نجم يحتضر منذ القرن التاسع عشر… والكون يسجل لحظاته الأخيرة!
3 د
راقب العلماء لسنوات مراحل احتضار النجم المركزي لسديم «الحلزوني» IC 418.
أظهرت الدراسات قفزة في حرارة سطح النجم بـ3,000 درجة مئوية.
تغيّر حرارة النجم بمعدل 1,000 درجة كل أربعة عقود فقط.
تتيح لنا الظاهرة نظرة جديدة على دور النجوم في إنتاج العناصر.
تكشف مراقبة السديم IC 418 أسرار الكون عبر تراكم الملاحظات عبر الأجيال.
تصوّر أن تتابع لحظة بلحظة وفاة نجم عملاق، وتسرد قصّته من بدايتها إلى نهايتها النهائية. هذا ما حدث بالفعل، عندما راقب علماء الفلك، ولسنوات طويلة، مراحل احتضار النجم المركزي لسديم «الحلزوني» IC 418 وأعلنوا عن اكتشاف مذهل قد يغير فهمنا لموت النجوم ودورها في نحت كيمياء المجرة.
منذ أواخر القرن التاسع عشر، استمر الفضول العلمي تجاه هذا النجم الموجود على بعد نحو ألفي سنة ضوئية في كوكبة الأرنب. السديم المتلألئ بغلافه الغازي المتموّج يستمدّ بريقه من قلبه الساحر: نجم يحتضر، لكنه يرسل للكون إشارات حرارته وجسيماته. بدأ العلماء قبل 130 عامًا في التقاط أول صور فوتوغرافية لهذا الجرم، واليوم، بفضل المقارنات الذكية بين أرشيف الصور الطوابعية والبيانات الطيفية الحديثة من مرصد هابل وغيره، بات بين أيدينا مشهدٌ نادر: سيرة حياة النجم من لحظة ضعفٍ إلى أخرى أشد.
ما الذي حيّر العلماء في IC 418 تحديدًا؟ هنا تكمن قصة فريدة؛ فقد أظهرت الدراسات أن حرارة سطح النجم قفزت بـ3,000 درجة مئوية تقريبًا خلال هذا القرن والثلث، وهو ارتفاع أسرع بكثير مما تشير إليه نماذج تطور النجوم التقليدية. عادةً، تستغرق هذه التحولات ملايين السنين بدءًا من مرحلة العملاق الأحمر وانتهاءً بقزم أبيض باهت، فلا يظهر الفارق جليًا في عمر إنسان. أما في حالة هذا السديم، فقد تسارعت الأحداث بشكل مُذهل حتى أن درجة حرارة النجم تتغير بمعدل 1,000 درجة كل أربعة عقود فقط. ولذلك، اعتُبرت هذه الظاهرة أسرع مراحل الاحتضار النجمي التي يتم توثيقها في سديم كوكبي تقليدي حتى اليوم.
وهذا التسارع غير المتوقَّع لا يمنحنا فقط نافذة على طريقة موت النجوم، بل يغيّر طريقة تقديرنا لكيفية إنتاج العناصر الثقيلة في المجرة. ففي مرحلة السديم الكوكبي، يقوم النجم الضئيل بتحرير عناصر مثل الكربون والنيتروجين وغيرها من مكونات الحياة إلى الوسط البينجمي. والآن، مع سرعة التحول الجديدة، يتساءل الفلكيون حول المدة الفعلية لهذا الغناء الكيميائي: هل تزدهر المجرة بالكربون أسرع من المتوقع؟ وهل تكون بعض النجوم "مصانع" للعناصر الثقيلة أكثر كفاءةً مما كنا نعتقد؟
سر مصانع الكربون الكونية
وهنا نصل للجزء الأكثر إثارة في الدراسة؛ إذ لم تكن وتيرة التحوّل السريع مفاجأة وحسب، بل أظهرت البيانات الحديثة احتمال امتلاك النجوم الأقل كتلة مما اعتقدناه القدرة على إنتاج كميات ضخمة من الكربون وإثراء الفضاء به. هذا الاستنتاج يدفع بنماذج تكوّن العناصر الكيميائية في الكون خطوة للأمام، ويجبر العلماء على إعادة التفكير في أدوار النجوم الصغيرة نسبيًا كمحركات لتطور المادة بين النجوم. لذا فالقصة ليست فقط عن نجم يموت، بل عن دورة حياة الكون نفسه.
تجربة فريدة عبر الزمن
لم يكن هذا الإنجاز ليحدث لولا الجمع بين تراث الفلك القديم وعمق التكنولوجيا الحديثة. فمن خلال رقمنة الألواح الفوتوغرافية الورقية القديمة ودمجها بالرصْدات الطيفية الجديدة، تمكن العلماء من تصوير حلقات تطور نجم في مشهد واقعي متدرج. لذلك، يشكّل مشروع سديم IC 418 نموذجًا فريدًا في المراقبة الفلكية يرينا كيف يمكن لتراكم الملاحظات عبر الأجيال أن يكشف أسرار الكون التراكمية.
ومع استمرار رصد التغيرات السريعة لهذا النجم، يتوقع العلماء وصول حرارته إلى ذروتها حوالي 120 ألف درجة مئوية، قبل أن يفقد بريقه تدريجيًا ويتحول إلى قزم أبيض ساكن — النهاية الحتمية لكل نجم متوسط الكتلة بعد نضوب وقوده النووي.
في الختام، تقدم لنا قصة سديم IC 418 شهادة نادرة على الحياة والموت في السماء، وتؤكد أن تطوّر النجوم ليس مجرد سيناريو نظري، بل ملحمة كونية نشهد فصولها الأخيرة على مدار عقود. وهكذا يصبح كل شعاع ضوء من هذا النجم الاحتضاري رسالة من الماضي والمستقبل معًا، يروي فيها كيف تصنع المصانع الكونية الحياة من أنقاض الموت.
عبَّر عن رأيك
إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.