لغز كرون الذي حيّر العلماء لعقود… حُلّ أخيرًا بفضل الذكاء الاصطناعي

أراجيك
أراجيك

3 د

نجح باحثون من جامعة كاليفورنيا في حسم الجدل حول جين مرتبط بداء كرون.

استُخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد جينات تبين نوعي الخلايا البلعمية.

الاكتشاف الجديد يربط بين جيردين وNOD2 لمعالجة الالتهابات المعوية.

أظهر نقص بروتين جيردين في فئران معدلة جينياً خللاً خطيراً في الميكروبيوم.

يمثل هذا الاكتشاف خطوة تجاه تطوير علاجات لداء كرون والتهابات الأمعاء المزمنة.

في خطوة توصف بأنها اختراق علمي طال انتظاره، نجح باحثون من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو في حسم نقاش علمي استمر أكثر من 25 عاماً حول الجين المسؤول عن زيادة خطر الإصابة بمرض كرون، أحد أمراض المناعة الذاتية المعقدة التي تصيب الجهاز الهضمي.

يحتوي القولون البشري على نوعين من الخلايا البلعمية (Macrophages) — وهي خلايا دم بيضاء متخصصة — لكل منهما مهمة مختلفة لكنها أساسية في الحفاظ على توازن الميكروبيوم المعوي. النوع الأول يحارب الالتهابات الميكروبية، بينما الثاني يساعد على التئام الأنسجة التالفة. وعندما يختل هذا التوازن، كما يحدث في مرض كرون والتهاب الأمعاء المزمن (IBD)، تتحول الأمعاء إلى بيئة ملتهبة بشكل دائم تؤدي إلى تلف الجدار المعوي وشعور مستمر بالألم.

وهذا يربط بين فهم هذه الخلايا ومحاولة العلماء استخدام الأدوات الحديثة لفك شفرة سلوكها المعقد.


الذكاء الاصطناعي في خدمة الطب الجزيئي

اعتمد فريق البحث نهجاً جديداً يجمع بينالذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة في علم الأحياء الجزيئي لتحليل ما الذي يحدد ما إذا كانت الخلية البلعمية ستصبح التهابية أم مهدّئة. استخدم العلماء منظومة تعلم آلي متطورة لتحليل آلاف أنماط التعبير الجيني المستخرجة من أنسجة قولونية سليمة وأخرى مصابة بداء الأمعاء الالتهابي، فتمكنوا من تحديد بصمة من 53 جيناً تفرّق بدقة بين النوعين من الخلايا.

ومن بين هذه الجينات، برز جين ينتج بروتيناً يُعرف باسم “جيردين”، وهو الذي قاد الفريق إلى اكتشاف مفاجئ: هذا البروتين يرتبط عادة بجزء محدد من بروتين NOD2، وهو أول جين تم ربطه بداء كرون حين اكتُشف عام 2001.

وهذا يقودنا إلى لبّ القضية: كيف يتسبب الخلل في هذا الجين بإطلاق سلسلة الالتهابات المزمنة في الأمعاء.


لغز الجين NOD2 وخلل الشراكة مع "جيردين"

أظهرت التحليلات أن هذا الارتباط بين جيردين وNOD2 يمنع الالتهاب المفرط ويتيح للجسم ترميم الأنسجة المتضررة. لكن الطفرات الشائعة في جين NOD2 تُفقده المنطقة المسؤولة عن هذا الارتباط، ما يعطّل آلية “المراقبة المناعية” في الأمعاء ويفتح الباب أمام الالتهاب المستمر. أوضحت الدكتورة براديبتا غوش، قائدة الفريق البحثي، أن “NOD2 يعمل كجهاز إنذار لمراقبة العدوى، لكن حين يفقد شراكته مع جيردين، تنهار منظومة الحماية بالكامل”.

ومن هنا، انتقل الباحثون لاختبار فرضيتهم على نماذج فئران معدلة وراثياً لتبيان آثار انعدام بروتين جيردين.


نتائج حاسمة واختبار بالنماذج الحيوانية

عندما قارَن العلماء بين فئران تملك جيردين وأخرى تفتقده، لاحظوا أن غياب هذا البروتين أحدث خللاً خطيراً في توازن بكتيريا الأمعاء (الميكروبيوم)، ما أدى إلى التهابات حادة وأحياناً تسمم دموي (إنتان). هذه النتائج أكدت أن الحفاظ على تفاعل NOD2 مع جيردين يمثل مفتاحاً حيوياً لسلامة الجهاز الهضمي.

وهذا يعيدنا إلى الفكرة الكبرى: الذكاء الاصطناعي لم يكن مجرد أداة تحليل، بل أصبح شريكاً في كشف آليات حيوية كانت مستعصية على العلماء لعقود.

ذو صلة

في ختام الدراسة، أكد الفريق أن استعادة العلاقة المفقودة بين جيردين وNOD2 قد تمثّل طريقاً علاجياً جديداً، إذ يمكن أن تتيح تطوير أدوية تستهدف هذا التفاعل لإعادة التوازن المناعي إلى الأمعاء. ونُشرت النتائج في مجلة الاستثمار السريري (Journal of Clinical Investigation)، لتفتح بذلك باباً جديداً أمام العلماء في رحلة فهم الأمراض الالتهابية المزمنة.

ما حققته جامعة كاليفورنيا لا يقتصر على حل لغز وراثي قديم، بل يرسّخ دخول الذكاء الاصطناعي الحيوي في عمق المختبر الطبي كأداة تكشف أسرار التفاعل بين الجينات والخلايا. وربما يكون هذا الاكتشاف الخطوة الأولى نحو علاجات شخصية أكثر دقة لمرض كرون وغيره من الاضطرابات المناعية.

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة