتونية ونشاط المريخ القديم

ليس من السهل تخيّل أن سطح المريخ، رغم برده وسكونه الحالي، ما زال نشطاً تكتونياً بصورة أو بأخرى. فرغم افتقاره لصفائح تكتونية نشطة كالأرض، إلا أن القشرة تتعرض لحركات وكُسور بفعل برودة الكوكب وتآكل طبقاته، مما يعطي أدلة حديثة على استمرار العمليات الجيولوجية، وإن كانت بوتيرة أقل. هذه الحركات الأرضية القديمة ماتزال تترك بصمتها بوضوح في تعرجات وتكسيرات وادي مارينر، وفي تشوه الطبقات الرسوبية المدهشة التي تكشفها كل صورة جديدة.

ذو صلة

وهكذا يبدو أن المريخ ما يزال يخبئ العديد من أسراره بين طيات صخوره وأخاديده، وأن كل تقدم تقني في مراقبته يجلب معه مفاجآت وقصصاً جديدة تساهم في إعادة تشكيل فهمنا لكوكب لطالما استحوذ على خيال الإنسان.

وفي الختام، يظل وادي مارينر المريخي عنواناً للغموض والإلهام في آن واحد—فمن رحلة المياه بين صخوره، إلى آثار الزلازل والبراكين القديمة، إلى إمكانية العثور على مصادر مياه تدعم استيطان الإنسان مستقبلاً. يبدو أن الكوكب الأحمر لم يبح بكل أسراره بعد، وكل اكتشاف جديد يقودنا خطوة أخرى في مشوار فهم تاريخ المريخ وعلاقته بكوكب الأرض والحياة ذاتها.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة